بقلم حسن إبراهيم فضل [email protected]
أقلام متحدة
في خضم الفوضى السياسية والقمع الذي تعرض له الشعب السوداني في الثلاث عقود الماضية من حكم الدكتاتور المخلوع عمر البشير أصيبت معظم المؤسسات المهنية للانهيار وتشويه كبير في أدائها , خاصة الصحافة بمختلف وسائلها ,حيث أصبحت الصحافة لسان حال الحكومة والولاء للنظام جسر العبور للمهنة بعيدا عن أي معايير اكاديمية او حتى أخلاقية تحكم تلك العملية , حيث امتهن الصحافة عدد كبير ممن لا تربطهم علاقة بالمهنة الا القدر الذي يملكونه من أدوات التصفيق والتطبيل للنظام واولياء النعمة في الحق والباطل, وأصبحت وسائل الاعلام الحكومية وحتى بعض المؤسسات الإعلامية الخاصة اذرع للنظام وشكلت خطا للدفاع عنه بل ان بعضها تدق طبول الحرب وتشجع عليها وتثير الشقاق بين قوى المجتمع في كثير من برامجها والمحتوى الذي تقدمه للمشاهد والمتلقي, في مقابل قمع لكل صحفي او مؤسسة إعلامية تخرج عن جادة الخطوط التي رسمتها الأجهزة الأمنية التسلطية والتي مارست ابشع أساليب القمع في تكميم الافواه بسجن الصحفيين وايقافهم ومنعهم عن الكتابة ومصادرة الصحف من المطابع او حتى وهي في نقاط التوزيع واصبح شرفاء المهنة مطاردون ويلاحقون من تلك الاجهزة.
ورثت الثورة السودانية وضعا استثنائيا ومشوها في كل المؤسسات وبلا شك الاعلام أحد تلك المؤسسات التي شهدت تدنيا كبيرا في أداء المؤسسات والصحفيين بفعل التمكين الأيدلوجي مقابل الكفاءة المهنية وبالتالي كان لابد من إجراءات عاجلة لتصحيح الوضع المتردي وقد كان ,رغم بعض التشوهات والتي صاحبت تلك العملية لا داعي لذكرها خلال هذه العجالة ولكن المهم في الامر ان صحافة الثورة ان جاز لي ان أقول يجب تكون الصفحة المقابلة والمغايرة تماما لصحافة القمع وصحافة الثلاثين سنة العجاف التي عاشها البلاد خاصة وان عملية الانتقال وتحقيق السلام احد متطلبات الثورة يحتاج صحافة مهنية قادرة على الاضطلاع بدورها بشكل مهني يرتقي لظروف المرحلة ,وتبني رسالة إعلامية مسؤولة تجابه التحديات الجسام التي يعيشها مجتمعنا خاصة في الهوامش التي شهدت وتشهد حروبا قبلية عبثية, وذلك من خلال رسائل إعلامية معدة وموجهة بطريقة مسؤولة يساهم في تعزيز ثقافة التعايش و التسامح والسلم الأهلي ويعضد خطوات الحكومة في سعيها لترسيخ قيم السلام , ونقد وتوصيف الخلل في القضايا المختلفة, والصحافة التي ينشدها المجتمع السوداني يجب ان تكون مختلفة شكلا ومضمونا وحتى في الأدوات ,صحافة تراقب الأداء الحكومي بمهنية ,تعزز من الاشراقات وتنتقد الإخفاقات ,صحافة تنحاز للوطن والمواطن ومقدراته ,صحافة الرقابة على أدائها ذاتية بحرية حدودها شرف واخلاق المهنة.
