[quote]نحن لم نفتح ملفات الرق وإنما هي موجودة في تأريخ السودان منذ أمد بعيد وآثارها مازالت موجوده
في الدولة الحديثه لأن أهم عنصر في عملية الاقتصاد هو عنصر تجارة الرق[/quote]
[quote]وضعية جدلية المركز والهامش هي جدلية مأزومة قائمة علي تقسيمة تتنافي مع توجهات سادة الدولة[/quote]
[quote]منبر السلام العادل هو واحد من الفئات الاسلاموعروبية ولا نضع أنفسنا في المواجهة معهم[/quote]
[quote]نعمل في كل الوسائل المفترض أن تؤدي الي التغيير والأولوية لبناء الوعي[/quote]
د.ابكر ادم إسماعيل أحد المفكرين القلائل الذين يهتمون بالهامش السوداني العريض ركزت جل كتاباته في الحديث حول الهامش ومشاكل الدولة السودانية الحديثة سجل لنفسه عشرات المخطوطات والكتب تتحدث صراحة عن أزمة الهوية السودانية والإستعباد وظلم إنسان الهامش علي مر تأريخ الأنظمة الحاكمة
أثار كتابه” جدلية المركز والهامش،، الكثير من القضايا التاريخية الشائكة المسكوت عنها
كما أتبعه برواياته الخالده ”الطريق الي المدن المستحيلة ” و ” الضفة الاخري ” و”أحلام في بلاد الشمس ”
واضعا خارطة طريق مفصلة لتغيير طويل المدي ينطلق من نقطة بناء الوعي المعرفي بالواقع .
(صوت الهامش) طرحت عليه العديد من التساؤلات حول الكثير من القضايا وبكل سعة صدر أجاب عليها
فإلي مضابط الحوار
حاوره : أحمد محمود
مرحباً بك الدكتور أبكر آدم إسماعيل في حوار ولقاء خاص في صحيفه (صوت الهامش)
مرحبا بكم.
اهلا وسهلاً بك دكتور أبكر آدم إسماعيل
– في البدء إلي ماذا تعتمد فلسفة الروايه عندك ؟
شكرا جزيلا انا أحي الرفاق الأعزاء والشباب العاملين بصحيفه (صوت الهامش) وافتكر بأن هذه فكره طيبه بأن أري الشباب يقوم بقضيته ومن ضمنها إسماع صوته للعالم في حلبة الصراع السوداني وأنا أقول لهم مثلما يغني وردي : (ارفع صوتك هيبه وجبره ارفع صوتك عالي النبره ) في حلبة الصراع السوداني والمثل القائل : – ماحك جلدك مثل ظفرك – ينطبق علي الناس المهمشين ،
والتهميش جزء كبير منه هو عملية الاستبعاد للناس من حلبة السلطه والثروة ومن المعرفة نفسها ،
وبالتالي أفتكر ان قيام الشباب بمثل هذه المبادرات يعد عملا ممتازا وأرجوا ان يبذل الناس كل جهدهم لتتطويره إلي الامام من أجل أن يكون لديهم صوتهم .
.
– دكتور هل الإنتماء السياسي للروائي تؤثر علي أفكاره؟
لم أجيب علي السؤال الأول حول فلسفة الرواية بعد ، فالرواية هي عمل أدبي وأي عمل أدبي بالضرورة مرتبط بواحد من الخيارات للكاتب غير أنها مرتبطة بموهبة الكاتب في النوع المتعلق بالرواية والشعر وغيرهما وتعتبر فلسفة الرواية نوع من التاريخ الموازي ، وبالنسبة لي أنا فالمسألة مرتبطة بإترام الحياة بكل ما فيها من فرح ومن ألم ومن أشياء كثيره .
أما فيما يختص بموقف الكاتب السياسي وأثره فهذه مسألة بديهية ، ففي فترة من الفترات كان يدور جدل حول
هل الأدب من أجل المجتمع والفن من أجل الفن والمدارس النقدية تتكلم وتبرر ﻷشكال الكتابه وأشكال الفنون ويري بعض الناس أن الإلتزام جزء أساسي من الكتابة من أجل أن يكون لديها القيمة ، بينما يري آخرون أن الأدب فيه قدر من الحرية الفردية للكاتب علي أساس أنه لديه ضمير في نهاية اﻷمر يعبر عن الأشياء ليس بالضروره أن تكون بالشكل المباشر ، لكن بالضرورة موقف الكاتب السياسي هو ضمن مواقفه من الحياة وبكل تأكيد تؤثر في شكل كتابته لأن أي كتابة هي في النهاية إختيار وأي إختيار هو بالضروره مبني علي موقف مسبق ( يعني مافي حاجه اسمها شخص يجي يكتب ساي كدا الا يكون هو شخص ساذج ماعنده فكرة عن الكتابه ولا عن الحياة).
