لندن – صوت الهامش
أفردت صحيفة الغارديان البريطانية تقريرا عن الشاعرة الأمريكية من أصل سوداني، امتثال (إيمي) محمود، تحت عنوان “كيف هزّت امتثال محمود العالم؟”
وأكد التقرير أن إيمي حاورت رؤساء جمهوريات، وزعماء دينيين كالدالاي لاما، ونوديت بأنها إحدى أكثر نساء العالم إلهاما – لكن يبقى الشعر مصدر إشراق امتثال محمود الحقيقي.
واستهلت الغارديان بالإشارة إلى أن إيمي كانت تموج بالغضب والحزن عندما جلست تكتب قصيدتها “ماما”. وكانت جدتها قد توفيت للتوّ في السودان، وأمها على متن طائرة لحضور الجنازة بينما إيمي تجلس فريسة للغضب.
تقول إيمي: “كتبتها في إحدى أحلك لحظات حياتي.. شعرت وكأن جدتي استطاعت التغلب على كل شيء: الحرب والمجاعة وفي النهاية لم يكن السرطان هو السبب في حقيقة الأمر، وإنما كان عدم الحصول على رعاية طبية مناسبة.. لقد كان وقتا صعبا للغاية.. وقد ساعدتني تلك القصيدة في الخروج من هذه الأزمة وتنفس الصعداء”.
وبعد ساعات من كتابتها قصيدة “ماما”، شاركت إيمي بالقصيدة ذاتها في المسابقة العالمية للشعر الخطابي الفردي المعروف باسم الـ “صلام” في واشنطن عام 2015 وأحرزت الفوز في المسابقة.
وتفور قصيدة “ماما” بالغضب، وتفتتح عالمها بسؤال يوجهه رجل لإيمي: “أنتِ يا أختاه، هل أنتِ من الوطن؟ … ذلك أن بداخلك شيئا منه،/ لستُ إلا مُبديًا إعجابي بما أورثتْكِ أمك.” لقد باتت القصيدة تمجيدية لوالدة إيمي، “القادرة على اختزال أي رجل إلى أشلاء في غمضة عين/ التي تمشي للحرب وتعنو لها جباه المحاربين.”
وتمضي القصيدة: “على رِسْلك، ولا تتحدث عن الوطن ريثما تعلم/ أن كون من المرء من أفريقيا يعني أن يبيت مسهدًا في هذا البلد/ ولا تحدثني عما بداخلي حتى تعلم/ أن ما بداخلي هو الثورة، هو التمرد،/ المقاومة،”
وبينما كانت إيمي تلقي قصيدتها، إذا بالجمهور يهبّ واقفًا على قدميه. وقد حصلت إيمي على الدرجة النهائية.
ولفتت الغارديان إلى حضور الشاعرة إيمي، مؤتمرات دولية وإلى حديثها في عدد من المحافل ومنها ما كان في لندن. وقد بدت إيمي في تلك الفعاليات تفيض بالكاريزما، وكان بجعبتها الكثير لتتحدث عنه: من خبرتها بالعمل بمخيمات لجوء في اليونان والتي تحتفظ بتذكار أهداه إليها طفل في لشبونة وهو عبارة عن حافظة مصنوعة من طوق نجاة. إلى الاجتماع بالدالاي لاما الذي أخبرها أن ثمة الكثير من المعاناة في دارفور والسودان وضغط على يدها وقال “إننا نقف إلى جانبكم”.
ونبهت الغارديان إلى أن إيمي بلغت الـ 22 من عمرها بعد فوزها بمسابقة شعر الصلام الأمريكية بقليل. وفي تلك اللحظة بدأت حياتها تنحو منحىً سيرياليا بعض الشيء. فهي لا تزال طالبة بجامعة ييل حيث تدرس البيولوجيا والأنثروبولوجيا.
وقد اختارتها هيئة الإذاعة البريطانية البي بي سي بين المئة شخصية نسائية الأكثر إلهاما حول العالم عام 2015، وقد كتبت إيمي في ذلك قصيدة “ما حَكَتْهُ لي”.
وتقول إيمي إنها وبينما كانت تؤدي امتحاناتها الجامعية، تلقت دعوة من الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم للحديث أمام مؤتمر خاص بالأخلاقيات النووية. وقد وجدت إيمي الأمر مرعبا ، إذْ ظنت وقتئذ أن ثمة مَن يسعى لاستغلالها باعتبارها رمزًا، لكن أحد أساتذتها أخبرها أن أي شخص قد يلبي دعوتهم لكن بإمكانها الحفاظ على رسالتها والترويج لها من خلال مؤتمراتهم.
