الحلقة الأخيرة والأخيرة.
البعض يعتقد أن الديمقراطية هي حرية الكلام، لذلك تجدهم يعبئون أطناناً لكي يلتهمها الشعب المغلوب على أمره هنيئاً مريئاً.
—
إجمالاً لن يستقيم حال الديمقراطية في السودان ما لم تدرس ضمن المنهج التعليمي في مدارس الأساس.
—
الشباب السوداني مأزوم من السلطة ومعارضيها.
—
لا توجد أحزاب في السودان ، وفق التعريف المنهجي المتعارف عليه في العلوم السياسية
بعض سياسيينا يفضلون أن تتابعهم تجاربهم حتى القبر ولا يمنحونها لغيرهم.
الأستاذ فتحي الضّو الكاتب الصحفي ذائع الصيت ، رئيس اتحاد الصحافيين السودانيين بالولايات المتحدة الأمريكية. الضّو كاتب مدهش بإصداراته التي سبرت غور الحقائق التراجيدية للأنظمة الدكتاتورية بالسودان، أثرى الضٰو الساحة السودانية بكتب قيمة أبحرت في أعماق المشكل السوداني، درج الضّو في كتاباته على فك شفرة الأحداث وعرض ما هو مختبئ داخل الأنظمة الاستبدادية، ومنتقداً لتجارب الأحزاب السودانية دون استثناء.. رغم سيرته المكتنزة بالعطاء والإصدارات التي خلقت حالة ترقب لكل ما يخطه قلمه لما فيها من معلومات وحقائق، وعرض مدهش. يستقبلك بتواضع العلماء، وأدب الذين أرتوا من القيم النبل.. الضّو من الأقلام التي ناهضت نظام الرئيس الأسبق جعفر نميري حتى سقوطه، وعمل بالصحافة الكويتية في نهاية ثمانيات القرن الماضي وحتى مغادرته الكويت بعد الغزو العراقي في العام 1990، ساهم بمشاركته المستقلة في بدايات تأسيس فعاليات التجمع الوطني الديمقراطي وبخاصة في مجال الاعلام، في العام 1993م، غادر القاهرة للعمل في منطقة القرن الأفريقي، متجولاً في أقطارها (أثيوبيا، جيبوتي، الصومال، كينيا، يوغندا، واستقر في العاصمة الإريترية أسمرا. قام بتغطية الحرب الأهلية الصومالية، ثمّ العمليات العسكرية فيما سمي بالجبهة الشرقية بين قوى المعارضة المنضوية تحت لواء التجمع الوطني الديمقراطي والنظام الحاكم في الخرطوم. قام بتغطية الحرب الأثيوبية الإريترية الثانية في العام 1998 وحتى العام 2000 من مواقعها الأمامية مراسلاً حربياً. في العام 2002 غادر أسمرا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث استقر وأسرته في مدينة شيكاغو. الحوار غني للغاية بالتحليل العميق والرؤية الثاقبة لتطورات الأحداث بالسودان. إلى التفاصيل :
أجرته بواشنطن: فاطمة غزالي
لماذا في تقديرك تعاني الأحزاب السودانية من ظاهرة صراع الأجيال؟
– واقع الأمر هذا سؤال يبدو سياسياً في ظاهره ، ولكنه جمع متناقضات كثيره في جوهره. وهو جوهر خليط انثروبولوجي، سوسيولوجي، سيكولوجي، فلسفي، عقدي ألخ. أي مكونات الشخصية السودانية السلوكية والتربوية. ليس هناك نمط لشخصية سودانية واحدة، مثلما ليس هناك ما يسمى بهوية سودانية واحدة. فهناك عدة هويات، وبنفس القدر هناك عدة شخصيات تختلف عن بعضها البعض في صفاتها وسلوكياتها الحياتية. نحن شعوب داخل الحوش السوداني لم تتعارف إلا بالقدر اليسير، ولسنا شعباً واحداً. فالحديث عن أننا شعب واحد يجافي الواقع بل يعد خيانة له. كما أنه لن يضيرنا شيئاً أذا قلنا إننا شعوب، بل على العكس .. ذلك يمنحنا فرصة التعبير الحقيقي عن التنوع الثقافي الذي لم نستطع الاستفادة منه مثلما حدث للشعوب الأمريكية أو الاسترالية أو الكندية أو الأوروبية التي صنعته صناعةً. لعل هذا الذي ذكرت يجيب على سؤالك بطريقة غير مباشرة.
