د.بخيت أوبي
ما انفك النخبة في السودان منذ استقلاله الاسمي لا الحقيقي ، اذ غادر المستعمر مساحة من الارض واختفاء مؤسساته القمعية بصورة رمزية، ولكن لم تنفك الالباب من تأثيره، وما اجتره الساسة للوطن في ما يزيد من نصف قرن من الزمان هي موجات متتالية من الخيبة والفشل المتعاظم الذى وقف حائلا دون بناء دولة بما يعرف بالدولة في العصر الحديث، فقضي النخبة جل اجل الحكم الوطني في تفكيك اللحمة الوطنية وتفتيت انسجة الانسجام والتجانس للكل في اطار الوطن الواحد، ففي بروز كل خيبة يتجة السلوك نحو تدمير الذات او تحوير او تحويل اتجاهات رد الفعل الي عنصر ثالث خارج اطار الفعل النزاعي،
فمحور خطاب الكراهية في السودان الاشخاص لا القضايا والمواقف والافكار والمنطلقات الفكرية والايدولوجية والسياسية، ما ادي الي تعقيد المشكلات وتدليس الحقائق وتبرير الاعتداء علي الاخر باستدعاء الموروث الثقافي والمخزون التأريخي من الغبن، والتصورات النمطية المتوارثة والتقاليد المصتنعة بما يتوافق و الاهداف الجمعية في اطار الزمان والمكان والمصالح، واستخدام الثقافة كأداة من ادوات تبرير القمع واقصاء الاخر المختلف، واختراع طقوس متجددة في صورها ورموزها واعادة اختراع تقاليد جديدة في صياغة الاخر حتي يتم استيعابه او حتي يتم تماهيه مع الامر الواقع، حتي لايري الا بعين يغشاها الضباب وعدم التأكد. والشواهد التي يمكن استدعائها للتدليل على الادعاء لاتحتاج الي كثير عناء من خلال تتبع ما تتناثر من كلمات في وسائل الاعلام المحلية المقرؤة منها والمسموعة والمرئية التي اصابها العمي اللوني وجنون الاستعلاء الثقافي والعرقي وادعاء امتلاك الحق المطلق وتوهم التميز ومحورية الكون، بسبب ذلك كله افلحت خطاب الكراهية في انتاج نتائج جليلة منها النزاعات والحروبات والانفصال لجنوبنا الحبيب، ولم يتعظ الساسة بموعظة التجارب وتنبيه العارفين واستجداء المحبين للوطن واستبصار المتنبئين بالمستقبل المنظور والبعيد، فداء الطغيان والعلو لا يمكن معالجته بعلاج سهل مستساغ، فالعبرة لمن يعتبر دروس التأريخ واخبار الأمم وسير المتقدمين حينما اخذتهم حظوظ النفس ودافع الهوي وجنوح العقل وعمي البصيرة، اخذتهم من حيث لايحتسبون.
من الحكمة ان الد عدو اقرب صديق، لانه للعيوب ابصر منك، بحيث ينبه وينتبه الى مواضع الخلل والعيوب اكثر من المحاسن، يصبح حينئذ افيد في تقويم المسار و معالجة مواطن الاعوجاج، ما لم يستوعبه الكثيرين ان النزاعات لا تحل الا بالجلوس مع العدو والاستماع اليه ومقايسه الاشياء حسب مواقفه، وما ينتج العداوة والصراع المواقف لا الاشخاص في اطار صراع المنظومات، صراع القيم والاهداف والمصالح والمكاسب، وما يدهش حقا في السودان تغيير المواقف لاتجدي نفعا في حل المشكلات. وما شهدته الساحة السياسية في السودان ، كلما اقترب انقشاء الظلمة ارتدت الاطراف الى ضلالهم القديم باستدعاء التأريخ وتكرار الفصول وقع الحافر بالحافر.خطاب القضايا والمشكلات اجدي منه من الهجوم علي الاشخاص لانها لاتجدي نفعا في سبيل الحل، ولكنها يمكن ان تكون وقودا للاستقطاب والتشكيك وتعقيد المعقد. وفي اطار الازمة الماثلة يجب حل المسائل في اطارها الكلي لا الجزئي في مرحلة الانتقال الي دولة المؤسسات، فالارث من النظام البائد ثقيل ومتشابك ومعقد وملئ بالتناقضات، يتطلب ذلك كله مخاطبة جذور المشكلات بصورة منهجية ومدروسة ومحايدة وتطبيق مبدأ المعالجة الكلية، حتي لا يحس اي طرف مرارة وثقل التركة ولا تحمل الوزر كله، فالاجدي ان لا تذر وازرة تبعة احد، فالمؤسسات التي اوجدها صانعوها لخدمة اهدافهم، يجب ان تعالج بصورة سلسة لا يضار فيها طرف دون الاخر، حتي لا تتراكم موجات المظالم بعضها فوق بعض، حينها سيصطف اهل المظلمة في ركن قصي بحيث يتسع الفتق علي الراتق، ويصبح البلاد اضيق حينها مما يترآي في الافق من قبة الفلك.