الخرطوم – صوت الهامش
أصدرت وكالة “رويترز” العالمية للأنباء، تقريراً إنسانياً، يبرز إنعكاسات تردي الأوضاع الأقتصادية في السودان على الشعب السوداني، و يبرز أهم ملامح تلك الأزمة من قلب الشارع السوداني.
و يلتقي صناع التقرير الذي اطلعت عليه “صوت الهامش” ، بعدد من مختلف فئات المجتمع السوداني، و الذي تلمسهم الأزمة الإقتصادية بشكل مباشر أو غير مباشر .
حيث يحكي التقرير في بدايته، على لسان “محمد محمود” الذي يودع نقوده التي اكتسبها من عمله في المحاماة لأكثر من 22 سنة، ، في أحد البنوك القريبة من مكتبه في العاصمة “الخرطوم”. ولكنه الآن، و خوفًا من تزايد القيود على عمليات سحب النقود، ما سيعني أنه لن يستطيع الحصول على أمواله، فقد قرر أن يحتفظ بها في أمان، في خزنته الخاصه، خلف مكتبه.
و تعد القيود المفروضة على مقدار النقد المتاح للبنوك التجارية، واحدة من بين التدابير الرامية إلى الحد من التضخم المتفشي ومعالجة أزمة اقتصادية، قد تعوق خطة الرئيس “عمر البشير” لتمديد فترة حكمه التي بلغت قرابة الثلاثة عقود.
وعلى الرغم من أن البنوك لم تعلن عن حدود محددة لعملية السحب، إلا أن بعض تلك العمليات انخفض في الأسابيع الأخيرة، إلى أقل من 500 جنيه سوداني، أي ما يعادل (17.12 دولار) في اليوم.
يقول محمد : “حتى لو كان هذا المكتب غير آمن من السرقة أو من النار، فإنه لا يزال أفضل من وضعه في البنك”
في الأسبوع الماضي، و بعد 11 شهراً من رفع الولايات المتحدة عقوبات تجارية عمرها 20 عاماً، قام “البشير” بحل حكومته، مستشهداً “بحالة الكرب والإحباط” في الشارع السوداني، كما خفض ثلث الوزارات لخفض التكاليف.
و بنسبة تزيد علي 60 في المائة، فإن معدل التضخم في السودان، هو من بين اعلي المستويات في العالم، بينما تبلغ قيمة عملتها، اقل من نصف دولار في السوق السوداء -التي حلت محل النظام المصرفي الرسمي بشكل فعال- تماماً كما كانت قبل عام. كما أن هناك نقص متقطع في الوقود والمواد الغذائية، كما ان إلغاء إعانات الخبز في كانون الثاني/يناير ضاعف الأسعار، ما قد جذب مئات المحتجين إلى النزول في الشوارع.
ظل الاقتصاد السوداني متعطشا للعملة الصعبة، منذ ان انفصل جنوب السودان في 2011، وأخذ نصيب الأسد من النفط، وهو سلعة التصدير الرئيسية، علي الرغم من ان تعدين الذهب ازدهر منذ ذلك الحين، فان المسؤولين يعترفون بان معظم المعادن الثمينة تهرب خارج البلاد.
في ديسمبر ، قال صندوق النقد الدولي ان احتياطيات البنك المركزي بلغت حوالي 1.1 مليار دولار، أو ما يكفي لسبعة أسابيع من الواردات، أي ما يقرب من نصف الأشهر الثلاثة التي تعتبر عادة كافيه.
يصرح خبراء الاقتصاد، بأن المستثمرين الأجانب، والبنوك الاجنبيه، تؤجل مشاريعهم في السودان باستمرار، من قبل واشنطن، بإعتبارها –السودان- دوله راعية للإرهاب، إلى جانب إيران وكوريا الشمالية وسوريا.
من المتوقع أن يعاد النظر في هذه القائمة، ولكنها تجعل “السودان” غير مؤهل لتخفيف الديون التي تشتد الحاجة اليها، ولا مؤهل للتمويل من قبل المقرضين، كصندوق النقد الدولي، أو البنك الدولي.
يقول “سام بودلي سكوت” – رئيس الاستراتيجية في “دال فودز” أحد أكبر منتجي الاغذيه في السودان- : “كانت هناك لحظه من التفاؤل الجميل في نهاية العام الماضي، عندما أقصيت العقوبات عن السودان، وظننا ان الجميع سيهجمون علينا كـ”الطفح الجلدي” رغبةً في الاستثمار، لكن للأسف، فان الضغوط الاقتصادية المحلية، والتحديات المرتبطة بذلك، قد فاقت بكثير فوائد نهاية العقوبات “.