وقد حضرت إيمي المؤتمر، واستمعت، وتحدثت لمدة ساعة، مستشهدة بأشعارها في حديثها، واضعةً وجه إنسان على ملف أزمة اللجوء ومآسي دارفور. ومنذ ذلك الحين، وإيمي تشارك في جلسات نقاش بالبيت الأبيض وقد حضر إحداها الرئيس السابق باراك أوباما. كما تحدثت إلى الأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون في عدد من مؤتمرات الأمم المتحدة.
كما تحدثت في نيودلهي لتدشين حملة الدفاع عن 100 مليون طفل وإلى جانبها كان يقف كايلاش ساتيارثي الحائز على جائزة السلام. وعادة ما تكون إيمي أصغر الحضور سنًا في تلك المؤتمرات.
ولفتت الغارديان إلى أن إيمي نشرت حديثا باكورة دواوينها الشعرية، “مدخل إلى عالم أخت”. وقد انتقلت إيمي من التعبير عن عالم المشاعر الفردية كالحب إلى التعبير عن تجربة مسلمة سوداء شبّت في الولايات المتحدة – إلى الجانب السياسي.
واستلهمت إيمي قصيدتها “رأسًا على عقب” من سؤال وجهّه إليها أحدُهم في أول اجتماع حضرته بالجمعية العامة للأمم المتحدة: “المئة مليون لاجئ المغادرين جنوب السودان للتوّ؛ هل يمكنكِ التعليق؟”
فكتبت إيمي: “بلدنا الذي كان يوما – / بكل أعطافه غربا وجنوبا وشرقا وشمالا -/وفي غمرة العصبية، لم يعد في وسع النيل أن يضمّنا/ وأنت تطلب مني التعليق بإيجاز؟” وقد كان أداء إيمي مؤثرا.
وتقول إيمي إن أشعارها تعبر عن العواطف الحقيقية الرابضة وراء العناوين. “يتعذر تحريك المشاعر في عالمنا، عندما ترى العنف في كل مكان – إن ذلك الاعتياد يقتل شعورك به… وما أحاول فعله هو تغيير المسلك، على نحو يساعد الناس على الشعور مجددا وإدراك أن الأمر مؤلم بما يستدعي البكاء، وبالفعل يبكون.”
ولفتت الغارديان إلى أن إيمي بعد تخرجها عادت إلى السودان أكثر من مرة. ودشنت صالونات ثقافية يرتادها المحليون لتبادل الأفكار في فضاء آمن.
وفي وقت مبكر من العام الجاري، شاركت إيمي في مسيرة من دارفور إلى الخرطوم استغرقت 30 يوما واستهدفت رفع الوعي حول السلام، فيما وصفته إيمي بأنه “مسيرة فتاة واحدة” وقد انضم إليها الآلاف في مسيرتها؛ أحيانا عبر الدبابات. ما أثار رعب إيمي.
وكشفت إيمي عن أن والديها كانا يتلقيان تهديدات بالقتل في كل يوم من أيام المسيرة. “لقد كنا تحت الحراسة بشكل دائم”. وأوضحت إيمي أن البعض كان يرى في المسيرة أن “الحكومة السودانية كانت بصدد تنفيذ برنامج لجمع الأسلحة وذلك من أجل السلام في البلد، وأن الأمن يساوي السلام. وأن هذه الفتاة إنما تمشي في تلك المسيرة للبرهنة على أن السودان آمن”.
لكن إيمي أرادت عبر تلك المسيرة القول: “إذا كان بإمكاننا السير معا، عندئذ يمكننا العمل معا، ومن ثم يمكننا تحقيق السلام… تحقيق السلام معا.”
وكشفت الغارديان عن أن إيمي ستعود إلى السودان في يوليو الجاري، حيث بجعبتها خططا كبرى لإقامة ورش عمل وتدشين جمعيات أهلية حول البلد. إن إيمي متطوعة تدخر الأموال التي تحرزها من المشاركة في المؤتمرات والفعاليات التي تديرها مجلات أو شركات أعمال تدفع جيدا جدا … لتدشين أعمال يصعب أن تجد مَن يمولها”.
إن إيمي تكتب لاستكشاف مشاعرها؛ وتلقي أشعارها، وتقول، لأنها على نحو ما وجدت لنفسها هذه المنصة… تقول إيمي: “لقد قيل الكثير عن أناس يشبهونني – شباب، أناس ذوي بشرة سوداء، أناس مسلمين، نساء … وأنا أقول الشعر للإجابة عن ذلك الذي يقال، لأكون صوتا لهؤلاء الناس”.
امتثال محمود أو (إيمي) كما يطلق عليها في أمريكا، ولدت في دارفور عام 1993 ثم هاجرت مع أسرتها إلى اليمن ومنه إلى أمريكا عام 1998. ولد إيمي هو الدكتور إبراهيم الإمام ووالدتها الدكتورة أميرة تبن أخصائية لمعامل الطبية وهما من أقدم النشطاء في الحقلين السياسي والإنساني في قضية دارفور في أمريكا.