تحليل : مصعب عبدالكريم
رغم المظاهرات المناهضة لمحاصصة الحكومة الانتقالية في الايام المضت الا ان الاحزاب المركزية و نخبها السياسية الصفوية في المركز استمرت في طريقها نحو محاصصة المجلس السيادي بين حزب الامة و الشيوعي والبعثي و الاتحادي . هنا تكمن الاختراق الكامل لوثيقة اعلان الحرية والتغيير التي التفت حولها الشعب السوداني كله كميثاق عهد بينهم و كبديل لنظام الانقاذ البائد نحو السودان الجديد كهدف منشود لتحقيقها من خلال الثورة.
الان بعد ان قامت الاحزاب التقليدية في المركز بإقصاء الحركات المسلحة والجبهة الثورية بتحريض عنصري تجاهها بفزاعة المحاصصات و كفاءات مدنية و تنصلت عن وثيقة اديس السلام الشامل بنفس الزريعة ..في اقل من 24 ساعة نفس النخب هي زاتها انغمست في المحاصصات و قسمت كيكة السلطة في المجلس السيادي ومقبلا سترتفع الستار عن محاصصات مجلس الوزراء و ولاء الولايات و محافظين المحافظات ومدراء العامين للوزارات و مدراء البنوك و فروعها حتي وظائف درجة عاشرة في المؤسسات تم محاصصتها حزبيا و تقسيمها بين الاحزاب الان داخل ادراجها . وهنا نكمن الكارثة .
علما بان المجلس السيادي تم محاصصتها حزبيا كالاتي:
اقليم الشرق
– حسن شيخ ادريس حزب الامة – رشحته كتلة (نداء السودان )
اقليم الاوسط
– عايشة موسى حزب الشيوعي- رشحتها كتلة (تحالف القوي المدنية)
الشمالية
– محمد الفكي حزب الاتحادي الديمقراطي -رشحته (التجمع الاتحادي المعارض)
الجنوبي
– صديق تاور حزب البعث العربي الاشتراكي- رشحته (قوي الاجماع الوطني)
دارفور
– محمد حسن التعايشي مستقل -رشحته كتلة (تجمع المهنيين)
الفترة الانتقالية وفقا للعهد المنصوص عليها في وثيقة اعلان الحرية والتغيير هي فترة مهمات محددة هي انجاز السلام الشامل و انعاش الاقتصاد و خلق توازن سياسي جديد في السياسة الخارجية بعيدا سياسة المحاور الا ان ما يجري الان من المحاصصات الحزبية تجعل ذلك بعيد المنال لهذا السبب :
بدلا من ان تكون الفترة الانتقالية حكومة كفاءات مدنية وطنية غير حزبية تقوم بمهمتها المحددة و تنتهي بنهاية الفترة الانتقالية ومنها ان يعود هذه الكفاءات المدنية الي حياتهم السابقة بعد انجاح مهمتهم …… ولكن الان تم اختراق وثيقة اعلان الحرية والتغيير و اصبح الحكومة الانتقالية عبارة عن حكومة محاصصات حزبية في دولاب الدولة. و لطالما دخلت نخب الاحزاب في دولاب الدولة.. فإن في طول الفترة الانتقالية سينشغل هذه النخب الحزبية في صراعات سياسية حزبية و سباق تنافسي داخل المؤسسات و الوزارات و المفوضيات نحو التمكين من اجل موطي قدم مستقبلي في السلطة لما بعد الفترة الانتقالية. و تتجاهل واجبات الفترة الانتقالية. من السلام الشامل و الاقتصاد. وخلق توزان خارجي واصلاح المؤسسات
وبتجاهل هذه الواجبات تعني استمرار الحرب و تفاخم الازمة الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي و تفشي الفساد و بقاء العقوبات الاقتصادية و استمرار بقاء السودان في قائمة الدول الراعية للارهاب و هبوط العملة الوطنية لان اغلب هذه العقوبات كانت بسبب الحرب في دارفور و اخيرا تم الربط بين رفع السودان من قائمة الارهاب و رفع ما تبقي من العقوبات بإحلال السلام الشامل في السودان في مناطق الحرب . والسلام الان بعيد المنال في ظل تخوين الحركات المسلحة بفزاعة المحاصصات و اقصاءهم بصورة عنصرية من الساحة و التنصل علي رؤيتهم للحل الشامل الذي تم التوافق عليه باديس ابابا في الوثيقة الدستورية!
بعد الشهور الثلاث الاولي الي الشهر السادس .. سيتأكد للجميع ان ان هذه النخب هي نسخة مكررة من نظام البشير و يلامس الجميع ان الحياة تسير سوء في البلاد باستمرار ارتفاع الجنوني للاسعار و الانهيار التام للاقتصاد و يحصل تململ في الشارع مع ملامسة فشل النخب في ادارة المرحلة و مظاهرات هنا وهناك ضد الحكومة الفاشلة. وتصيبهم احباط شديد.
من الشهر السادس الي التاسع ستضيق المعاناة زرعها بالشعب من ضنك المعيشة وارتفاع الاسعار و سينزل الملايين الي الشوارع بمظاهرات عارمة مليونية ضد الساسة و النخب السياسية الفاشلة التي سرقت الثورة لمصالحها و تناست هم الوطن. و تلك هي اللحظة التي ينتظرها قائد مليشيا الدعم السريع حميدتي…. بالدارجي كدا ( حميدتي قافل ليهم في لفة عبد الفتاح السيسي) سينقلب علي الحكومة الانتقالية الفاشلة وينال تعاطف المتظاهرين و سيظهر مجددا للشعب بالدور المنقذ و الرجل الضكران . حينها سيزج هذا المليشيا كل النخب في السجون . سيكال علي دكتور عبدالله حمدوك لائمة الفشل الحكومي و عدم الاستقرار السياسي الذي يسببه صراعات وتناحر الاحزاب داخل المؤسسات وسيعود الي اديس ابابا بعد شهور متحسرا وغاضبا الي وظيفته الاقليمية القديم. و بهذا فاليمسك الجميع الخشب من الان حتي لا يسقطوا مثل النخب المركزية و احزابهم التقليدية في المستقبل القريب!
هنا تكمن سرقة الثورة.
لست متشائما ولكن هذا هو تحليل المنطق السياسي لشخصي الضعيف وفق ما يجري من الاحداث بوتيرة دراماتيكية