وهل هناك غياب للأطر الديمقراطية داخل الأحزاب؟
– مؤكد.. نحن شعب يعشق الديمقراطية وفق ثقافة الشفاهة التي وصمنا بها وهي حقيقة. ولأن فاقد الشيء لا يعطيه لم تستطع القوى السياسية الحزبية المحافظة على الديمقراطية عندما جاءتها أكثر من مرة تجرجر أذيالها. البعض يعتقد أن الديمقراطية هي حرية الكلام، ولذلك تجدهم يعبئون أطناناً لكي يلتهمها الشعب المغلوب على أمره هنيئاً مريئاً. ويظلوا يفعلون ذلك إلى أن ينقض العسكر بذريعة فساد النظام الديمقراطي، وذرائع أخرى ترتدّ عليهم بعشر أمثالها عندما يستلمون السلطة نفسها. أقول اجمالاً لن يستقيم حال الديمقراطية في السودان ما لم تدرس ضمن المنهج التعليمي في مدارس الأساس.
وهل تعتقد أن صراع الأجيال أظهر الحركات الشبابية التي تدعو للتغيير مثل حركة (قرفنا/ التغيير الآن/ كفاية) وغيرهم؟
– يمكنك قول ذلك. واقع الحال أن الشباب الذي أوجد هذه الظواهر يتمرد على نفسه قبل أن يتمرد على السلطة، وذلك نتيجة لعجز القادرين على التمام من القوى السياسية الموجودة في الساحة. هم يريدون أن يقولوا بطريقة غير مباشرة أنهم غير ممثلين في الواقع الذي يمثلون فيه النصف، بل هم كل المستقبل كما يقولون. الشباب السوداني مأزوم من السلطة ومعارضيها. لذلك هناك تململ شبابي لم يبلغ درجة الفوران داخل أطر القوى السياسية الحزبية، وبنفس القدر هناك تمرد على السلطة أدى إلى بروز الحركات المذكورة في سؤالك. كما أن بروز بعضها في العمل الطوعي الاجتماعي مثل شباب نفير أو شباب بيت الحوادث هو رسالة أخرى متمردة على السلطة ومعارضيها، فيما يخص القضايا الحاضرة الغائبة وهي القضايا الخدمية المجتمعية. وهي كثر كما تعلمين، إذ تشمل الصحة والتعليم والتربية والتقنية الحديثة وإصحاح البيئة وهلمجرا.
استناداً إلى ذلك لماذا ظلّ الحرس القديم مسيطرت على النشاط الحزبي يميناً ويساراً، بنموذج ما حدث في الحزب الشيوعي وأدى إلى فصل الدكتور الشفيع خضر وتوقيف ثلاثة آخرين؟
– أما لماذا الحرس القديم مسيطر على النشاط الحزبي فأنا أقول لعلها الأنانية المجبولة بها الشخصية السياسية السودانية، وتتفانى في تطبيقها، بل يحاول البعض أن يغطى عليها بتبريرات واهية. فلنكن واقعيين .. ليست هناك أحزاب في السودان وفق التعريف المنهجي المتعارف عليه في العلوم السياسية لمعنى الحزب. وبالطبع لهذا الأمر عدة أسباب من بينها ظاهرة تعدّ هي الأخطر من سيطرة الحرس القديم، وهي عزوف الحرس القديم نفسه عن تعليم الأجيال اللاحقة التجارب التي يمكن أن تفيدها في مقبل ممارساتها. والحقيقة فبعض هؤلاء يفضلون أن تتابعهم تجاربهم حتى القبر ولا يمنحونها لغيرهم. انظري للمكتبة السودانية منذ الاستقلال وأبحثي عن الذين دوّنوا مذكراتهم، لن تجدي سوى قلة ربما لا تتعدى العشرين أو الثلاثين. واقع الأمر إن الأنظمة الدكتاتورية التي تعاقبت على السودان شوهت الشخصية السودانية وأظهرت فيها كثير من السلبيات، وليست الأنانية التي ذكرناها ببعيدة عن الأذهان. أما ما حدث في الحزب الشيوعي فهو شيء مؤسف من حزب رائد ولا أزيد لأن الكلام أصبح غير ذي جدوى، فماذا يفيد الشاة سلخها بعد ذبحها ؟
لماذا لم تنجح انتفاضة سبتمبر 2013 في الوصول إلى أهدافها، هل هي أزمة قيادة أم فصول لم تكتمل؟
– حقيقة أعجبني وصفك بأنها فصول لم تكتمل، ربما كان ذلك هو الحقيقة المخفية . فالثورة كما نعرفها عبارة عن فعل تراكمي. ولكن التغيير في أي واقع لن يحدث إلا إذا اكتملت شروطه الموضوعية كما يقول الماركسيون، وهم محقون أيضاً. لقد تضافرت أسباب كثيرة أدت إلى عدم وصول هبة سبتمبر إلى نهاياتها المنطقية والمعروفة بإسقاط النظام. هناك أزمة قيادة بالطبع لأن القيادة جميعها تقاعست. صحيح أن السلطة استخدمت القوة المفرطة وتعاملت بعنف لم يحدث له مثيل من قبل. ومع ذلك لا أتفق مع البعض في أن ذلك كان السبب في عدم نجاحها. فلا العنف ولا القوة ولا الكثرة يمكن أن تقف ضد أي تمدد جماهيري عندما يصل حد الغليان، ودعك من التجارب الكثيرة التي في تاريخ الشعوب، ولنأخذ ما حدث بالأمس في مصر وليبيا وتونس واليمن، ففيها عظة لمن يعتبر. اعتقد أن السبب الرئيسي في تفسير عدم نجاح هبّة سبتمبر، يعود إلى أن البعض ممن ظل يتحدث عن رغبته في عودة الديمقراطية، لا يريد أن يضحي من أجلها.
