1. أصدرت الحركة الشعبية-شمال بيانا، فى 17 يناير، عرضت فيه موقفها الرافض للمبادرة الأمريكية (التي اطلعت عليها كاملة) لنقل وتوزيع الإغاثة، والمطالبة بتضمين ستة شروط أخرى، بحسب خطاب رئيس الحركة إلى المبعوث الأميركي، دونالد بوث، 12 يناير 2017. أيضا، عبرت الحركة عن موقفها هذا خلال اجتماع ضم بعض قياداتها مع المبعوثين الدوليين، الأمريكي والبريطاني والفرنسي والفرنسي والنروجي، وممثلين لهيئة المعونة الأمريكية، باريس، 17 يناير.
2. فى رأيي، أخطأت قيادة الحركة الشعبية التقدير فى عدم القبول، منذ أن أرجأت الإعلان عن موقفها إلى 13 يناير، وهو الموعد الذي قطعت فيه الإدارة الأمريكية بصدور قرارها الخاص بشأن العقوبات على السودان. وربما كانت القيادة تحسب أن إدارة أوباما على وشك الانتهاء، ولذلك لن تجرؤ على رفع العقوبات، بل ستترك الأمر برمته لإدارة الرئيس المنتخب، دونالد ترمب، مما يسمح للحركة بهامش كبير للمناورة وتعطيل العملية التفاوضية، عسى ولعل أن تتفجر الانتفاضة أو يبدل المجتمع الدولي قناعاته لصالح المعارضة. إضافة، إلى قرار رئيس الجمهورية، فى الأول من يناير، بوقف إطلاق النار لمدة شهر، الذي تبعه قرار مجلس الوزراء بتمديده لستة شهور أخري اعتبارا من 30 يناير الجاري، قد أربك حسابات الحركة الشعبية شمال، خاصة وأن الحكومة ستجد تقريظا من المجتمع الدولي لموافقتها على المبادرة الأمريكية لنقل الإغاثة، مما يضيق خيارات الحركة خارج سياق المفاوضات.
3. حقيقة، يثير هذا الرفض العديد من التساؤلات المشروعة حيال موقف الحركة من مواطني المنطقتين، خاصة وأن المساعدات الإنسانية هي عبارة عن أدوية ومعدات طبية. إضافة إلى أن، المقترح ألزم الحكومة الأمريكية بتحديد المسار المناسب لتجميع ونقل الإغاثة من إلى مناطق الحركة، بعد خضوعها للتفتيش الجمركي داخل الحدود السودانية. السؤال الجوهري، الذي لم يصبنى ملل من تكراره، هو حول جدوى العمل المسلح، خاصة لجهة عدم القدرة على حماية المدنيين وأيضا عدم القدرة على توفير الطعام لهم. ولربما الأهم من ذلك، أنه لم يستفتهم ولم يشاورهم أحد في قرار رفع السلاح، الذي يتحملون تبعاته!
4. فى هذا الصدد، كنت قد بعثت برسالة مطولة إلى رئيس الحركة الشعبية شمال، فى 23 أبريل2012، وقد نشرت على نطاق واسع (أنظر، موقع صحيفةSudantribune.com) يوم8 نوفمبر2015. ابتدرت الرسالة بأن استمرار القتال والمواجهات العنيفة بلا هوادة في المنطقتين، منذ 5 يونيو 2011، قد تترتب عليه آثار وخيمة وعواقب بعيدة المدى. يأتي على رأسها: فقدان الأرواح والإعقات، مع أزمة إنسانية قاتمة ومؤلمة، وحالة مروعة لحقوق الإنسان، وتدمير البنية التحتية؛ وتهديد سبل عيش وحياة السكان على جانبي مناطق التمازج بين الشمال والجنوب. وعلى المرء أن يتخيل، بعد مرور خمس سنوات منذ ذلك التاريخ، تزايد الضحايا ومضاعفة المعاناة، وحرمان الأطفال من حقهم المشروع فى التعليم والرعاية الصحية. وذلك، إضافة إلى تبيان الآثار السالبة للحرب على قواعد الحركة وهيكلها التنظي، مما عطل عملية صياغة الرؤية والبرنامج الإطارى، وأفضى إلى تفكك الحركة الشعبية-شمال، وتفرق سبلها، إلى عدد من الفصائل على أسس عرقية/إقليمية تتنافس على السعى للاعتراف بها والتسجيل كأحزاب سياسية.