– إلي أي مدي وصلت الرواية السودانيه للعالميه؟
والله أنا من ناحية شخصية مامهتم بمسألة العالمية وماالعالمية ﻷن المقوله نفسها هي
(ماهو المعيار الذي يحدد عالمية الكتابة من غيرها ؟ ) هذه المساله تحكمها علاقات السلطه فقط ، فأي كاتب بالضروره هو كاتب عالمي وأي كاتب بالضرورة هو كاتب محلي ، فالذين يسمون أنفسهم عالميين من الكتاب لم يكتبوا عن العالم بل كتبوا عن أشياءهم وعن مواقفهم وبناء علي ثقافتهم ولغتهم وكل هذه الأشياء تحمل محمولات مسبقة والذي يجعل الكاتب يسمي عالمي من عدمه هي مسألة علاقات السلطه وهذه مسالة بديهيه فالانسان الذي ينتمي للفئه المسيطرة يكون لديه مساحة أكبر في الانتشار وغيره من الاشياء وهذا هو السبب الذي يجعله يسمي عالمي ، ولكن في السودان عندما استدعت الظروف ان توافق كتابات بعض الكتاب احتياجات التيارات العالميه من اجل تكملة صورتها وفهمها للوقائع المتعلقه بالمجتمعات الأخري غير مجتمعاتهم حولتهم إلي كتب تدرس . فمثلاً (أتشيبي) في نيجيريا و(الطيب صالح) في السودان وا(نقوقي اثيانقو) في الكونغو صنفوا علي اعتبار أنهم كتاب عالميين بينما رصفاءهم موجودون في السودان وغيره ويكتبون بذات الكفاءات و لكن في النهايه لم تنتشر كتاباتهم لأن خيارات الفئات المهيمنة علي السلطة العامة علي مستوي العالم لم تكن مهتمة بهذه القصة ، ما يهمني في الكاتب أن يجود من أدوات كتابته وأن يعمق رؤيته للعالم.
– دكتور كيف تخدم الرواية قضية الهامش والغلابة البسطا ء ؟
واحده من الاشياء المرتبطه بالناس المهمشين عموما في أي مكان في العالم غير ما نسميه نحن ب(الهامش) في السودان أنهم أناس مستبعدين لا صوت لهم وكل أشياءهم في سلم الأولويات وسلم الأهميات وسلم التبادل دائما يكون في الطبقات الدنيا من الأشياء وبالتالي الكتابة عنهم وعن حياتهم بالضروره ترفع من مكانتهم في حلبة الصراع وفي علاقات القوة وبأن للمعرفة نفسها علاقه بالمصالح وعلاقه بالسلطه وبكثير من الاشياء علي الاقل علي المستوي المعنوي وهذا بإمكانه ان يبرز كثير من جمالياتهم من وتقيهيم من مشاكل اسباب الشرور التي تحصل في حياتهم وهذه عمليه يمكن ان نقول بشكل اوبآخر تمنحهم مساحة اكبر ومساحة يستحقونها في الوجود .
في الوقت الذي يسعي فيه السلطات نفيهم من هذا الوجود فهذا عموم شكل المسالة بالنسبة لي .
– دكتور ابكر ادم اسماعيل لماذا ركزت جل كتابتك حول الهامش السوداني العريض ؟
لا ، أنا اكتب في أشياء كتيره ليست فقط حول الهامش السوداني العريض هذا ﻷنه مرتبط بالدراسه التي أجريتها في جدلية المركز والهامش و افتكر أن هذا هو المدخل اﻷوسع لقراءة اشكاليات الصراع في السودان ،
ولذلك يرد هذا الكلام كثيراً ، فأي كاتب أو باحث أو فيلسوف لديه مايسمي بالهاجس المركزي الذي منه تبدأ المعرفة تحركها ، وهذا مربوط بمنظورك أنت للعالم بحيث كيف تعرف العالم وكيف تقرأه وترتبط منظوري بهذا باعتبار أن منظور جدلية المركز والهامش هو المنظور اﻷوسع للنظر إلي القضايا الخاصة بالصراع في السودان ويشمل كل شئ فتشمل الأكل والشرب والعادات والتقاليد والدين وكل شئ ولذلك تجد أن هذا السبب مربوطة بنا بالكتابة وأن الناس تقرأنا من هذا المنظور .
