الخرطوم _ صوت الهامش
في السودان نعاني من مشكلة عدم تحديد الهوية
عاشت الميرم سلمى سليمان، الأيام الأولى لاندلاع الحرب في إقليم دارفور في عام 2003م، مما اجبرها للنزوح ومعها أسرتها الي مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، بحثا عن الحماية، من نيران الجنجويد وقصف سلاح الجوي الحكومي، وفي معسكرات النازحين عاشت الميرم سلمى حلو الأيام ومرها، وتمكنت من دخول المدرسة الي ان دخلت جامعة النيلين حيث درست تكنولوجيا الأغذية، وبعد تخرجها بحثت عن فرصة عمل تناسب درجتها العلمية، بيد أنها لم تفلح في مسعاها، فقامت بإيقاظ مواهبها المدفونة .
ودخلت مجال الفن التشكيلي والتصميم، فأسست مشروعا صغيرا، وتقول سلمى انها تأمل ان تساعدها الظروف كي تحقق كل أحلامها وامنياتها، صحيفة “صوت الهامش” التقت بها في إحدى ضواحي الخرطوم فاجرت معها هذا الحوار الي مضابطه.
الميرم سلمي سليمان حدثي القارئ عن نفسك باختصار؟
بادئ ذي بدء أشكركم على إتاحة الفرصة، انا جئت للخرطوم قادمة من مدينة الفاشر، وهي إحدى المدن الكبرى في إقليم دارفور، بحثا عن العمل وبذلت في سبيل ذلك جهود مضنية، فوجدت بعض الفرص ولكنها لا تناسب درجتي العلمية او احيانا تفرض عليّ بعض الشروط تتعلق بالخبرة، وبحثت في عدة مؤسسات وشركات، وحسب تخصصي من المفترض اعمل في المصانع، ولكن دائما يتم استيعابي فيها كعاملة، وأخيرا فكرت في تأسيس مشاريع عدة بدراسة جدواها، ولكن تحدي التمويل كان يقف حاجزا في تنفيذها، وأخيرا فكرت في تأسيس مشروع يبدأ برأس مال قليل حتى أتمكن من الاستمرار فيه، وحاليا تخطيت مرحلة الصعوبة وأملي المضي قدما.
حدثينا عن مشروعك الذي تعملين فيه الان؟
هذا المشروع يقوم على التصميم بالدرجة الأولى، حيث نصمم الكثير من الأشياء من بينها الشنط والقمصان والاكسسوارات، ونضيف عليها بعض من الرسوم بصورة تعكس هويتنا السودانية ذات البعد الافريقي، والهدف من المشروع هو إرسال رسائل للمجتمع السوداني، بانه يمتاز بثقافة فريدة وهي الثقافة السودانية ذات البعد الافريقي العربي، وفي الوقت نفسه مهتمة بتقديم أشياء جديدة مختلفة عما هو موجود في السوق من الاكسسوارات المصنوعة يدويا، ونستخدم بعض المواد المحولة كقماش “الدمور او الدموريا” السودانية وهي أجود انواعها، فأدخلتها في منتجات جديدة هو “الشنطة”، التي كانت تسمى بـ “الخرطويا” عند الناس في دارفور وهي عبارة عن شنطة بدائية يحمل فيها الناس أغراضهم مثل الكتب وبعض السلع الجافة، والان غيرت تصميمها بإضافة رسومات كالقارة الافريقية وغيرها بألوان ثابتة اسمها “الاكليرك” وهي الوان ستظل ملتصقة في القماش حتى اذا تم غسيله او تم تعريضها للشمس، وهي أجود أنواع الألوان، بالتركز على الثقافة الافريقية، واهتمت أيضا بصور المرأة تعكس حياة المرأة الريفية في افريقيا، وقيمتها الثقافية تكمن عكس الثقافة والتراث الافريقي الأصيل، والتعبير عن التراث والهوية السودانية. وكوني من دارفور، كانت أسرتي تستخدم بعض الأشياء كزينة في المنزل تضفي بُعدا جماليا والبيئة الاجتماعية هناك، وكانت مفعمة بالأشكال الهندسية الجميلة، ممزوجة بألوان زاهية.