5. تتلخص فحوى الرسالة، وما تبعتها من مقالات، وخطابات إلى رئيس الحركة الشعبية-شمال، فى أن الكفاح المسلح لم يعد الأداة المناسبة، أو الآلية الواعدة لتحقيق تطلعات الجماهير إلى التغيير الحقيقي فى حياتهم. ففى نهاية المطاف نجد أن المهمشين هم حقيقة وقود وضحايا الحرب، فى نفس الوقت، فإلى متى يظلوا صامدين، وإلى متى يدفعون تكلفتها الباهظة؟ فإن كان العمل المسلح، الذي استمر لعقود من الزمان، قد أثمر حينئذ فى تحقيق الانفصال للجنوب، فليس أبدا بالضرورة أن ينجح هذه المرة فى تحقيق أهداف الحركة، تحت ظروف موضوعية وذاتية مختلفة تماما. إن التغيير المنشود قد يصعب، إن لم يصبح تحقيقه مستحيلا فى ظل هذا الوضع غير-المتكافئ (asymmetrical) ، فيما يخص وسائل التغيير، بمعنى معارضة حاملة للسلاح، من جهة، ومقاومة مدنية سلمية، من جهة أخري. وفى مقال سابق، قلت إنه منذ انطلاقة مبادرة “العصيان المدني”، فى نوفمبر 2016، لم تبخل الحركات المسلحة، خاصة الحركة الشعبية، فى دعمها ومؤازرتها للحراك السلمي الشبابي، كوسيلة ناجعة للتغيير. بل انتقلت الحركة من مربع هي فيه مجرد المؤيد للحراك السلمي إلى خانة تقديم اقتراحات محددة فى ساحة العمل المدني. فقد طالبت قيادة الحركة “حملة الجوازات الأجنبية لتنظيم حملة دخول جماعية الي السودان وتحدي النظام. ( الحركة الشعبية شمال: الدعوة إلى النضال المدني، صحيفة اليوم التالي، 3 يناير 2017).
6. وفى تحول لافت، وربما لأول مرة، تقر قيادة الحركة الشعبية شمال، على الملأ، بأنه “كان الكفاح المسلح هو وسيلة النضال الرئيسية خلال السنوات الأولى لدكتاتورية المؤتمر الوطني”. جاء ذلك فى المحاضرة التي قدمها الأمين العام للحركة فى مركز الدورادو للكتاب، أوسلو، النرويج، 10 يناير 2017. ويضيف، بيد أن “فى هذه اللحظة، حدث تحول نوعي وقد أخذت حركة المقاومة الجماهيرية السلمية زمام القيادة. يمكننا القول بثقة بأن المقاومة السلمية للشعب السوداني قد ولدت من جديد وأن المشهد السياسي في حالة مخاض ويتوقع ولادة جديدة”. لا شك، أن هذا الإعلان يعد خطوة متقدمة ويبعث رسالة إيجابية للداخل والخارج بتحولها نحو تبني الوسائل المدنية السلمية، إن أحسنت قيادة الحركة إدارة هذا التوجه الجديد.