– تطرقت في كتابكم جدلية المركز والهامش علي قضايا تتعلق بالرق في السودان برأيك لماذا يعزف الكتاب السودانيون عن تناول تلك الملفات المسكوت عنها ؟
نحن لم نأتي لفتح ملفات الرق في السودان وإنما هي موجودة في تاريخ السودان منذ أمد بعيد وآثارها مازالت باقية حتي الآن وتؤثر علي كل الاشياء التي تحصل في السودان ، في جدلية المركز والهامش كان همنا هو هم معرفي وأردنا أن نعرف ماهي أهم العناصر التي ساهمت في خلق التفاوتات الهيكلية في السودان والتفاوت الهيكلي هي ليست مسالة مربوطة بمن أين أتي فلان او هذا غني وذاك فقير ..الخ
التفاوت الهيكلي مربوط بالمجموعات لأن ثمة مجموعة لديها امتيازات في حلبة الصراع وبالتالي لديها حق أكبر في الثروة والسلطة وهناك جماعة أخري لا تمتلك تلك الامتيازات ، وهناك من يتحدث عن التنمية غير المتوازنه وعندما يتحدثون عنها يتجاهلون أهم عنصر في عملية التنمية غير المتوزانة هذه ويقولون بان الاستعمار ركز في الحته الفلانية وكذا الحكومات المتعاقبة ، ونحن منظورنا للتنمية منظور أشمل لأنها مربوطة بفطرة الإنسان نفسها هي تنمية الانسان وان التنمية الغير متوازنه لديها جذور تاريخية واهم جذر تأريخي لها في السودان هو عملية مؤسسة الرق في السودان ﻷن هناك بعض الشعوب الموجودة في السودان كانت تعرف نفسها كسادة وبالتالي تعرف بقية الشعوب التي تقيم معها في السودان علي أساس أنهم عبيد ، وهذه علاقة السلطة عبر التاريخ منذ الدويلات الاسلامية في دولة الفور والفونج والمسبعات وغيرها كانت دويلات عبودية وعندما تم تأسيس الدولة الحديثه بدأت بأهم عنصر في عملية الاقتصاد وهو عنصر الرق وبالتالي قامت جماعات ساعدت الاستعمار في نهب جماعات أخري بشريا وماديا وبالتالي كان للرق عنصر مركزي في عملية الصراع في السودان ، وعندما ألغي الإنجليز مؤسسة الرق بعد 1899 كان هذا الإلغاء فقط علي المستوي القانوني لما يسمي بالوضعية القانونية للرق ولكن الرق كوضعية إجتماعية حتي يوم الليلة آثاره موجودة ، موجودة في تقسيم العمل وقوانين الملكية وفي التزاوجات الاجتماعية وامكانية الوصول للسلطة والثروة وفي كل الاشياء ﻷن هناك جماعات خلقت رؤس اموال واصبحت متفوقة إقتصاديا وخلقت لها أيدلوجية إثنية دينية تعرف بها السودان وتبرر بها إمتيازاتها في حلقة الصراع وبالتالي تجد الجماعات التي لم تنتمي إليها مستبعدين وهناك عوامل مثل التعليم واللغة والدين وغيرها ، فهذه مجتمعات خرابية وبالتالي عنصر الاقليم يدخل لأن كل جماعة لازالت تعيش في اقليمها ولديها عقلية أن المتنقل من إقليم إلي إقليم إذا لم تكن لديه سلطة آتية من الأعلي فإنه ينظر إليه علي أنه مواطن من الدرجة الثانية
فعلاقات السلطة دائماً تقوم علي هذه المسألة وهي علاقات رأسية ومسالة الرق هي أهم عنصر في التنمية الغير المتوازنه علي المستوي الإقتصادي ، ومتعلقه بالتشدد والتفاوتات العرقية والإثنية علي المستوي الإجتماعي ، ومتعلقه بمسألة الإستبداد والسلطة علي المستوي السياسي ،ﻷن البعض ممن كانوا يرون أنفسهم أنهم سادة والبقية عبيد حسب وضعهم الاجتماعي لن يسمحوا لمن كانوا ينظر إليهم كعبيد أن يحكموهم وهذا هو السبب ، و مسالة الرق لابد أن تأخذ وضعها الطبيعي ﻷنها أيضا مربوطة بالهيمنة الثقافية والهيمينه الدينية وغيرها من التمايزات العرقية فأهم ميزة متعلقه في عملية السيادة والعبودية هي مسألة تعريف الانسان إثنيا وثقافيا وهذا عنصر إمتياز بالنسبة للفئات التي ظلت تحكم السودان طوال الفترة الماضية سواء كان من خلال تعاملها مع الإستعمار بصورة غير مباشرة او من خلال حكمهم المباشر بعد ذهاب الاستعمار ترك لهم الدولة لأنهم يمثلون الفئة التي كانت أقرب منه وإستفادت من مؤسساته فورثها الدولة لتعد انتاج حالة إمتيازاتها في حلبة الصراع ، وافتكر انه يجب أن لا يفصل الصراع من تأريخه ،
