صوت من الهامش
كل ما يصدر من رموز نظام الإنقاذ فهو مريب، وكل ما يخطط لها اجهزتها فمقصده الخراب، وحسبُ الصادق الرزيقي من البؤس ترؤسه تحرير صحيفة الإنتباهة، بوق الكراهية ومؤسسها العنصري صاحب الثور الأسود الطيب مصطفى، ويكفيه خزياً تآمره على محاولة قطع الثدي الذي رضع منه، والتغوط في كبره على الصدر الذي احتضنه صبيا. كيف له وهو ابن دارفور أن يتولى كبر هذا العار التاريخي الذي يستهدف محي اسمها الضارب في عمق الزمان لما يقارب الخمسة قرون؟
يرى الرزيقي أن نتيجة الاستفتاء الإداري الأخير كمنطلق دستوري لتجاوز اسم دارفور الذي لا يشكل أي حافز أو عامل من عوامل التقدم أو النهضة أو الوحدة، وليس له الا بعده الماضوي، وإذا جرد من ذلك فإن البعض أو قل الكثير من أبناء الولايات يعتبرونه اسماً مرتبطا بقبيلة نسبت إليها كل المنطقة كدار لها. هذه جزء من ترهاته التي افصح عنها في مقاله الأخير (ما بعد الاستفتاء 1-2)
ونقول له من الذي يعترف بدستوركم، ومن الذي اقر بنتيجة استفتائكم، فما أنتم إلا سُراق سلطة فاقدي الشرعية، وباسم من تتحدث عن حوافز النهضة والتقدم، وما هي الأقاليم التي نهضت وتوحدت بسبب اسمائها، وإن لم تكن اسم دارفور محفز للوحدة، فكيف بجبل مرة وعزوم وبحر العرب، ومن الذي تريد أن تقنعه بأنكم دعاة وحدة، ومعنيون بالنهضة والتقدم؟
دارفور قبل أن تكون مدلول لدار قبيلة، فهي الدالة عن الحضارة والتاريخ والإرث الإنساني، ولو لا بعد نظر سلاطين الفور، وحنكتهم التي مكنتهم من التسلسل والمحافظة على هذه البقعة الطاهرة لما يقارب الخمسة قرون، ما ادراك أن تتفرق مكوناتها بين الدول الخمس التي تجاورها الآن، سلاطين اماجد استطاعوا الحفاظ عليها متماسكة عبر التاريخ، ليأتي اراذل قوم في هذا الزمن الأغبر ليستكثروا عليهم الاسم، أرأيت مدى بئس طرحكم ايها الرزيقي؟
مخططاكم مفضوحة، وأوراق لعبكم باتت مكشوفة، والكل يدرك، كم يزعجكم غوص حضارة دارفور في عمق التاريخ، لكن قبل التفكير في التخلص من اسمها، امتعاضا من دلالته، عليكم التفكير في تغيير اسم السودان اولاً، للشفاء من هوس النقاء العرقي، إن كنتم ترون أن الذين يسكنونه ليسوا جميعهم من السود، أليس هذا الاسم الذي اطلقه علينا الاستعمار؟ ومن الجهل أن تقول أن الاستعمار كرس اسم دارفور، وهي الأكثر تضررا منه.
أما قولك أن اسم دارفور ارتبط بالتمرد، في الوقت الذي هناك ولايات لم تتمرد، فهل تمردت كافة مكونات كردفان؟ ولماذا احتفظ جميع ولاياتها الثلاث بذات الاسم على غرار ولايات دارفور؟ وهل تجرؤون على محاولة المساس باسم كردفان لأن جزء منها تمردت عليكم؟ ام أن دارفور اصبحت الحيطة القصيرة لكم؟ واتحدى الرزيقي أن يذكر ولاية واحدة في دارفور لم يرفع ابناؤها السلاح في وجه نظام الإنقاذ. ومن الساذج الذي يقتنع بأن اهالي الفاشر، وجبل مره، ونيالا، والجنينة والضعين يرغبون في التملص من اسم دارفور، من اجل سواد عيون نظام يقتلهم بلا رحمة؟ وأليس أولياء نعمتك من أخرج دارفور خارج اسوار مثلث حمدي؟ بإمكانكم أو تزوروا المستندات، وان “تخجووا” الصناديق ما شئتم، أما إرادة الناس فليس بمقدوركم تزيفها بهذه السهولة كما تظنون. وإذا كنتم مقتنعين بوثيقة الدوحة، فلما لا تحترمونها على بؤسها، وإن كان الموقعون عليها يمثلون اهل دارفور في نظركم، فلماذا تلاحقون الثوار، وتستجدون توقيعاتهم ومباركة الاتفاقية؟