قيمه الإدخار:
في الجهة المقابلة من “سوق الذهب” في الخرطوم، يميل تجار العملات في السوق السوداء علي أغطية السيارات، ملوحين بالأوراق النقدية لجذب العملاء، وقد ارتفعت اعدادهم علي الرغم من الحملة القمعية التي تقودها الحكومة، حيث ينقل المال من النظام المصرفي الرئيسي، برغم زيادة الطلب على العملة الصعبة.
يقول أحد التجار: “في العام الماضي كنت قد وجدت ثلاثة أشخاص أو نحو ذلك في هذا الشارع، يبيعون العملات في السوق السوداء، أما الآن، فهناك من 10 إلى 20 في وقت واحد” .
خفض البنك المركزي السوداني قيمة عملته من 6.7 إلى حوالي 30 جنيها للدولار الواحد في العام الماضي، ولكن معدل السوق السوداء لا يزال اقل، بحوالي 42 جنيه.
تجار العملات يقولون ان الطلب علي الدولار قد ازداد، مع تحويل الناس لنقدهم للمحافظة علي القيمة، في ما يعرف بظاهرة “الدولرة”.
يقول “زهير سعيد” – الرئيس التنفيذي لمجموعه سعيد، إحدى أكبر التكتلات في السودان- : “ليس هناك ثقة لا في النظام السياسي ولا في الاقتصاد، وهو ما يدفع الكثير من الناس إلى أكتناز العملات الاجنبيه في منازلهم ومراتبهم وخزائنهم، الآن حتى ربات البيوت عندما يكون لديهم فائض، يحتفظون به بالدولار”.
وقال اثنان من المصرفيين لـ”رويترز” ان الودائع الجديدة في انخفاض، سواء على صعيد الأفراد أوالشركات، الكل يتردد في وضع أمواله في البنك.
وفي متجر “أمير محمد عثمان” في الخرطوم، تقبع الخزائن مكدسه علي الرصيف، علي مرأى من العملاء في طابور أحد البنوك في نفس الشارع، حيث قفزت المبيعات إلى ثلاثة أو أربعة خزائن في اليوم، بعد أن كانت واحدة فقط في الشهر في وقت سابق من هذا العام ، متجاوزا تجارته المعتادة في الأثاث.
قمة الغضب:
وصرحت شركات “دال فودز” – الموزعة لشركة كوكا كولا- و مجموعة سعيد -أكبر صانع بسكويت في السودان- ، ان مبيعات الوجبات الخفيفة التي تنتجها، قد إرتفعت قليلاً خلال فترة الانكماش، بسبب أن الناس يستبدلونها بالأطعمة التي لم يعد بمقدورهم تحمل تكلفتها.
يقول سعيد: “بالنسبة للكثير من الناس، أصبحت وجبة الظهيرة، بسكويتًا بالحليب أو الشاي”.
في حين يقول “سكوت دال” ان عائدات فحم الكوك بقيت ثابته، مضيفا: “الناس يرون أنها وسيله فعالة من حيث التكلفة للحصول علي الكربوهيدرات.”
وعلي الرغم من أن الشوارع هادئة منذ احتجاجات الخبز في يناير، إلا أن الأزمة تعتبر مشكلة في حد ذاتها بالنسبة “للبشير”، الذي أعلن حزبه الحاكم الشهر الماضي، أنه سيترشح للانتخاب مرة أخرى في انتخابات 2020، الأمر الذي سيتطلب تعديلا دستوريا.
وقال الرئيس ، الذي استولي علي السلطة في انقلاب عسكري 1989، في خطاب للامة، ألقاه هذا الأسبوع أن الانفاق من قبل الحكومة الجديدة سيبقي “إلى الحد الأدنى”.
ذكريات 2013، عندما يقدر أن قوات الأمن قد قتلت ما يصل إلى 185 شخصاً، بعد ان خرج الآلاف إلى الشوارع، إحتجاجاً على ارتفاع أسعار الوقود، جعلت تلك الذكريات من الاحتجاجات خياراً متاحاً الآن.
لكن الصحفي والمذيع “فيصل صالح” قال: “ان الناس بدأوا يشعرون، بأنه ليس لديهم ما يخسرونه، فهذه أسوأ أزمة اقتصادية واجهناها من قبل، اخشي اننا نواجه انهيارا كاملا في الاقتصاد، لقد وصل الناس إلى اقصي مستوي من الغضب، ويمكنك ان تتوقع اي شيء بعد ذلك، صدقاً، لا اعرف ماذا سيفعلون “.