بسم الله الرحمن الرحيم..
تمر قضية جبال النوبة اليوم بمنعطفات ومنعرجات تأريخية خطيرة جراء الممارسات العنصرية للنظام الحاكم التي لم تتوقف منذ عام 2011 ، والتخبط السياسي وعدم وجود رؤية مستقبلية واضحة لقيادة الحركة الشعبية. هذا التخبط اصاب جماهير الحركة والذين يحملون السلاح معاً بالإحباط الشديد ، الشئ الذي أدى إلى طرح كثير من الأسئلة حول مستقبل هذه القضية العادلة والمشروعة.
عندما قامت الحرب في جبال النوبة في يونيو 2011 وبدأت المفاوضات بين طرفي النزاع -الحركة الشعبية والنظام السوداني. طالبت الحركة منذ البدء بفصل المسارات -أي المسار الإنساني من الأمني والسياسي ، وكانت دائما تقول انه من الضروري أن تسبق المسار الإنساني المسارات الأخرى. أما المسار السياسي ، فكانت ترى هي شموليته وعدم تجزءته لتفويت الفرصة على سياسة فرق تسُد التي يمارسها النظام السوداني لأكثر من ربع قرن. وهذه الفكرة -أي فكرة الحل الشامل فكرة جيدة من حيث المبدأ ، إلآ أن نجاحها يحتاج لتضافر جهود كل الأطراف السياسية المعارضة التي تطرح نفسها بديلاً للنظام الحاكم.
وبما أن فكرة الحل السياسي الشامل في السودان فكرة جيدة كما قلت وتحتاج لمجهود جبار واستثنائي، إلآ أن الاطراف المعنية والتي دخلت معها الحركة الشعبية في تحالفات سياسية لتحقيق هذا الهدف لم تتخذ اي خطوات عملية جادة وان بعض ما تسوقه هذه الأطراف لا يعدو كونه للاستهلاك الإعلامي وتضييع الوقت وإيهام الرأي العام السوداني ..يعني الحل الشامل المطروح في السودان مجرد شعار ليس إلآ في الوقت الحالي.
الحركة الشعبية التي دخلت مع المعارضة السياسية الحزبية في تحالف “نداء السودان” لتحقيق الحل الشامل، قامت بواجبها على وجه كامل من خلال ضغطها العسكري الذي انهك النظام الحاكم اقتصاديا منذ عام 2011 إلآ أن حلفاءها لم يقدموا سوى أصفاراً كبيرة ، ليس هذا فحسب بل الغريب والعجيب ان هذه المعارضة مفككة ومأمورة ومأجورة، ولا تمتلك رصيداً شعبياً او وزناً سياسياً او حضوراً عسكرياً، لكنها ركبت متون المبالغة حد الجنون، وصعدت بكل وقاحة الى اعالي الشجرة، وطالبت بالفم الملآن بالحل الشامل الذي يحتاج لعمل دؤوب ومصداقية سياسية ، الامر الذي يشي بان هذه المعارضة معلقة في حبال الوهم، وبعيدة عن ارض الواقع، ومغرمة بالتحشيش السياسي والمزايدة الاعلامية.
أما فيما يتعلق بالمسار الإنساني -أي توصيل الطعام والغذاء والدواء للمتضررين في مناطق سيطرة الحركة الشعبية ، ففي الجولة الــ15 وافقت الحركة الشعبية على ايصال 80% من المساعدات الإنسانية عبر ممرات داخلية من السودان ، وأن تأتي 20% من هذه المساعدات من ممر خارجي الشئ الذي رفضه النظام الحاكم بحجة السيادة الوطنية ليتبادل طرفي التفاوض الاتهامات عن من هو المسئول عن فشل الجولة.
لم يمضي وقت طويل على فشل الجولة رقم 15 من المفاوضات السودانية في اديس ابابا حتى تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بإقتراح توفيقي لحل معضلة الــ20% بأن تقوم هي بتوصيل هذه النسبة من المساعدات للمتضررين في مناطق سيطرة الحركة ، وقالت على لسان الناطق بإسم سفارتها في الخرطوم ان النظام السوداني قد وافق على الاقتراح بينما قال المبعوث الأمريكي لدى السودان وجنوب السودان الذي اجتمع بقيادة الحركة الشعبية في العاصمة الفرنسية باريس قبل انتهاء فترة ادارة الرئيس باراك ووباما بأسبوع واحد ، قال ان الحركة رفضت الاقتراح الأمريكي وربطت قبولها هذا الاقتراح “بالتحول الديمقراطي والتوافق السياسي في السودان” لتظهر قيادة المكلفة للحركة الشعبية على حقيقتها وأن حديثها عن الملف الإنساني كان مجرد تضليل لشعب المنطقتين والضحك عليهما.
موقف قيادة الحركة الشعبية من الاقتراح الأمريكي مخجل ومفضح كما قلت في مقال سابق لي ، لكن هذا الموقف نتيجة تحييد الكفاءات المؤمنة بالقضية وامتطاء الأذناب قيادة شعب المنطقتين ..هكذا دائما تكون النتائج كارثية كلما إمتطى الأذناب قيادة شعب من الشعوب إذ تسير به من مصيبة إلى منحدر المصائب ، ومن كارثة إلى الهاوية.