بما أنك ترأس اتحاد الصحافيين السودانيين الأمريكيين بالولايات المتحدة، بودّنا لو سلطت الضوء على هذا الكيان؟
– نعم، الاتحاد منظمة من منظمات المجتمع المدني السودانية الأمريكية، بل تعد أهم منظمة في الوقت الراهن مقارنة بأنشطتها وفاعليتها في الأوساط السودانية. نحن معنيون بتسليط الضوء على القضايا السودانية المختلفة وذات الصلة بقضية الحريات العامة، وكذلك معنيون بمراقبة الأوضاع الصحافية داخل السودان من ناحية هذه الحريات، وكذلك التعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية في هذا الصدد، ويُذكر أن لنا بصماتنا الواضحة في هذا الشأن. وتعلمين أن منظمات المجتمع المدني في الواقع الأمريكي تلعب دوراً كبيراً في التأثير على صناعة القرار السياسي، ولك أن تتخيلي من هذه الزاوية تأثير منظمة متواضعة مثل الاتحاد في التعاون مع المنظمات الأمريكية المختلفة. نحن رقم صعب لا يمكن تجاوزه، ولكننا نزهد ونتواضع عندما يتعلق الأمر بالديْن المستحق للوطن. المهم إننا نلعب الدور الذي يمليه علينا ضميرنا الوطني وانتماؤنا الحقيقي للوطن العظيم.
في مسألة التفاعل مع القضايا السودانية العامة كما ذكرت، إلى أي مدى وفي إي طار يحدث ذلك؟
– بالطبع في غياب الديمقراطية بصورة عامة والحريات بصورة خاصة في الوطن الأم السودان، لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي ونحصر أنفسنا في القضايا المهنية، فالقضايا الوطنية والقضايا المهنية وجهان لعملة واحدة. على سبيل المثال نحن أكثر منظمات المجتمع المدني السودانية الناشطة في تناول القضايا السودانية في العاصمة الأمريكية واشنطن،وننجز ذلك عبر الندوات أو المؤتمرات أو الأنشطة الأخرى. ونسبة لمصداقيتنا والقدر الكبير من الاحترام الذي نتمتع به في الأوساط السودانية، أقمنا العديد من الندوات العامة في قضايا شتى، بالرغم من أنها دون الطموح نظراً لتواضع إمكاناتنا إلا أنها تجد القبول اللائق عند من يهمّه الأمر. الحقيقة إن تواضع إمكاناتنا يرجع إلى تمسكنا بمبدأ الاعتماد على مواردنا الذاتية مع ضآلتها.
هل تشكون من مشاكل معينة؟
– نعم ..نحن نشكو من مشكلة واحدة تؤرقنا وهي زهد أهل المهنة من الصحافيين السودانيين في ممارسة المهنة من جهة، وفي الانخراط في أنشطة الاتحاد من جهة أخرى. واعتقد أن تلك الظاهرة السالبة ليست وقفاً على الاتحاد وحده، فهو ظاهرة سودانية عامة تتجلي في عدم التفاعل مع الواقع الأمريكي مثل سائر الجنسيات المهاجرة، مثل التي أصبح لها تأثير واضح في الحياة الأمريكية التي تقوم على التعدد الثفافي. صحيح أن الانخراط في النظام (السيستم) الأمريكي أمر مرهق للغاية، ولهذا تجد البعض قد استسلموا للعيش على هامشه. فالإعلاميون السودانيون في الولايات المتحدة الأمريكية يعدون بعشرات المئات، ولكن الذين واصلوا عملهم في ذات المهنة يعدون بالعشرات، والذين ينخرطون أو يتفاعلون مع قضايا وأنشطة الاتحاد يتضاءل عددهم أكثر. ولهذا فلابد من تقديم تحية خاصة للزملاء الذين يقبضون على الجمر، ويواصلون أنشطتهم ..لا جزاءً ولا شكورا.
