باتت كلمة “الهجرة” اليوم الكلمة الأكثر تداولاً بين الشباب السوداني، وأصبحت الأحلام الوردية وعوالم ما وراء البحار أكثر من أن تُحصى أو تُعد، فقد تأجلت مشاريع الزواج والوظيفة وخطط المستقبل، وأكلت نيران الحروب كل شيء حتى صار رماداً وهباءآ منثوراً تتقاذفه رياح القلق ، وتعصف به قوارب الموت وسفن الشحن العشوائي والمتاجرين بالبشر، لنستيقظ كل صباح على مأساة جديدة ضحاياها هؤلاء الحالمين بالهجرة والانتقال إلى العيش الرغيد في أحضان القارة العجوز.
فقد شهدت الاشهر الماضية حركة هجرة كبيرة وغير طبيعية من السودان الي ليبيا ومصر وصولآ الي شواطئ البحر المتوسط، بإشراف عصابات ومافيات دولية تسبّبت بغرق الآلاف ممن طاردوا أحلامهم ولهثوا خلفها حتى النفس الأخير قبل أن تبتلعهم أمواج البحر وأسماكه إلى الأبد، ودون الوصول إلى شواطئ الأمان في أوروبا.
ولأن القضية كادت تخرج عن السيطرة في ظل تغوّل أعداد المهرّبين وتكاثرهم كالفطر وانتشارهم على امتداد الجغرافيا السودانية وابتكار فنون مختلفة في استنزاف الشباب السوداني .
الهرب من الفقر والجوع و الموت
حلم الهرب من الفقر و الموت والبحث عن حياة جديدة باتا يراودان الأغلب الأعم من الشباب السوداني بعد أن تقطّعت بهم السبل وطال أمد الحروب التي انهكت الوطن قرر الشباب السفر تاركين ورائهم أمهاتهم و ابائهم ، لابد من العمل وتأمين دخل مادي ولاسيما أن خسرو حياتهم الاسرية التي كنت قبل حكومة السجم والرماد ، ففرص العمل في الخارج أكثر وأكبر ريثما تنتهي الحروب. ويقسمو طعمتآ أنهم لم يتركو الوطن إلا مكرهين .
أخيراً.. وبعد”الفأس وقعت بالرأس” لا بد من التأكيد على أن ابناء الوطن الشريفين اليوم أمام مسؤولية جسيمة جداً يجب ألا تتوانو أو تتقاعسو فيها وذلك بإيجاد حلول فاعلة وجذرية لها بعيداً عن الإجراءات الرسمية المزمع اتخاذها، وإلا فإن مسلسل استنزاف الشباب السوداني لن يتوقف عند هذا الحد، كما المطلوب من الأسرة اليوم التنبّه أكثر إلى أن هجرة أبنائهم تعني استجابة لأهداف الكيزان على السودان بالتخلي عن الوطن وتفريغه من طاقاته.
بقي أن نعترف أن هذا الموضوع الشائك يستلزم أكثر من تحقيق في صحيفة أو مجلة، كأن تتبنى مراكز أبحاث ودراسات عامة وخاصة في السودان دراسة هذه الظاهرة الخطيرة التي تعصف بعدد من البلدان المجاورة، وتذكرنا بموجات الهجرة التي أدت إلى إبادة الهنود الحمر واستعباد آلاف الزنوج من سكان إفريقيا بعد اكتشاف الأوروبيين للقارة الأمريكية