لندن _ صوت الهامش
نوهت صحيفة الغارديان البريطانية عن أن كثيرا من المتظاهرين السودانيين المطالبين بإنهاء نظام عمر البشير لم يعرفوا غيره.
وفي تقرير لها ، نبهت الغارديان إلى أن كثيرا من هؤلاء المتظاهرين لم يكونوا قد وُلدوا حين استولى البشير على السلطة عبر انقلاب عسكري قبل ثلاثة عقود – مشيرة إلى أن متوسط أعمارهم لم يناهز العشرين بعد، لكنهم مع ذلك متأكدون من رغبتهم فيما هو أفضل.
وقالت الصحيفة البريطانية إن الرئيس السوداني “القاسي” يواجه الآن تحديا متواصلا وغير مسبوق؛ ولم يُسفر قتْلُ أكثر من 50 متظاهرا سلميا وضرْب واعتقال مئات آخرين وإعلان حالة الطوارئ الشهر المنصرم إلا عن تأجيج التظاهر.
وانطلقت التظاهرات في ديسمبر، وكانت الشرارة هي قطْع الدعم الذي حلّقت بعده أسعار الخبز على نحو غير مسبوق، لتشتعل نيران غضب لم تقوَ على إخماد ألسنتها وحشيةُ نظام البشير.
ولفتت الغارديان إلى أن التظاهرات الراهنة في السودان هي الأكثر انتشارا جغرافيا مقارنة بسابقاتها ضد البشير؛ فضلا عن أن فئات الشباب والإناث أكثر حضورا في تلك التظاهرات التي تحظى بتنوع اجتماعي وسياسي أكثر من سابقاتها أيضا.
وقد لعب تجمّع المهنيين السوداني المحظور دورًا قياديا، بعد أن انضمت إليه أحزاب معارضة. وقد وجدت جماعات متنافرة –ولو في تلك اللحظة على الأقل- أرضية مشتركة لم تكن متوقعة، ذلك أن متظاهرين منتمين إلى معاقل البشير باتوا يشاركون في التظاهرات جنبا إلى جنب مع جماعات معارضة.
وعندما اتهم البشير الدارفوريين بزعزعة استقرار البلاد، سار آخرون في حشود مُردّدين: “كلنا دارفور”. وقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورا رئيسيا على الرغم من رقابة الحكومة.
ونوهت الغارديان عن أن حركات ثائرة ناجحة استطاعت الإطاحة بنظامين استبداديين عامَي 1964 و1985، لكن في الحالتين كان النجاح بعد أيام معدودة من الثورة.
ولفتت الصحيفة إلى أن البشير عزّز قوى جهاز الاستخبارات ووسّع صلاحيات جهاز الأمن والمليشيات – وقليل من الرؤساء في حال تشبه حال البشير آثروا التنحي سلميا.
وأشارت الغارديان إلى أن قرارات المحكمة الجنائية الدولية التي أدانت البشير في اتهامات بالضلوع في إبادة جماعية وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في صراع دارفور – هذه القرارات تُضفي مزيدا من الوجاهة على إصرار البشير على التشبث بالسلطة، حتى وإنْ نقل قيادة الحزب الحاكم إلى رجل يواجه نفس الاتهامات.
وفي ظل تواتر واحتداد أعمال القمع العنيف ظهرت بعض الترضيات: من أمثال وعود بإنهاء قطْع الدعم وبإرجاء تغييرات دستورية تسمح للبشير بخوض سباق انتخابات رئاسية في 2020 (وقد فاز في سباقين سابقين، في انتخابات مريبة).
ورأت الصحيفة أن ثمة علامات على تنامي انقسامات دولية حول كيفية التعاطي مع التظاهرات.
ولفتت الغارديان إلى أن البشير جعل من نفسه مفيدا لآخرين؛ وقد درّ عليه دعم الائتلاف الذي تقوده السعودية في حرب اليمن نحو 2.2 مليار دولار في استثمار كانت الحاجة ماسة إليه، بحسب ما أفادت به تقارير؛ وترغب الولايات المتحدة في التعاون على صعيد مكافحة الإرهاب؛ أما الاتحاد الأوروبي فيضع أولوية في السيطرة على موجة المهاجرين؛ وقد عززت عملياتُ تطبيع موقفَ البشير.
ورأت الصحيفة البريطانية أنه يجب على مَن يقيمون أعمالا مع البشير أن يعلنوا بوضوح أنه لا يمكنهم الاستمرار في ظل هذه الظروف، وأن يحثوه على نقل السُلطة بشكل سِلميّ.
ويخشى الكثيرون أن يندفع البشير بدلا من ذلك إلى مزيد من العنف لقمع التظاهرات؛ أو في حال إذا ما أُطيح به أن يدخل الجيش والأحزاب الإسلاموية التي اعتمد عليها البشير في صراع على السلطة – وكلا الخيارين مُرّ.
واختتمت الغارديان قائلة إن المتظاهرين لا يرغبون في نسخة أخرى من هذا النظام، ولا في مزيد من العنف؛ إنما هم ينشدون ويستحقون سودانًا أفضل.