ابراهيم اسماعيل ابراهيم شرف الدين
لا يدخل العرق ضمن العناصر الاساسية في توثيق وتأسيس العلائق بين الدول وليس للهوية دور في دفع عجلة التنمية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي للدول ولكن يمكن للمصالح المشتركة ان تجمع بين تناقضات العرق والثقافة كما تفرق بينهما غيابها ولذلك ترتبط المملكة العربية السعودية بعلاقات اقتصادية وامنية متينة مع الولايات المتحدة الاميركية في حين تعتبر تركيا وقطر واليمن المنضمين للحلف الايراني الد اعداءها وهو ما يعكس تغلب المصالح المادية المشتركة على العواطف العرقية والايدلوجية.
وتعتبر مصر البوابة التي تجلب المصائب والعار للسودان حيث لعبت دورا مهما عبر التاريخ في تشكيل شخصية الدولة السودانية بوضعها الحالي المضطربة واتخذ منها الاتراك العثمانيون قاعدة عسكرية وممرا امنا لغزو السودان كما تواطأت مصر مع الاحتلال البريطاني الذي استمر لعقود قبل خروجه من السودان في 1 جانوير 1956ف؛ ولم تعمل مصر التي تقع ضمن اراض احتضنت اقدم حضارة انسانية اسسها النوبيين في المنطقة الممتدة من مروي وحتى ضاحية الجيزة بالعاصمة القاهرة الا على تدمير الحضارة السودانية وممارسة القوادة السياسية لصالح الغزاة الذين استباحوا سيادة السودان واراضيه ابتداء من الغزو التركي بقيادة محمد علي باشا عام 1821ف وحملات الدفتردار الانتقامية التي اعقبت مقتل اسماعيل باشا في شندي عام 1822ف ومرورا بما يسمى الحكم الانجليزي المصري الذي مارس ابشع صور التنكيل والابادة بحق السودانيين في معركة كرري سنة 1898ف والتي راح ضحيتها ما لا يقل عن 11 الف شخص فضلا عن استمرار مصر في احتلال حلايب وشلاتين.
وصاحب الغزو التركي للسودان الذي كان من دوافعه الحصول على المال والعبيد فضلا عن التنقيب عن الذهب في جبال بني شنقول والتخلص من الارناؤوط والباشبوزق وهي قوات غير نظامية فرض ضرائب باهظة على رجالات الادارة الاهلية الامر الذي ادى الى انتقام المك النمر الذي فر الى بجلده بلاد الحبشة بعد تدبيره خطة اغتال فيها اسماعيل باشا بشندي ولكن عنصرية الخليفة عبدالله التعايشي ونظامه القمعي جعل بعض السودانيين الذين استقبلوا الاحتلال البريطاني بالهتافات والزغاريد يفضلون حكم الاستعمار على المهدية.
وانضمت دارمساليت الى السودان طواعية في عهد السلطان بحرالدين ابكر اسماعيل بعد توقيعه على اتفاق – قيلاني – مع الغزاة الفرنسين والاستعمار البريطاني عام 1920ف وتضمن الاتفاق تنازل المساليت عن اراضيهم الواقعة في شرق تشاد كتعويض للفرنسين مقابل الخسائر التي تكبدتها الامبراطورية الفرنسية عند غزوها دارمساليت كما اشتمل الاتفاق على حكم ذاتي للمساليت وحق تقرير المصير, فيما سقطت دارفور على ايدي الانجليز بعد مقتل السلطان علي دينار بمعركة قرب جبل مرة عام 1916ف.
ولجامع الازهر الذي يعد اقدم مؤسسة دينية اسلامية دور تشريعي فوق البرلمان يتمثل في استصدار الفتاوى التي تصيغ القوانين ومازال تنفيذ حكم الاعدام في مصر مرهون بمصادقة شيخ علماء الازهر الذي يتدخل احيانا للتأثير على قادة الانظمة في اتخاذ القرارات السياسية؛ كما للازهر دور كبير في صناعة ايدلوجيا وتنظيم الاخوان المسلمين الذي خرج من رحمه زعيم القاعدة ايمن الظواهري.
لم تكن سياسة مصر تجاه السودان مرهونة بتغيير الانظمة التي تتبنى خطة استراتيجية موحدة وثابتة تضمن لمصر التحكم في مياه النيل ضمن اتفاق موقع في ظل الاحتلال البريطاني عام 1929ف ولذلك لابد من مراجعة هذه القسمة الضيذي بعد استقلال السودان وهو حق سيادي يجب الا يخضع لاي شرط او املاء خارجي فعلى مصر احترام سيادة السودان بالاحتكام للحوار لحل الخلافات بين البلدين وتخليها عن سياسة التهكم والاستفزاز؛ السودان يملك عناصر ضغط ما يكفي لاجبار مصر الانساحاب بلا شروط عن حلايب وشلاتين دون اللجوء الى استخدام القوة وبغض النظر عن مواقفنا من النظام الحاكم في الخرطوم الوطنية تقتضي الالتفاف حول حزب المؤتمر الوطني ودعم سياساته في تعاطيه مع الملف المصري. وتتخذ مصر من محاولة الخرطوم الفاشلة لاغتيال الرئيس المخلوع حسني مبارك ذريعة لانتهاك سيادة السودان وللضغط عليه لتقديم تنازلات في ما يتعلق بملف المياه والاراضي السودانية المحتلة ولكن محاولة الاغتيال الفاشلة استهدفت رأس نظام عسكري جائر اسقطه المصريون بثورة شعبية ضمن ما يسمى الربيع العربي الذي مهد للجنرال عبدالفتاح السيسي للوصول الى السلطة.
ولكن هل ستجلي مصر قواتها عن الاراضي السودانية المحتلة في حال بقاء مرسي المنتمي للتنظيم الدولي للاخوان للمسلمين في السلطة وفي المقابل هل ستتجرأ الخرطوم للمطالبة باستعادة سيادتها للمنطقتين ام ان المسألة لا تخرج عن اطار المزايدات السياسية والمكايدات الهدف منها تصفية حسابات حزبية ضيقة بين المعارضين والمؤيدين للنظام في البلدين ولا علاقة لها بمصالح شعب البلدين؟؟ لا يختلف نظام الحكم في مصر عن النظام في السودان ولكن لابد للمعارضة السودانية التي تتخذ من القاهرة مقرا لها تقديم رشوة للنظام القمعي في مصر بالركون الى الحياد او التملق او الامساك بالعصا من النصف في ما يرتبط بالملفات الشائكة لتأمين وجودها في مصر ودعم نظامها لها وهو موقف اقرب للخيانة والارتزاق والعمالة؛ الوطن اكبر من مجرد حزب او تنظيم سياسي الاختلاف مع المؤتمر الوطني وحب السلطة يجب الا يدفع المعارضين للعمل ضد مصالح الوطن فهل تتمسك المعارضة بمواقفها المؤيدة للسياسة المصرية ازاء السودان لو سنحت لها الفرصة لحكم البلاد؟؟
موقفنا كسودانيين من القضايا الوطنية ينبغي الا يتأثر بانتماءاتنا وخلافاتنا الحزبية, السياسة المصرية تجاه السودان ثابتة ولن تتغير بذهاب السيسي او عودة مرسي الى السلطة؛ الانظمة والحكومات في السودان ايضا ذاهبة الى الزوال لا محالة ولكن الوطن يبقى الى الابد ولذلك علينا الاتفاق جميعا من اجل اجبار مصر على احترام سيادة السودان والانسحاب من الاراضي التي تحتلها في اسرع فرصة ممكنة.