7. ومع ذلك، استعصى علي فهم أن سبب اللجوء للنضال المسلح هو قيام نظام الإنقاذ (بتحطيم الوسائل السلمية بشكل منهجي في إطار ما أسموه “سياسة التمكين(“، كما ورد بالنص فى محاضرة الأمين العام للحركة. فمن المسلمات أن العمل المسلح هو الطريق الذي اتخذته الحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان منذ تأسيسها فى مايو 1983، مستلهمة من التجارب السابقة للمقاومة فى جنوب السودان، تحت زعامة الراحل د. جون قرنق. وذلك، فى أخريات سنوات نميري فى الحكم، مع الاستمرار فى الكفاح المسلح طوال فترة الحكم النيابي-الديمقراطي(1986-1989)، بينما ابتدعت “سياسة التمكين” فى أعقاب استيلاء الجبهة القومية الإسلامية فى يونيو 1989. ومن ثم، انتهجت الحركة الشعبية-شمال نفس الوسيلة لتحقيق أهدافها السياسية، منذ اشتعال الحرب فى جنوب كردفان، فى الخامس من يونيو2011. ثمة تساؤل آخر: هل يعنى ربط العمل المسلح بالمرحلة الأولي لنظام الإنقاذ، أن مرحلة سياسة التمكين قد ولت وخبأ عهدها، مما فتح الباب للحركة الجماهيرية لتأخذ زمام المبادرة والقيادة؟
8. ملاحظة هامة، وهي أنه فى زحمة الاحتفاء بمولد الحركة الجماهيري لم توضح المحاضرة، بصورة مباشرة، دور العمل المسلح، فى أتون المعركة السياسية المدنية من أجل التغيير، وأين موقعها من قوي التغيير السلمي؟ ذلك، باستثناء إشارة خجولة فى سياق عرض المحاضرة لجهود تجديد الحركة الشعبية-شمال، ومن ضمنها أن “نتفحص نقديا إخفاقات ونجاحات حركات التحرر الوطني ووسائل الكفاح التي نستخدمها”. وذلك، بدون توضيح الطريقة التي سيتم من خلالها هذا الفحص أو تحديد سقوفات زمنية له. ومع ذلك، فمن الواضح أن الحركة تسعى لبناء قاعدة سياسية واسعة، ولقيادة هذه “الحركة الجماهيرية الجديدة”، بعد أن حددت المحاضرة كل مكوناتها. وتشمل الحركات المهنية والمجموعات الجديدة و التي تشمل الأطباء، المحاميين، الصيادلة، أساتذة الجامعات، واتحادات المعلمين، الحركة الاجتماعية الجديدة للشباب، النساء، الطلاب، الحركات التي تناضل من أجل هدف مميز: كنزع الأراضي، السدود، المزارعين، النازحين، ثم مجموعات وسائط التواصل الاجتماعي، والذين لعبوا دورا رئيسيا في العصيان المدني في نوفمبر وديسمبر 2016.
9. فى النسخة الأولي من الكفاح المسلح، 1983-2005، كانت الحركة الشعبية/الجيش الشعبي بمثابة القوة الدافعة للمعارضة، ولو من وراء ستار، تحت مظلة التجمع الوطني الديموقراطي. وكان الجيش الشعبي يمثل القوة العسكرية الضارية، التي تنازل الحكومة فى الميدان، مما أكسبها نفوذا وتأثيرا ملحوظين على مجمل العملية السياسية، خاصة على خلفية تمتعها بسند إقليمي ودولي. أما سعي الزعيم الراحل، جون قرنق، للتحالف مع جميع القوي السياسية المعارضة فلم يكن من أجل الإطاحة بالنظام، وحسب، بل دافعه الاستراتيجي تمثل فى حاجتة الملحة لكسب تأييد ودعم القِوى السياسية الشمالية لحق تقرير المصير للجنوب. لكن، يبدو هذه المرة، أن هدف الحركة من التحالفات مع القوى المدنية يفتقر إلى التعريف الدقيق، ربما فى انتظار نتائج البحث المضني عن آلية مفقودة لتجميع وتوحيد”قوى المعارضة بخلفياتها المتعددة حول حد أدني للاتفاق على خطة عمل لإزالة حكومة المؤتمر الوطني”، خاصة إذا نظرنا إلى طبيعة القوى التي تسعى الحركة إلى تجميعها فى مركز موحد. فأغلب هذه القوى (التي تم تصنيفها أعلاه) غير منظمة بل مبعثرة ومتنوعة الأطياف ومتعددة الطوائف، ومن الصعب إن لم يكن من المستحيل انخراطها فى أي هيكل تنظيمي، ولو كان فضفاضا. كما، أن سجل ورصيد الحركة الشعبية شمال فى التحالفات غير مبشر، إذ لم يصمد تحالفها طويلا مع الحركات المسلحة الدارفورية، بل انقسمت الجبهة الثورية إلى فصيلين متشاكسين.