لماذا هذه الرسومات؟
هذه الرسومات عن المرأة مثلا هي محاولة لتمييز المرأة بصورة إيجابية، لأن المرأة الأفريقية عانت كثيرا من ويلات الحروب، ومن انتهاك حقوقها وخاصة في السودان، وتركيزي على الثقافة الافريقية، لأننا في السودان نعاني من مشكلة “عدم تحديد الهوية” وهناك عدم الاعتراف باننا أفارقة، لذا أردت تأصيل أفريقيا من خلال هذه الرسومات على منتجاتي وهي جميلة بطبيعة الحال، وعندما نتناول القضايا التي تؤرقنا من خلال التصميم والفن، تعتبر مساهمة في حل المشاكل المتعلقة بالهوية ونصحح المفاهيم الخاطئة عن الثقافة الافريقية في السودان وهي تعاني الرفض والإنكار والحرب من الدولة بصفتها الرسمية وبعض ممن لهم مصالح في محاربة الاخرين المختلفين عنهم.
وماذا عن الزبائن؟
يأتي الزبائن من مختلف الفئات العمرية ولكن الغالبية شباب ويشترون هذه المنتجات، باعتقادي ان الرسوم تساهم بصورة كبيرة في الخروج من النمطية التي تكرس التمييز ضد المرأة في المتجمع السوداني، خاصة في جانب المقتنيات من هذه الأنواع، وبالضرورة الخروج من هذه النمطية التي تعتبر المرأة ضحيتها الأولى.
ما المواد الخام التي تستخدميها في منتوجاتك؟
نستخدم السعف والجلد كمواد خام بالإضافة الي سُكُس السوميت وغيره، في انتاج الشِنط، وكان لا يزال الناس في دارفور يستخدمون هذا السعف في إنتاج البروش والطباقا والطواقي والحبابات وغيرها من المقتنيات. ومهتمة أيضا بثقافة شرق السودان من خلال تصميم “الفدو” ونستخدم مواد بسيطة مثل سكس السوميت، ويضفي هذا بُعدا في التمازج الثقافي بين دارفور وشرق السودان، في بيئة ثقافية سودانية واحدة، وأيضا تضم تصميماتي ملابس قمصان افريقية سودانية، من خلال إستخدام قماش الدمور السوداني وهو مصنوع من القطن، والقميص الكونغولي وهو بسيط من حيث التصميم، ونزينه ببعض الأشكال لتعكس بعدا جماليا، وكانت تستخدم في صناعة جلاليب والثياب، ولكن ذاهبة نحو الاندثار لذا نريد إحيائها من خلال إدخالها في صناعة منتجات كثيرة من بينها الشنط الجلدية الكلاسيكية، بعد إضافة اللمسات الجمالية فيها.
إلى أي مدى تلعب هذه التصاميم والرسوم في رفع الوعي بالحقوق الثقافية وتصحيح المفاهيم الخاطئة تجاه الثقافات خاصة الأفريقية والغربة عن الذات لدى المجتمع السوداني؟
هناك مدى عميق في هذا الجانب، حيث نثير بعض النقاشات مع الزبائن حول تلك الرسوم والتصاميم، وبعضها يلفت انتباه الزبائن، والحوار ينتقل الي الفضاء العام وبمرور الزمن الموضوع سيكون عادي عند الناس، والكثيرين يحملون الشنطة والاكسسوارات، أصبحت موضة لدى الناس، يقدرها الجميع باعتبارها تعبر عن ثقافتنا وباعتبارها صناعة يدوية سودانية.