ان التغييرات المهمة التي شهدها السودان منذ انتصار ثورته المجيدة وتوقيع اتفاق جوبا للسلام والمساعي الجادة الجارية لا كمال العملية مع من هم خارجها يتطلب إجراءات عديدة ومختلفة على صعيد الصحافة والمؤسسات الإعلامية وإعادة النظر في وضعها المركزي واتخاذ مبادرات وخطوات جادة في ان تكون وسائل الاعلام السودانية هي وسائل لكل الشعب السوداني وتجعل من الوصول لمحتوى تلك الوسائل متاحة للجميع بالوسائل المناسبة لطبيعة وجغرافية المتلقين لها وتوفير البنى التحتية التي تمكن لوسائل الاعلام سبل ان تبث وتطبع وتنشر في مناطق مختلفة من أقاليم السودان, فيما يعرف ب (proximity press)صحافة القرب او صحافة المنطقة هي المهتمة بالشؤون المحلية والقريبة من القارئ والمستمع يعتبر من أهم خصائص الإعلام الفعال، وهي مهمة خاصة للمناطق التي لا تحظى بدرجة كبيرة من الاهتمام من وسائل الإعلام, وهو نمط مطلوب جدا في بلد مترامي الأطراف وواسع كالسودان, وصحافة المنطقة او صحافة القرب سياستها انها تهتم بالمنطقة المعينة وتكون أولوية تغطيتها من دون اغفال بطبيعة الحال لقضايا الوطن في مناطقه المختلفة لكن التخصصية من شانها ان تعزز من رسالتها ومن دورها بشكل كبير وهو نمط معروف وقديم كتجربة ( الواشنطن بوست) وهناك تجربة إقليمية عربية مهمة وهي تجربة ( العاصمة بوست) المغربية والتي يراس تحريرها الدكتور طلحة جبريل.
من المهم كذلك ان نشجع منظمات المجتمع المدني والروابط والاتحادات المهنية خاصة الإعلامية منها في ان تلعب دورها التوعوي, حسنا ان ابتدرت المفوضية القومية للسلام ورش مختلفة عن اعلام السلام اخرها الورشة التي أقيمت يومي 12-13 يوليو الجاري بالتعاون مع مركز أرتكل للتدريب والإنتاج الإعلامي , اعتقد انها أنشطة مهمة لتعزيز دور الاعلام في السلام وهو موقف يدل على ايمان القيادة السياسية بأهمية دور الاعلام .
على وزارة الاعلام إعادة النظر في الفضائيات الولائية والإقليمية الفرائيحية المنتشرة في عدد من ولايات السودان ببساطة شديدة لما تعانيه من التوهان والتخبط والضعف البين في محتوى برامجها ,وطالما هي فضائيات حكومية وبذات الجرأة التي اتخذت في شان التلفزيون القومي باستقطاب كفاءات على الأقل على راس الهرم في التلفزيون القومي , مطلوب إجراءات جادة وجريئة لو اتخذت اجزم انها ستوفر موارد مادية للدولة وتعزز من الأداء , وقبل ذلك يجب ان نجيب على , ما هي الرسالة المطلوب توجيها من هذه الفضائيات الولائية ؟ وما هي الأولوية ؟
سألت قبل شهرين تقريبا في ندوة اسفيرية جمعتني بالسيد وكيل اول وزارة الاعلام الأستاذ/ الرشيد سعيد عن جدوى هذه الفضائيات الولائية , أجاب بانه شخصيا لا يعلم ,
امل ان يكون السيد الوكيل قد وجد اجابة على سؤالي واسئلة الكثيرين من المشفقين على امر اعلام وطننا العزيز.
اعتقد بعد الثورة وإعادة صياغة محتوى التلفزيون القومي والذي من اهم مرتكزاته مراعاة التنوع الثقافي والاجتماعي والجغرافي عبر امتداد وطننا , من المهم أيضا إعادة النظر في محتوى هذه الفضائيات والاذاعات المنتشرة والتفكير الجاد من المشتغلين في الاعلام الى ضرورة ادماج المؤسسات الحالية او تكوين كيانات جديدة لها القدرة على الانتشار والقدرة على صناعة محتوى هادف .
# والسلام سمح
—
الحرية تنتزع ولا تمنح