نعم -امتطى قضية جبال النوبة قيادات صفراء عديمة النفع والقيمة ، لم تعد ذات صلة بالشعب وبهمومه ومعاناته اليومية ، وعليه يجب على شعب النوبة تأسيس جيل جديد من القادة الحقيقيين صناع الأمل والمستقبل ووضع الأسرار بين يدييه لا بين يد التجار والإنتهازيين لأن الذئاب لا ترعى الغنم إلآ في قبائل السفهاء والفجار، وأن الذي لا يعشق طريق المجد والحرية سيعيش أبد الدهر ينعم بالذل.. هكذا علمنا التأريخ.
حان الوقت لشعب جبال النوبة ان يلتفت لنفسه أكثر ويصنع قدره ومصيره بعيدا عن الإملاءات والوصاية، وأن يختار قيادته المستقبلية بكل دقة لأن أي خطأ في الإختيار سيجعله أقرب إلى القبر منه إلى النصر، ذلك أن ما يحضر في الكواليس مخيف جدا لهذا الشعب.
الكذب والخداع والغش …إنها ثلاثة حفر، وإذا سقط القائد في احداها سقطت الثقة من قلوب أتباعه. بهذه المقولة المشهورة ..اتساءل ومعي كثيرين من أبناء النوبة :أين عبدالعزيز آدم الحلو خليفة القائد المرحوم يوسف كوة مكي من كل الذي يحدث في الساحة السياسية من تطورات دولية واقليمية وداخلية متسارعة ..هل سقط في واحدة من الحفر المذكورة؟؟..
هل عبدالعزيز آدم الحلو خليفة يوسف كوة حي يرزق …وإذا كان على ما يرام ..لماذا هذا الصمت المميت والتطورات السياسية تتسارع كل يوم على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي ..وإلى متى سيسمح هو شخصيا للأمين العام المكلف للحركة الشعبية بتسويق حيله ومناوراته لشعب المنطقتين ، والتعامي على ممارساته الآحادية وصم الآذان عن تصريحاته المتناقضة حول مسار قضية الجبال؟؟..
نسمع بتصريحات متناقضة هنا ، ونقرأ بيانات هزيلة هنا وأخرى ركيكة هناك للأمين العام المكلف عن القضايا السياسية والتنظيمية والإدارية للحركة …فهل أصبحت الحركة الشعبية حركة الرجل الواحد يقرر مصيرها ياسر عرمان كما يشاء ، أما الحلو وعقار وجقود وغيرهم مجرد (رُكاب) على متن سفينة يمتلك كل اسهمها ياسر عرمان؟.
لماذا يترك رئيس الحركة ونائبه كل الملفات الصغيرة منها والكبيرة في يد الأمين العام ليعبث بها كما يشاء؟؟.
إذا قبل عبدالعزيز وعقار وغيرهما أن يكونوا مجرد قطعان وتمومة لعرمان ، فهذا شأنهم، لكن شرفاء شعب المنطقتين لن يقبلوا أن يكونوا كذلك. عليهم أن يدركوا جيداً قبل فوات الأوان بأنهم لا يمثلون أنفسهم فحسب ، بل يمثّلون تنظيم كبير يحمل فكراً ومستقبلاً، فإمّا أن يتحلوا بالأمانة والمسئولية والشجاعة ويحملوا آمال وطموحات شعب المنطقتين في أعناقهم ، وإمّا أن ينسحبوا أو يتم تغييرهم بالقوة بكوادر قادرة على تحمل المسئولية التأ أريخية بشجاعة.
القائد الراحل/يوسف كوة مكي خص عبدالعزيز آدم الحلو بالقيادة بدلاً عن (آخرين) من أبناء النوبة ، وحمل هو هذه المسؤولية منذ رحيله ، وتقتضي المسؤولية ذاتها أن يرد هذه المسؤولية لأهلها إذا شعر بأنه لا يستطيع بعد الآن تحملها. لكن أن يختار الإختفاء أو الإختباء بدلاً من مواجهة الواقع الذي امامه سيما في تلك الظروف الصعبة التي يمر بها شعب جبال النوبة جراء الحصار الإقتصادي والمجاعة التي تضرب الإقليم هذا ما لا يمكن تفهمه ابدا ابدا.
لا ينبغي لعبدالعزيز الحلو ان يلقي باللوم على الآخرين حين يفشل، ولا ينبغي له ان ينكر مسؤوليته ويتهرب منها، فالإعتراف بالمسؤولية ومحاسبة الذات هي السبيل الأفضل لمعالجة الأخطاء وضمان عدم تكرارها. فكما يحب هو ان تنسب اليه نجاحاته، عليه في المقابل أن يتحمل بأن ينسب اليه فشله، وعليه أن يقر به ويعترف ، أولاً من أجل نفسه ، من ثم من أجل صورته في عيون الآخرين.
عليه ان ينهي حالة الإختفاء والإختباء ويعلن صراحة أين يقف من التطورات السياسية المتصارعة على الساحة السودانية عامة ، وساحة جبال النوبة خاصة لأن النوبة لا يعرفون مالك عقار ولا ياسر عرمان ولا جقود مكوار بل يعروفون عبدالعزيز الحلو، وعليه ان يواجههم اليوم قبل غد بدل الإختباء وراء الأصابع المخرومة والمقدودة.
أما الحل الشامل الذي يلوكه ياسر عرمان ليل نهار ، فإنه يتطلب مشاركة جميع القوى السياسية التي تدعي معارضة نظام البشير ، وإلآ على قيادة الحركة الشعبية نسيان هذا الطرح والتركيز على المنطقتين.