فتأريخ الصراع بدأ منذ تكوين الدولة السودانية وتقسيم الناس إلي سادة وعبيد ونحن لهذا السبب حللنا هذه المسالة في جدلية المركز والهامش ووضعناها في مكانها لسبب علمي ومعرفي ليعرف الناس أن هذا هو أساس الإشكالية ، أما الحديث الذي قيل بأننا نسعي لإثارة الفتنه طبعاً هذه وسائل دفاع للذين لديهم السلطة ويعتقدون أن عبيدهم سيأتون لمنافستهم في السلطة ليس إلا .
– ركز كتابكم جدلية المركز والهامش علي ان شرارة الأزمة السودانية تنطلق من أزمة الهوية في المقام الأول فماهي الهوية السودانية ….؟
موضوع الهوية فيه إلتباس أنا لم أقل تحديداً أن المشكلة في السودان هي مشكلة الهوية انا قلت مشكلة الهوية هي واحدة من أهم عناصر الصراع في السودان لسبب مهم مربوط بتاريخ تكوين الدولة السودانية خاصة الدولة الحديثة السودانية حاول المثقفون القول بأن هل هي مشكلة هوية ام مشكلة موارد، فالحديث عن صراع الموارد صحيح لكن الحديث عن صراع الهوية أصح
لماذا ؟ لأنه عند بداية تكوين الدولة الحديثه في السودان بغزو محمد علي باشا 18211 تم تقسيم السودانيين لسادة وعبيد بغض النظر عن أنهم تم القبض عليهم واستعبادهم أم لا ، فبمجرد أن يتم تعريفك بأنك من السادة لايجوز استعبادك لكن بمجرد أن يصنفوك بأنك من العبيد ستكون عبدا محتملا ، وبالتالي فكرة الموارد في ذهنية مؤسس الدولة الحديثة البشر يعتبرون جزء من الموارد لأن أهم عنصر في بناء الدولة الحديثه هم البشر وغالبية الناس الجلابة وغيرهم ممن امتلكوا رؤوس أموال وصاروا أغنياء ما كان لديهم رؤس أموال مجرد باعة متجولون وتحولوا الي أغنياء بامتلاكهم رؤوس الأموال عبر اصطياد العبيد
وليس كما يذكر في التاريخ من أنهم طوروا تجارتهم بتجارة الصمغ وريش النعام وغيرها من المعلومات التي تخفي هذه الحقائق .
وعلي مدي زمن طويل هناك شعوب ظلت تتعرض للنهب كبشر ويتم تعريفهم كموارد وبالتالي مشكلة الهوية هذه مهمة ،
مهمة ﻷن مثلا هل انت سيد او عبد فلو تم تصنيفك من السادة تخرج من عملية إنك انت ( موارد) وتضم للفئة( السادة) واذا صنفت كمورد من الموارد يتم قبضك مثل البهائم فتباع وتشتري ، لذلك للهوية أهمية
خاصة .
ولحدي الليلة يتم تعريف الدولة بشكل جزئي و هي عملية استبعاد من يعتبرونهم عبيد فلم يعطونهم فرصة لاستعادة هويتهم كبشر ليكونوا شركاء في الدولة ، وطول ما يتم تعريف الدولة بمسالة العروبة والاسلام يظل الآخرون في حيزالموارد وهذه هي الإشكالية في الوضعية القانونية ، فالوضعية القانونية تقر بأن الناس سواسية كأسنان المشط وكذا
لكن علي مستوي الوضعية الاجتماعية لا يزالون يعاملون كعبيد في قوانين الملكية ،وعلي مستوي تقسيم العمل فالاعمال الراقية هي دائماً لأناس معيين والكبار ينتمون لجماعات معينه والكناسين وشيالين( الخرا ) وبتاعين كوارع الجداد هم من فئة معينه ،
طيب من أين أتي هذا التقسيم ؟ السلطة تعطي امتيازات لمجموعة من الناس لينالوا حظهم من السلطة والثروة.