ورد في الموقع الرسمي للبروفسير محمد ابراهيم ابوسليم: “حكم سلاطين الفور لفترة امتدت ما يقارب الخمسة قرون من سنة 1445 وحتى 1916 م وكان أولهم السلطان سليمان سولونق، وآخرهم هو السلطان علي دينار.” انتهي. علماً أن السلطانين دالي وكورو قد سبقا السلطان سليمان الأول (سولونق). والذي قد لا يعرفه الرزيقي ان تاريخ تأسيس هذه السلطنة العريقة، سابق لسقوط الأندلس عام 1492م بما يقارب الخمسة عقود، ومتقدم على تأسيس مملكة الفونج عام 1504م بستة عقود، زعماء دارفور ومثقفيها يعلمون هذا السبق التاريخي، ويقدسونه، أما الرزيقي قد يكون غافل عن دلالة هذه المفارقات. وبناءً على هذا المعطيات، فإن عمر سلطنة الفور، أطول من ضعف عمر الدولة السودانية الحالية (1812 – 2016م)
نحن لا نريد أن نجادل في المقترحات البديلة، والذي قصد منها دغدغة المشاعر، بقدر ما نركز على خطل الطرح وسوء المقصد، هل تظنون أن تفتيت الاقليم إلى ولايات او حتى محو اسمه من سجلاتكم سيمكنكم من هزيمة التمرد، أو خنوع أبنائه للحكم المركزي البغيض؟ وهل إن أزلتم اسم دارفور من خرائطكم، سيعفي رأس نظامكم من الملاحقة الجنائية، ويرفع عنكم الحصار الدولي الذي يضيق عليكم يوماً بعد يوم؟
فلولا بطولات جنكيز خان المشهودة وحفيدة قبلاي، لما وجُدت جمهورية منغوليا التي تحمل اسم عشيرته بين الأمم، ولو لا بطولات الملك عبد العزيز آل سعود، لما وجدت المملكة العربية السعودية بحدودها الحالية الشاسعة، وآل سعود مجرد اسرة وليست عشيرة، وإن ظن البعض أن هذا الاسم، قد لا يستمر في حال انقضاء حكم آل سعود، نقول ولولا الغزو التركي ثم الإنجليزي المصري للسودان، من كان قادرٌ على منع تسلسل سلاطين الفور في الحكم إلى يومنا هذا؟ وبالتأكيد سيكونون ارحم بشعبهم من بأس حكام الخرطوم ورثاء الاستعمار.
وهل يعتقد الرزيقي أن دول مثل طاجيكستان أوزبكستان ليست بهما عرقيات اخرى، ومن قال أن إنجلترا أو England ليس بها غير الإنجليز؟ ما الفرق بين دارفور واسكوتلندا وايرلندا من حيث مدلول الاسماء؟
تركيز النظام على مدلول تسمية الإقليم (دافور)، ما هي ذريعة واهية لتدشين مرحلة جديدة من تمزيق النسيج الاجتماعي والتفتيت الوجداني لمكونات السلطنة، ضمن استراتيجية الفاشلة لقمع ثورة الهامش ضد الحكم المركزي الكارثي. وليت الأمر ينتهي هنا، بل النظام يسعي لتجريد أبناء الإقليم من ارثهم التليد وتاريخهم المشرف ومساهمتهم المقدرة في التطور الإنساني، وإنكار قدحهم المعلى في تكوين الدولة السودانية، أي حرقهم معنوياً، بعد ابادتهم بالجملة، هل ادركم خطورة ما يطرحه هذا “النقيب” غير الصادق، والذي يتعمد تغليف نوايا نظامه الشرير.
لقد تآمر الرزيقي من قبل مع ولي نعمته العرقي الطيب مصطفى على فصل الجنوب، فلا عجب أن يتآمر الآن على بيتهم الكبير دارفور، فقد وضعه موقع موسوعة ويكيبيديا في أعالي قائمة أعلام مدينة نيالا، يذكرنا موقفه الشاذ هذا، وكلامه الفج بالشاعر الجاهلي الحُطيئة، والذي تربّى في حالة سخط من زمنه وقدره، فتجرّد من عواطفه ومن انتمائه، واصبح ارزقي يتكسب بشعره، وبذلك عمد إلى المدح الذي أكثر منه، وأفرط في إطراء من لا يستحقّ، مقابل العطايا التي كانت تُغدق عليه، ومما شهد عليه التاريخ نادراً، هجائه لوالديه في عدّة مناسبات، وهجا نفسه في أبياتٍ شعريّة مختلفة، مرد ذلك أنه كان مريضا اجتماعياً ونفسياً ويعاني من الانتماء.
عندما يقول الرزيقي ان اسم دارفور لم يعد حافزاً أو عاملاً من عوامل التقدم او النهضة أو الوحدة، ويحّرض على التخلص منه، فهذا هجاءً صريحاً منه، يماثل ما جاء في قول الحُطيئة في هجاء امه ــ الضراء:
تنحي فاقعدي مني بعيداً أراح الله منك العالمينا
حياتكِ ما علمت حياةُ سوء وموتُكِ قد يـسرُّ الصالحينا
وقوله في هجاء ابيه:
فنعم الشيخ أنت لدى المخازي وبئس الشيخ أنت لدى المعالي
جمعت اللؤم لا حياك ربي وأبواب السفاهة والضلال
بمقتضى مرحلية التاريخ، إن فتتم كيان دارفور اليوم، او محوتم اسمها من دفاتركم، سنعيد سيرتها الأولى غداً، وحينها، أي منقلب ستنقلبون؟
ebraheemsu@gmail.com