في خطاب البشير قبل أيام في كسلا دعا إلى أن يقابله المواطنين في الشارع، وما طلب البشير هذا إلا تكتيك عسكري لنقل المعركة إلى الأرض التي يعرفها هو ونظامه. وما قد استوعبه الشعب السوداني تماما انه يجب عليه أن ينقل المعركة إلى أرض جديدة لا يتمكن فيها النظام من استخدام أدواته الأساسية التي حكم بها السودان خلال ال 27عاما الماضية وهي آلة العنف والقتل. فسواءا في هبة سبتمبر أو في الحروب الدائرة في ثلاثة مناطق من السودان ظل العنف هو الأداة الأساسية التي يعبر بها نظام الاسلامويين عن سلطته التي سلبها عن ليل ولم ينالها عن ديمقراطية أو تفويض من الشعب.
والإسلامويين وعنفهم كان أداة قتل مستمرة في ميادين عدة أبرزها ساحات الجامعات التي تحولت إلى ساحات “جهاد” بالأسلحة البيضاء ومرات أخر بالأسلحة النارية في عملية حولت أرقى ساحات العلم والتنوير في البلاد إلى ساحات معارك عنيفة بدلا من أن تكون ساحة الجدال الفكري والحوار السياسي. فيما أثبت الاسلامويين أن ادمغتهم لا تعمل الا من خلال العنف والقتل والتدمير وأصبحوا لا يستطيعون الوصول إلى أي غاية سياسية كانت أو غير ذلك سوى عن طريق العنف. فحولوا أجهزة الدولة إلى آلات للعنف فالشرطة أصبحت مرتبطة في عهدهم بالاعتداء على الفقراء من الذين يكسبون رزقهم في الرصيف ومرة توجه سياطها لجلد النساء بسبب وبدونه، وتحول الجيش إلى مجرم حرب ومغتصب لشعبه في عنف لا يوصف يجري منذ بداية عهد الإنقاذ في أطراف السودان أدى في النهاية إلى انفصال الجنوب. ان أيدلوجيا العنف هذه التي تتبناها الحركة الإسلامية جعلت من مقاومة نظامهم معركة للقتل والتدمير لايمكن حساب نهاياتها. ففي كل دول الربيع العربي بما في ذلك تونس كانت النهاية العنيفة التي تجري الآن ليس فقط بسبب النظم الديكتاتورية ولكن لأن الاسلامويين المشاركين في تلك الثورات العربية نقلوا الانتفاضات السلمية إلى مربع العنف. ففي سوريا ادخل الاسلامويين الدواعش والمجاهدين واوصلوا سوريا إلى الدمار الحالي، نفس الأمر جرى في ليبيبا وذات الأزمة الإسلاموية تجري في اليمن إذ أن الإخوان المسلمين هناك حاولوا السيطرة والاستحواذ على مخرجات الثورة مما سهل عودة على عبد الله صالح للمشهد عبر بوابة الحوثيين. ان داء عنف الاسلامويين لا يمكن مقارنته سوى بنيران نيرون الذي احرق مركز حكمه بإحراق مدينة روما بكاملها. فالبشير بدعوته هذه للشعب السوداني يريد أن يستخدم السلاح الوحيد الذي يعرفه الا وهو العنف، ولكن الهزيمة الكبرى التي اوقعها الشعب السوداني بنظام البشير هو نقل ساحة المعركة بحيث لن يكون باستطاعة البشير والإسلامويين استخدام التهم الوحيدة في القتل والقمع. فأي محاولة لاستخدام العنف ضد معتصمين داخل منازلهم لن تكون سوى أبادة جماعية لسكان عزل لن يستطيع النظام تبريرها على الإطلاق. وبالتالي فإن أهمية هذا العصيان القادم والسابق في نوفمبر هي في هزيمة أيدلوجيا عنف الاسلامويين واجبارهم على القتال في معركة لا يملكون سلاحها ولا يعرفون كيف يقاتلون فيها أنها المعركة السلمية ومعركة اللاعنف. ولا شك أن هذا النجاح يقلق مضاجع البشير ورهطه إلى درجة الهذيان وهذا ما يجب أن يدركه الشباب من منظمي العصيان لكي يتمسكوا بسلاحهم ويدركون مكمن قوتهم ويستمرو ا في نزع قوة النظام وتحطيم قدرته على المقاومة في كل خطوة قادمة نحو إسقاطه وإرساله إلى مزابل التاريخ.