– كيف تنظر لواقع الهامش اليوم ؟
وضعية جدلية المركر والهامش هي وضعية مأزومة بطبيعتها ﻷنها قائمة علي تقسيمة تتنافي مع فرضيات الدولة الحديثه والمجتمع الحديث ﻷن تقسيم الناس الي سادة وعبيد والإصرار علي إعادة انتاجه لا يولد الا المزيد من المشاكل ، الهامش لا يمتلك أدوات السلطة وبالتالي لا يمتلك أدوات التغيير وغيرها وأحياناً لا يمتلك حتي الوعي بوضعه … والاستبعاد يسبب كثيراً من المشاكل فهم ورغم كثرتهم لكنهم لا قوة لهم في المجتمع ،
ومع مرور الزمن بدأوا يكتسبون هذه القوة من خلال تطور وعيهم بالصراع وتطور امكاناتهم ،
هناك فرق بين إحساس المفاهيم الذاتية والوعي بالأسباب التي تؤدي الي الظلم فكثير من الناس غير واعين بهذه المسالة ، لكن في الأخير قوة الهامش بدأت تعي وتنظم نفسها وآخر تجربة كانت تجربة الحركة الشعبية، لكن في النهاية أتي أشخاص ف(لتوا وعجنوا) فيها حتي أعاقوا المشروع وبالتالي اصبح الهامش غير قادر علي ان يبني الوعي الكافي والقوة الكافية لانتزاع حقوقه ، وهذا مرتبط بهيمنة جماعات المركز وسيطرتهم علي عقول الناس مرة بإسم الدين ومرة بإسم العلم وغيرهما ، لكن رغم كل ذلك أري أن مسيرة الوعي والقوة في تطور لكنها تحتاج لنوع من التنظيم والقيادة ، الهامش لديه مشكلة التنظيم والقيادة ، فالقيادة الصحيحة إلي اليوم لم تكتمل بعد فقط تأتي في شكل أفراد فمثلاً جاء الإمام محمد أحمد المهدي إلا ان وفاته المبكر اقعد تقدم مشروع التحرر الوطني -حتي ولو كانت مربوطة بالدين -، جاء أيضاً الدكتور جون قرنق وبني الفكرة الصحيحة وبعد وفاته ظهرت لنا أناس حتي مستوي وعيهم مستلب للمركزية فبددوا الجهود الكبيرة لناس الهامش في مشاكلهم الذاتية لمجرد جريهم وراء كراسي السلطة ، فالدكتور جون قرنق طوال فترة وجوده في الغابة لم يفكر في الانقلاب لنيل الكرسي مثلاً .
فالشروط التاريخية لثورة الهامش لم تكتمل بعد انما هي في طور التكوين لان هناك الكثير من المشاكل ويوجد أناس -متشعبطين – وانتهازيين وحرامية وفيهم نشالين وبتاعين الجمارك وبائعين ومشترين (راكوبة في السوق )
لكن هذه الوضعية لن تستمر طويلاً .