متى بدأتي مشوار عملك؟ وما هي الدوافع التي حملتك للعمل في هذه المجال؟
بدأت هذا العمل في شهر يونيو الماضي، وثمة دوافع كثيرة أولها الإيمان بأهمية الثقافة في المجتمع وضرورة تطويرها، وبالإضافة لحبي العميق لأفريقيا وإنسانها الجميل، كنت أهوى الرسم ولكن اهملته بسبب الاهتمام بالجوانب الأكاديمية إبان دارستي الجامعية، أما بعدها فالتحقت بمركز الخرطوم للفنون، ولكن ظروفي حالت دون استمراري فيه، ولكن ما زال لدي رغبة مواصلة الدارسة في مجال الفنون ، والفن يمثل هوى بالنسبة لي، وآمل ان تتوفر لي بيئة بعيدا عن الضغوط، حتى أتمكن من الغوص أكثر فأكثر في الرسم، حتى نتمكن من التعبير عن الواقع السوداني بواسطة الفن.
في إطار رسمك هل تنتمين لمدرسة بعينها من المدارس الفنية وتلزمي بقواعدها؟
أنا أرسم بحسب رغبتي وذوقي الفني ولست ميالة للالتزام بمدرسة فنية معينة، وأساسًا يفترض ان يكون الفنان حرا، بحسب خياله ونظرته للأشياء وتقييمها.
أنت فنانة تشكيلة ومصممة في بداية الطريق كيف تنظرين لمستقبل هذا النوع من الفنون باعتباره تعرض للإهمال والمحاربة خلال العقود الثلاثة الماضية؟
النظام السابق أهمل الفن التشكيلي إهمالًا بصورة ممنهجة، والفنانين التشكيلين يخاطبوا قضايا المتجمع من خلال هذا النوع من الفن، ويرسلوا رسائل مهمة اليه وينبهونه بتلك التي تشكل خطرا عليهم، وظل النظام البائد يقمع الفن والفنانين المبدعين ويمنعهم من المشاركة في الفعاليات، وكان يمنع الكثير من الأنشطة، ولكن ثورة ديسمبر إعادة الأمل ، للقيام بكل شيء يساهم في نهضة المتجمع السوداني، الذي شبع موتا في كل شيء ، حيث حضر الفنانين التشكيلين بأعداد كبيرة الظهور برسمهم الجميل في القيادة العامة للجيش السوداني بالخرطوم، حيث رسموا جداريات جميلة تعبر عن الثورة ورموزها وحياة السودانيين في الطرق العامة.
ماذا عن مشاركاتك في المعارض؟
بعد ثورة ديسمبر قمنا بمبادرة أسمها “أصدقاء المتحف” السوداني بإنشاء قروب ضمن أهدافه المحافظة على المنتجات السودانية، وتحديثها، وكونا جسما آخر إسمه “ارتينا” يضم مجموعة من الشابات والشباب وكل واحد منا له موهبة معينة في مجال التصميم اليدوي، ونظمنا أول معرض بعد ثورة ديسمبر، وعملنا شراكة مع فعالية مفروش وننظم معرض في كل يوم ثلاثاء في أول كل شهر بصورة ثابتة في المتحف القومي، وشاركت ثلاث مرات في معرض مفروش، ومعرض قاعة الصداقة، ومعرض أمانينا وفي معهد جوتا، ونأمل ان يكن لدي معرض ضخم فيه كل الثقافات السودانية، بحيث كل سوداني يزوره يجد نفسه فيه وساعية لإنجاز هذا المشروع الطموح. وتطوير للثقافة السودانية والأفريقية من خلال تحديث المنتجات المحلية لتواكب الثقافة العصرية، ونعكس من خلالها البعد الجمالي.
تعليقان
بالتوفيق ي جميل
مشاءالله فنانة جميلة شديد.
وشغلا جميل ربنا يوفقك ي رب وربنا يوفقكم جريدة صوت الهامش