10. فإن كانت الحركة جادة فى تبني النضال المدني، فكيف تكون طبيعة وشكل مساهمتها، بينما كل قياداتها إما خارج البلاد أو فى مناطق العمليات؟ فهل تكتفي بإصدار البيانات المروجة والمشجعة للنضال المدني السلمي، أو تناشد عضويتها المتبقية للمشاركة فيه، والتي لا يجمعها هيكل تنظيمي معلوم، وفى ظل غياب للقيادات؟ وفوق ذلك كله، ما هو مصير مئات الآلاف من أبناء وبنات المنطقتين الذين يعانون من ويلات الحرب، ويتعرضون للقصف بالطائرات، ويقدمون الضحايا ثمنا لقتال مجهول الأجل؟ خاصة، وأن محاضرة الأمين العام للحركة تنبه إلى أن الطريق نحو التغيير ليس مفروشا بالورود، بل هو مسار شائك، “يتطلب مجهودات عديدة في ظل وضع معقد كهذا”، مما يستحيل معه تحديد سقفا زمنيا للإطاحة للنظام، ويضاعف من فقدان الأنفس ويزيد من وتيرة النزوح واللجوء.
11. وكأنما الحركة، ولو بغير عمد، تساهم فى تفاقم معاناة المدنيين فى مناطق سيطرة الجيش الشعبي والقوات الحكومية، على حد سواء، برفضها للتفاوض على القضايا السياسية، إلا على ترتيبات انتقال السلطة، بل حصره، فقط، حول كيفية توصيل المساعدات الإنسانية (بل وأبدت موقفا متعنتا يصعب فهمه من الاقتراح الأمريكي). وذلك، بينما تدرك قيادة الحركة جيدا أنه لا يمكن تناول موضوع الإغاثة، بأي حال من الأحوال، بمعزل عن القضايا السياسية وفقا للخطوات المضمنة فى خارطة الطريق، التي وقعت عليها كل الحركات المسلحة، ولو متأخرا. فالخارطة، المقدمة من الآلية الأفريقية رفيعة المستوي، تظل هي الوثيقة الوحيدة التي توافقت عليها الأطراف الموقعة كمرجعية متكاملة لإدارة العملية السلمية. طبعا، لا شك أن هناك خروقات وتجاوزات للخارطة من قبل الحكومة، فيما يتصل بالاجتماع “التحضيري”، وقفل باب الحوار الوطني بمن حضر، ومع ذلك، ليس بالضرورة أن تقابل الحركة هذا الموقف بإغلاق الباب أمام تدفق المساعدات الإنسانية للمحتاجين، ووضع العصي فى دواليب وقف العدائيات وانطلاق العملية السياسية السلمية.
12. أما إذا اختارت الحركة الشعبية شمال طريق إسقاط النظام كوسيلة أفضل لتحقيق التغيير المنشود، فمن واجب قيادة الحركة أن تجيب على سؤال مفتاحي: هل يملك الجيش الشعبي القدرة، من منظور المديين القصير والمتوسط، على إحداث تحول جذري فى موازين القوى على الأرض؟ وهل يبقى المواطنون فى المناطق المتأثرة بالحرب رهينة لتغيير مرتقب لا تملك الحركة أدوات وعوامل حدوثه، ولما لا نهاية؟
13. من المهم، أن تنتبه المعارضة المدنية والمسلحة إلى الإشارات الضمنية التي انطوى عليها قرار رفع العقوبات، ومغزى الجهود المتواصلة لضمان وصول المساعدات للمحتاجين فى المنطقتين، بل باقتراح مشاركتها المباشرة فى نقلها بواسطة هيئة المعونة الأمريكية. فبهذين التدخلين، تبعث الولايات المتحدة برسائل إلى هذه القوى مفادها أن العمل لإضعاف النظام، ناهيك عن إسقاطه، فى ظل موازين القوى الراهنة، أمر لا تحبذه ضمن سياستها تجاه السودان. فمن مصلحة أمريكا، والاتحاد الأوروبي، من منظور الأمن القومي، أن يظل النظام متماسكا، ومسيطرا على الأوضاع الداخلية، حتى يستطيع القيام بالمهام الموكلة له فى مجالات مكافحة الإرهاب، الاتجار بالبشر، والتعاون فى التعامل مع النزاعات الإقليمية، خاصة فى جنوب السودان، وإجبار النظام على الابتعاد عن الأطراف التي تستهدف مصالح حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
14. على هذه الخلفية، وما لم تطرأ تغييرات دراماتيكية، فى رأيي أن مسؤولية قيادة الحركة الشعبية شمال عن مصير مئات الآلاف من المواطنين، وتعرضهم إلى أوضاع إنسانية مزرية. هذه المسؤولية، السياسية والأخلاقية، تملي عليها الموافقة على الاقتراح الأمريكي، طالما قبلته الحكومة، والتوصل على أساسه إلى اتفاق لوقف العدائيات. هذه خطوة هامة لكي تتم استعادة العملية السياسية ووضعها على المسار الصحيح، بعد انهيار جولة المفاوضات الأولي، التي عقدت مباشرة فى أعقاب توقيع الحركات المسلحة وحزب الأمة القومي على خارطة الطريق، فى 15 أغسطس 2015.