هل ثمة طموحات للاتحاد لم تتحقق بعد؟
– أكبر فكرة ما تزال حلمنا الذي لم يتحقق، هو تكوين الاتحاد الدولي للصحافيين السودانيين في المهجر. كنا قد بادرنا قبل فترة طويلة بطرح طموحنا في تكوين هذا الاتحاد، ولكن للأسف لم يكن التفاعل بصورة مرضية، وما زال يحدونا الأمل في تحقيق هذا الحلم الكبير. نحن نتفهم بعض الظروف التي تجعل من جموع الصحافيين السودانيين الذي يعملون في دول معينة لايتفاعلون مع الفكرة، ولكن لا ينبغي أن يكون ذك حائلاً دون ابتكار وسائل معينة تذلل هذه الصعاب. كما أنه لا يوجد عذر للإعلاميين السودانيين الذي يعملون في دول ديمقراطية تكفل لهم ممارسة حقوقهم الطبيعية. هؤلاء ارتكبوا خطأ في حق أنفسهم وخطيئة في حق الوطن.
كذلك على المستوى المهني لدينا طموحات نسعى لتحقيقها مثل إقامة مركز إعلامي للدراسات والبحوث. كذلك ظللنا منذ فترة نحاول استنهاض همم القادرين من السودانيين لإنشاء قناة فضائية تعكس الواقع السوداني في الخارج للداخل والعكس.
—
وردت أحداث اعتبرت ، بمنظور القراء، فظيعة في كتابك (بيت العنكبوت) لأنها خرجت منها روائح الموت والدم، ولكن هناك تشكيك في المعلومات باستنادك على معلومات الدافع لقبولها إنك شعرت بصدق مصدرها فقط .. فماذا تقول؟
– أولاً ربما القراء الذين تابعوا ما أكتب، يعلمون أن قضية التوثيق تعدّ أحد همومي، وذلك لأنني مستاء كما غيري من ظاهرة الشفاهة التي وصمنا بها، وهي التي أورثتنا ما اسميها بـ (الذاكرة الغربالية) فثمة أحداث جسام تسربت من ذاكرتنا الجمعية وأثرت بطريقة أو أخرى في تنكّبنا المسار، بل وقعودنا عن بلوغ الغايات الكبار والنهوض بالبلاد نحو مراقي التقدم والإزدهار. موضوع التوثيق هو القاسم المشترك بين كل كتبي التي كتبتها. مع ذلك أستطيع أن أقول إنني أوليت توثيق كتاب بيت العنكبوت اهتماماً خاصاً لسبب جوهري، وهو أن بعض ما طرحته كان متعلقا بأرواح أصبحت في ذمة الله ولا تستطيع الدفاع عن نفسها، مما يحتم عليّ من ناحية مهنية وأخلاقية ضرورة اتخاذ الحيطة والحذر والتحلي بالأمانة المطلوبة. ولهذا تجدينني قد اتبعت كل الوسائل والطرق المنهجية، من أسماء وصور وشهود وتحديد الأمكنة والأزمنة، أضافة إلى أنني بالفعل وثقت في مصدري بطرقي الخاصة، فما الذي تبقى؟ والحقيقة على العكس فقد ذكر لي كثير من المتابعين إنه لن يشكك في مادة الكتاب سوى المكابرين.
وما هي ردود فعل المعنيين، أي الحكومة، فيما ورد من معلومات؟
– ليتك تسألينهم، طبعا أنا من المغضوب عليهم وسعيد بذلك. أعني أن كتبي جميعها ممنوعة من التداول. واقع الأمر الحظر بهذه الطريقة أصبح مدعاة للسخرية والضحك، فعالم اليوم الذي تصاغر بالأمس وأصبح قرية، نجده اليوم صار في حجم كفة اليد. إذ يستطيع أي إنسان عبر جهاز هاتفه الذكي أن يطوف العالم وهو جالس في مكانه. ولذلك فرغم الحظر فكتبي تصل للراغبين بصورة أو أخرى، ويتم تداولها والتفاعل معها واعتقد هذا ما يؤرق مضاجع المعنيين. فكل ممنوع مرغوب كما يقولون. تعامل النظام الحاكم بتلك الصورة المتخلفة أشبه بحال المستجير من الرمضاء بالنار.