– يصفك البعض بأنك تمثل تيار اليسار الافريقاني السوداني في مواجهة التيار اليميني الإستعرابي السوداني الذي يتزعمه منبر السلام العادل فهل فعلا تسعي لخلق جسم مضاد تتسم بذات الصفات التي عرفت بها المدرسة الاخري من باب المعاملة بالمثل مثلاً ؟
لا طبعاً ،
منبر السلام العادل هو فئة من الفئات الاسلاموعروبية وإن كانوا يمين او يسار فهذا موضوع آخر ، وهم فئات مثلهم مثل أي مجتمع فيهم الحصيف وفيهم المكار وهم مجرد فئة ونحن لم نضع أنفسنا في مواجهة مع هذه التيارات ﻷي سبب ، وهم لديهم صحيفتهم ويقولون فيها كل ما يريدون ،
نحن تيار شامل ينظر للصراع بمنظور أشمل وهو منظور الصراع الثقافي الذي يبدأ من سبل كسب العيش مروراً بعلاقات السلطة والتراكيب الاجتماعية المتعلقة بالقرابة وقوانين الملكية والآداب واللغة والدين وكل هذه الأشياء نعتبرها أبعادا في الصراع ،
نحن تيار لا يسعي لتغيير حكومة معينه أو نظام سياسي معين ، بل نسعي لتغيير وضعية تأريخية وهذه الوضعية التاريخية التي نعرفها بإسم ”جدلية المركز والهامش” منذ تكوين الدولة الحديثه والي اليوم
نحن ننظر من هذا المنظور الي أن كل هذه الفئات بغض النظر عن مسمياتها علي أنها فئات الإسلاموعروبية فهم بالنسبة لنا يمثلون الصراع الصغير الذي يدور حول كراسي السلطة بين جماعه لديها ثوابتها الثقافية وإنتماءاتها العرقية والإقليمية وغيرها ، فهم لا يختلفون في ذلك وحاولوا تعميمها علي بقية السودانيين ، ونحن ننظر للمسألة باعتبار أن هناك صراع كبير (صراع الكتل البشرية ) صراع جماعات إثنية ثقافية لديها إقليمها ضد جماعة أخري وهكذا ونسميه الصراع الكبير ، والتغييرالذي نسعي إليه هو تغيير طويل المدي علي المستوي الاقتصادي والتغيير السياسي وهو استبدال الإستبداد بالديمقراطية الأحادية الثقافية أحادية الهوية بالتنوع في الوحدة وأن الإنسان يقاس بعطاءه وليس بمواريثه العرقية أو الجهوية أو غيرها ، ونقل وسائل سبل كسب العيش وتطوير قدرات الناس والتخلص من نمط اقتصاد الرئة العشائري الذي تتبناه الدولة بإسم الاسلام وما الي ذلك من أجل أن نحدث التحول الكبير ،
وكلهم يمثلون كتلة واحدة يتفاوتون فيما بينهم لكنهم ينتمون لهذه الكتلة علي مستوي الصراع الكبير ، والذي لديه النظرة الاستراتيجية والوعي لا يمكن ان تضلله تلك الائتلافات والتحالفات المرحلية التي يقيمها الساسة حالياً ، لأن الصراع في السودان أكبر من ما يفعله الساسة لتحقيق مصالحهم الآنية هذه ، وكلما يتجاهلون المشكلة الأكبر ويتم تأجيلها لوقت آخر تأتي بشكل أعنف وأكبر .
– ذكرت أنكم تسعون لتغيير شامل لعدة جوانب فما هي الآليات التي من خلالها ستحققون هذا التغير؟
بكل تأكيد نحن نعمل في كل الوسائل المفترض أنها تؤدي إلي التغيير ، لكن الأولوية عندنا مربوطة ببناء الوعي ، وبناء الوعي مربوط بإنتاج المعرفة بمعني ان المعرفة ليست مستقلة عن علاقات السلطة فالشخص المالك للسلطة هو الذي يخلق وينشر المعرفة التي تخدم مصالحه الأيديولوجية والمادية في حلبة الصراع ،
وبالتالي نحن مهتمون أساساً بعملية إنتاج المعرفة ونشرها وبناء الوعي بالواقع وبناء الوعي بالإمكانات المتوفرة والتي يمكن توفيرها لخلق نوع من التأثير بعلاقات القوة بحيث ينال الناس المهمشون حقوقهم التاريخية والمستقبلية
وهذا هو السبب الذي يجعلنا عادة نركز في المسائل المتعلقه بالبحث والكتابة والتدريب باعتبار أن الحراكات المتعلقه ببناء التنظمات وغيرها عندما تكون قائمة علي الوعي تعمل قوة حقيقية ، أما التنظيمات القائمة علي المشاعر فيمكن أن تتبدد في أية لحظة ولن تقوي علي التغيير الجذري وبالتالي نحن واعون بأن التغيير الجذري يحتاج إلي زمن لذلك نحن غير مستعجلين في هذه المسألة ولم نهتم كثيرا بإجماعات الأحزاب السياسية وصولاتها لكننا نهتم بمسألة البحث والتنقيب وخاصة تركيزنا علي الشباب .
– دكتور أبكر ادم إسماعيل شكراً جزيلا
وإلي أن نلتقي في لقاء قادم
شكراً لك ولكل العاملين بصحيفه صوت الهامش العريقة