15. لقد ظللت أردد، فى العديد من المقالات، أن معضلة التباعُد في المواقف بشأن “مدى” مواضيع وأجندة التفاوُض بين الحكومة والحركة الشعبيَّة/شمال، هي التي ظلَّت دوماً تهدِّد المُفاوضات بالانهيار. فالجدل يدورُ حول: هل تقتصر المحادثات فقط على قضايا “المنطقتين”، كما تنظر الحكومة للأمر، أم مخاطبة النزاع من منظورٍ شامل، بما في ذلك مناقشة المسائل القوميَّة الدستوريَّة، وفق منظور الحركة. وكما في حالة الحوار السياسي العام، فلن يُكتَبَ نجاح لجولات التفاوُض المرتقبة في الوصول لاتفاقٍ بدون توافُق الطرفين على طبيعة ومدى المُخرجات المتوقعة من المفاوضات. فلكُلِّ طرفٍ تصوُّره وتوقُّعاته لنتائج التفاوُض وطبيعة ومدى التغيير الذي سيُفضي إليه فى البنية السياسية والمؤسسية للدولة.
16. إذن، يدور الخلاف الاستراتيجي بين الحكومة والحركة الشعبية-شمال، وبقية الحركات المسلحة فى دارفور، حول من يأتي أولا: الاتفاق على القضايا السياسية أم الاتفاق الأمني-العسكري. بمعنى آخر، الحركة تريد الاحتفاظ بجيشها وقواتها حتى تطمئن على تحقيق الأهداف السياسية التي رفعت السلاح من أجلها. بينما، تتمسك الحكومة بموقفها المعلن أن يتم التوقيع على اتفاق الترتيبات الأمنية الشاملة، بما يعنى وضع السلاح أرضا، قبل الولوج فى التفاوض حول المسائل السياسية. أما على صعيد الحوار السياسي العام، تتجسد هذه الحالة فى إشاعة الحريات، خاصة حريتي التنظيم والتعبير، أولا، حتى ترتب أوضاعها، بينما ترى الحكومة أن إطلاق الحريات رهين بوقف الحرب أولا.
17. وبالتالي، فإن تجاوز حالة التناقض هذه، تستوجب اتفاق الطرفين على المحطَّة التي ستقود إليها رحلة التفاوُض في نهاية المطاف، فيُقبِلَ كلٌ منهُما على الحوار بعقلٍ مفتوح، وبثقة فيما قد يُسفِرَ عنه من نتائج. على الضفة الأخرى، ينبغى على المؤتمر الوطني، والتحالف الحاكم فى البلاد، إدراك ذلك. هذا، بدوره، يستدعى الشروع مباشرة، بعد وقف العدائيات، فى مفاوضات متزامنة وموازية تفضى إلى اتفاق سياسي شامل (مع ضمانات سياسية لتحول الحركة إلى تنظيم مشروع) والتوصل إلى اتفاقية للترتيبات الأمنية الشاملة، وذلك وفق جداول وسقوف زمنية محددة. والله أعلم.
kameir@yahoo.com