وهل كان الكتاب دافعاً لآخرين في أن يحذوا حذو مصادرك ومدّك بمعلومات أضافية؟
– بالطبع نعم. وتلك صيرورة لا تتوقف. كلما جاءني مصدر بمعلومات حفّز الآخرين للفعل نفسه. فقد ظللت في حالة تلقّ مستمر. من جانب آخر أعتقد أن أحد أسباب تفاعل المصادر معي يعود بالدرجة الأساسية إلى استيقاظ الضمائر. فكثير من العاملين في هذه الأجهزة وقعوا أسرى الشعور بعقدة الذنب، لاسيما، إذا ما كان أحدهم التحق بهذه الأجهزة نتيجة ظروف حياتية وليست عقدية.
وما هو الدافع الحقيقي لمصدر معلوماتك؟ ولماذا رغب في نشر تلك المعلومات؟
– لأنني أعلم اشتعال غريزة حب الاستطلاع لدى القراء، فقد أفصحت عن جزء من الأسباب في بداية الكتاب. وفي واقع الأمر بالنسبة لكتاب (بيت العنكبوت ) فلدي مصادر متعددة وليس مصدراً واحداً. ومن ضمن هؤلاء المصادر كان هناك مصدر رئيسي من داخل أسوار هذا الجهاز، أي جهاز الأمن الشعبي. وأفصح لي مصدري عن عدة أسباب دفعته لذلك، لعل أهمها هي استيقاظ الضمير كما قال. فهو لاشك كان يعيش تنازعاً جعله حيّا كميّت. وبشجاعة قرر أن ينهي هذا الانفصام وأقدم على ما أقدم عليه. واستطيع أن أؤكد أنه بعد أن فعل بدأ حياة جديدة بقيم تتضاد تماماً مع السلوكيات التي خبرها، كذلك أصبح سعيداً كما ذكر لي.
وما هي ردود أفعال أسر الضحايا المذكورين، بمعنى هل هناك من اتجه لفتح بلاغ مثلاً؟
– أولاً لعل الذين قرأوا الكتاب علموا إنني لم أفرق بين الضحايا، بمعنى إنني وثقت لضحايا من النظام نفسه، تم التخلص منهم بطرق مأساوية ، ولم اتجاهل ذلك بدعوى أنهم كانوا في خندق النظام. ذلك ما لا يتوافق مع الحس المهني والإنساني. من جهة ثانية كلنا يعلم أن فقدان عزيز لا يمكن أن يندمل جرحه حتى ولو تطاول الزمن، فمن المؤكد جداً أن غيابهم ترك أثراً في نفوس الأقربين، ولا أعلم ما إذا كان قد أقدموا على ما ذكرت أم لا. لكن يقيناً أقول إنه في ظل غياب دولة القانون يصبح الإقدام على مثل تلك الخطوات مجرد حرث في البحر، أي ليس من ورائها طائل.
هل هناك جهات حقوقية عالمية أعطت هذا الكتاب اهتمامها ، باعتبار ما ورد فيه من معلومات صريحة في شتى ضروب الانتهاك لحقوق المواطنة؟
– نعم هناك كثير من الجهات التي اهتمت بهذا الأمر، منها من سعي لي ومنها من سعيت له، في إطار القطيعة المعلنة بيني والنظام الحاكم. أي ليس في الأمر سر. كذلك هناك فكرة بترجمة الكتاب للغة الإنجليزية نسبة لأن بعض المعلومات الواردة تهمّ جهات محددة في المجتمع الدولي.
أخيراً هل فتحي الضو بصدد إصدار كتاب جديد؟
بعد زفرة طويلة.. الكتابة قدري وأنا سعيد بأنني أمتلك سلاحاً استطيع أن أعبر به عمّا يجيش بصدري حيال القضايا الوطنية، وما ينبغي الالتزام به من ديْن مستحق. ولا أدري كيف كان سيكون الحال لو أنني لا أملك هذه الوسيلة. وقد اعتدت دائماً أن أنسى الكتاب السابق بكل تفاصيله وذلك بمجرد دفعه للمطبعة، ومن ثم أشرع في كتاب جديد. وهذا بالفعل ما هو حادث الآن.
طالما الإجابة نعم، هل يمكن أن نعرف حول ماذا؟
بودّي ذلك، ولكنني أحب المفاجآت خاصة التي ترعب الأعداء. (وكان الضحك ختام هذا الحوار الذي نعتبره استثنائي