الدكتور حمدي عبدالرحمن
لا يختلف مشهد انتخاب الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو وإعلان الرئيس المنتهية ولايته حسن شيخ محمد الاعتراف بهزيمته عن مشهد التداول السلمي الحقيقي للسلطة في أقدم البلدان الديموقراطية. ولكن قومي لايعلمون !، فقد وقعنا في إسار انحيازيات النظم المعرفية الغربية التي صورت لنا الصومال على أنه نوع من الابتلاء الذاتي، فهو تارة “نموذج للصوملة ” وأخرى يمثل دولة “فاشلة ” وتُطبق عليه تقارير دولية نفس معايير هولندا والنرويج فيصبح أكثر دولة فسادا على وجه الأرض، بل ويذهب مدعو المعرفة من المستفرقين ومن تبعهم من بني جلدتنا إلى الحديث عن أعراض “المرض الصومالي”. لقد نسي العرب أنهم تهافتوا على الصومال فأدخلوه جامعتهم ثم سرعان ما سقط من ذاكرتهم وكأنه تهاوى في أعماق المحيط. ليت قومي يعلمون لماذا يهتم الجميع من دول الجوار بالشأن الصومالي فتغامر كينيا بسمعتها العسكرية لتقيم حرما آمنا لها في مناطقها الحدودية مع الصومال وتكاد اثيوبيا تنظر إليه على أنه شأن أثيوبي خالص لا ينازعها فيه أحد فتدخل بخيلها ورجلها عام 2006 لتطيح بحكومة صومالية استطاعت أن تبسط هيبتها على مقديشيو لأول مرة منذ عام 1991 بحجة أنها تتبنى خطابا راديكاليا. ليت قومي يعلمون أن الرئيس العثماني الجديد رجب طيب أردوغان حمل ليس فقط مصداقيته ولكن حياته على كفيه وذهب إلى مقديشيو ليفتتح سفارة بلاده هناك. من غيره يا سادة فعل ذلك وقال هؤلاء قومنا بحاجة إلى المساعدة وليس مجرد تصريحات متكررة لا يمل مجلس جامعة العرب من تلاوتها في نهاية كل اجتماع وكأنها ورد معهود.
لقد آن لأهلنا في الصومال أن يفرحوا بفرض ارادتهم الشعبية عل الرغم من تحالفات الشرق والغرب التي تحاول الإبقاء على الحال كما هو عليه. كان محمد عبدالله، الذي يحمل الجنسية الأمريكية رئيسا سابقا للوزراء، وليس ذلك عيبا فكثير من الصوماليين في الشتات لا يزالون يحملون هموم الوطن ليس فقط في القلوب ولكن على الأعناق. وعلى الرغم من أنه لم يستمر في السلطة الا أشهر معدودات عام 2010 فإنه قلص البيروقراطية الحكومية واهتم بالجيش وحارب الفساد. فهل يتركوه هذه المرة ليخرج الصومال من كبوته ويعود كما كان درة الشرق الأفريقي ومهد الحضارات القديمة.
لقد كانت الصومال أول بلد في أفريقيا يشهد تداولا سلميا للسلطة بعد انتخابات رئاسية حرة ونزيهة . فقد هزم الرئيس عدن عبد الله عثمان دار، أول رئيس للجمهورية الصومالية خلال الفترة من (1960 – 1967)، من قبل عبد الرشيد علي شارمركي، رئيس الوزراء السابق في انتخابات ديمقراطية. وقد اعترف الرئيس بالهزيمة وقام بتسليم السلطة لخلفه بشكل حضاري غير معهود في دول الجوار. ليس ذلك غريبا على حضارة بلاد بونت التي كان ملوك مصر القديمة يولون وجههم شطرها عبادة وتجارة. ألم تكن العاصمة مقديشو عروس المحيط ملتقى للثقافات يسكنها العرب والفرس، والتجار الذين قدموا عبر المحيط الهندي خلال القرن العاشر الميلادي. وألم تستطع مقديشو كذلك أن تتجنب الاحتلال البرتغالي.
إن للصومال وجوها أخرى غير تلك الوجوه البائسة التي يروج لها اعلامهم واعلامنا. فمن بين هذه الوجوه هرجيسيا عروس القرن الأفريقي التي تنعم باستقرار لا نظير له في كثير من مدن الجوار. فقد حققت جمهورية أرض الصومال التي أعلنت انفصالها من جانب واحد عام 1991تقدما كبيرا باتجاه الديمقراطية الانتخابية وذلك مقارنة بغيرها من الأقاليم والبلاد الأفريقية الأخرى لقد نص الدستور الذي تم الاستفتاء عليه عام 2001 على تبني نظام التعددية الحزبية الديمقراطية كما هو موضح في المادة 9 ” يقوم النظام السياسي في جمهورية أرض الصومال على السلام والتعاون والديمقراطية وتعددية الأحزاب السياسية “واللافت للانتباه أن جميع الانتخابات التي أجريت بعد ذلك على جميع المستويات كانت ناجحة بالنسبة لدولة غير معترف بها من المجتمع الدولي وتتمتع بموارد محدودة. ومن المقرر أن تجرى الانتخابات الرئاسية في مارس 2017 ما لم يتم الاتفاق على تأجيلها من جانب الغرفة العليا للبرلمان.
وأيا كان الأمر فإن انتخاب فرماجو كان حلما يراود أبناء الصومال لأنه ببساطة يثبت للعالم أن ورقة القبلية التي تم التلاعب بها أصبحت سلعة راكدة حيث ارتفع الصوماليين فوق خلافاتهم ووجهوا رسالة لقوى الداخل قبل الخارج بأن التدخلات الخارجية والاستقواء بالأجنبي لن تخرج الصومال من عثرته. فمصير الصومال بيد أهله وقاطنيه. فهل يتحقق الحلم الصومالي مرة أخرى؟