أجرت صوت الهامش حوارا مطولا مع الفنانة السودانية العالمية، الساره ، صوت الموسيقى السودانية الجديدة، أثناء وجودها في القاهرة. وقد تناول الحوار محطات مهمة في مشوار الفنانة الساره الحافل بالنجاح، فضلا عن نقل آرائها حول الكثير من القضايا الفنية السودانية والأفريقية الهامة.
القاهرة: صوت الهامش
حاورها أحمد محمود
قالت الفنانة السودانية العالمية الساره، إن الجاليات المهاجرة تحافظ على هويتها عبر التشبث بشيئين من الوطن الأم: موسيقاه وأطعمته، مشيرة إلى أنها شرعت منذ أن هاجرت في دراسة الموسيقى الشعبية السودانية، فضلا عن أنها تتشارك وشباب سودانيين في منتدى يُعرف بالمطبخ السوداني.
وعما استفادت به من الهجرة، قالت الساره: “علمتني الهجرة كيف أتعامل مع الدنيا كلها. علمتني أنني لست الوحيدة التي تمر بأزمة. ثمة آخرون كثيرون. جيراني من بلدان مختلفة. هذا الإحساس يرّبت على كتفي. يجعلني أشعر أن السودان ليس وحده في أزمة”.
وأضافت الساره: “علمتني الهجرة أن أبدو مرتاحة في كل مكان. وأن أشعر أن أي مكان يمكن أن يكون وطنا. لقد تأزمت في البداية. وعندما كنت أرجع إلى السودان كانوا يقولون لي: “أنتِ لست سودانية”. وعندما أعود إلى أمريكا كان أهلها يقولون لي: “مِن أين أنتِ؟”. أنا في النهاية إنسانة في أي مكان. بالنسبة لي العالم كله بلدي”.
وعمّا قدمته هي لأمريكا، قالت الساره: “أمريكا مبنية على الجاليات. أمريكا بلد مهاجرين. والمهاجرون يبحثون عن جديد في كل مكان. وهم يحاولون بناء جسور بين بلادهم الأصلية وبلدهم الثاني أمريكا وهو ما أحاول أنا فِعله”.
وأضافت الساره: “أشعر أني أقدم للأمريكيين جزءا ثانيا من ثقافتهم التي لم يكونوا يعلمون أصلا عن وجودها. لأن المهاجرين يضيفون أجزاء من ثقافاتهم الأصلية إلى الثقافة الأمريكية التي تستوعب كل الثقافات”.
وحول إشكالية الهوية السودانية، رأت الفنانة الساره أن الطريق للتعامل معها هو أنه “لابد أن نقبل ونتعلم تاريخنا. فلا يمكن أن نؤلف تاريخا جديدا لأنفسنا”. ولفتت الساره إلى أنها لم تتعلم عن تاريخ السودان إلا بعد ما غادرت السودان!، قائلة “عندما كنت في الابتدائية والإعدادية بالسودان كنا ندرس تاريخ العرب والجاهلية أما عن السودان فكانت نهاية تاريخه عند حقبة المهدية! وكأننا لم يكن عندنا حضارة قبل عام 1800!! لا بد أن نعرف التاريخ؛ بدون جذور الشجرة لا تنمو”.
وعن هوية محددة للسودان، وهل السودانيون عرب أم أفارقة؟ قالت الساره: “نحن كسودانيين خليط من الاثنين (العرب والأفارقة)؛ المستعمر العربي فرض علينا لغته. وأنا مهتمة بتاريخ تجارة العبيد في شرق أفريقيا عامة. وقد بدأت أتعلم هذا التاريخ عندما كنت شغالة في مشروع (زانزيبار) . وهذا الموضوع مؤلم أن تتكلم عنه. لكن لابد أن نواجه ذلك. لابد أن نأخذ حقنا. الأموال التي سرقت منا”.
وأضافت الفنانة العالمية: “الاستعمار له أشكال كثيرة لا تقتصر على الطريقة الأوروبية. عندما تفرض لغة على شعب آخر فهذا نوع من الاستعمار. عندما تأخذ أناس على أنهم عبيد مقابل الاستعمار فهذا نوع من الاستعمار. ثمة أشياء كثيرة مثل تلك يجب أن نتكلم عنها بصراحة. لكي نستطيع مواجهة هويتنا لأننا أمسينا خليطا تماما كما هو حال كل شرق أفريقيا (خليط). لم يعد أحد نقيا عرقيا تمام النقاء.
وحول موقفها من الوحدة الأفريقية، قالت الساره: “أرى أن الهوية هي في الاتحاد. ومثال ذلك الاتحاد الأوروبي واتحاد الولايات الأمريكية. ثمة قوة في الاتحاد مبدئيا. الاتحاد يعزز الفرص. كلما اتحدنا مع بعضنا البعض صارت الفرص أمامنا أكبر”.
وأضافت : “إذا كانت أفريقيا عانت من الاستعمار فإن هذا الاستعمار لم ينته بعد؛ انتقلنا من استعمار عسكري إلى استعمار اقتصادي. كلنا غارقون في الديون. لقد خططنا خطوطا وهمية. اصطبغنا بهويّات وهمية. أفريقيا تحارب بعضها البعض”.
وتابعت الساره: “نحن في أفريقيا نتعلم ممن حولنا ولا نُعّلمه نحن. ولماذا نسافر للخارج بدلا من السفر للداخل؟ بالنسبة لي الهوية الأفريقية تبدأ خطوة تلو الأخرى.. خطوة خطوة الناس تتوحد”.