واشنطن _ صوت الهامش
قالت وكالة “أسوشيتد برس” في تقرير مطول حول تاريخ السودان الطويل من الصراعات والاضطرابات تحت حكم البشير، بأن معطيات الأمور في الشارع السوداني، تشير إلى أن أحد أطول الدكتاتوريين في الشرق الأوسط، في طريقه للخروج من الحكم.
واستندت “أسوشيتد برس” في تنبأها إلى أن المظاهرات التي تشهدها شوارع السودان ضد الرئيس السوداني “عمر البشير” لا تظهر أي علامة على تراجعها، بيد أن أعداد متزايدة من حلفائه السابقين يطالبون الآن بمغادرته، ولم يتقدم حتى الآن أيضَا أي من أصدقائه في المنطقة لمساعدته.
وأضاف التقرير أنه إذا كان البشير، الذي جاء إلى السلطة في انقلاب عسكري عام 1989 ، يسعى إلى التشبث بالسلطة، فقد يعني ذلك المزيد من العنف والشلل الاقتصادي للسودان، ومرحلة جديدة في تاريخ مظلم من الصراع والدكتاتوريات العسكرية والاستقطاب السياسي.
ويري التقرير أن السودان كانت مسرحًا لحرب أهلية طويلة بين “الجنوب” الذي يغلب عليه الطابع المسيحي والشمال العربي “المسلم” حيث استضافت “أسامة بن لادن” في السنوات الأولى من حركته الجهادية التي أدت إلى إنشاء القاعدة، ما دفع الولايات المتحدة لإدراجها على قائمة الدول الداعمة للإرهاب.
وفي العقد الأول من القرن الماضي، كان معروفًا ما قاسته الانتفاضة الشعبية في منطقة “دارفور” بغرب السودان من قمع وحشي، عندما أشرفت الميليشيات الموالية للحكومة المعروفة باسم “الجنجويد” سيئة السمعة، على الأعمال الوحشية التي اتهم “البشير” نفسه من قبل المحكمة الجنائية الدولية بما ارتكبته تلك الميليشيات من جرائم وإبادة جماعية.
بعد أن حصل الجنوب على استقلاله في عام 2011 في استفتاء وافق عليه “البشير” في معاهدة سلام، خسر السودان ثلث أراضيه وخرج من دائرة الضوء العالمية، وخلال السنوات التي مرت منذ ذلك الحين، ازداد البؤس الاقتصادي.
واتخذ ذلك البؤس شكل الاحتجاجات عدة مرات، وفي كل مرة يخمده “البشير”، وهو ما يحاول أن يفعله في الاضطرابات الأخيرة، التي اندلعت في 19 ديسمبر، حيث اندلعت في البداية بسبب الارتفاع في أسعار الخبز والنقص الحاد في المواد الغذائية والنفط، إلى أن تم الابلاغ عن مقتل العشرات، واعتقل زعماء المعارضة، وفرض حكم الطوارئ، وحظر التجول في مدن متعددة، ودروس معلقة في المدارس والجامعات.
ولفت التقرير أنه من المرجح أن يُذكر على مدى 29 عاماً من حكم البشير على أنه الأكثر قمعاً في تاريخ السودان الحديث، حيث استند حكمه إلى تحالفه الإسلامي العسكري، وقدم نفسه كزعيم لموجة “الإسلام السياسي” في تسعينات القرن الماضي، بينما كان يبني علاقات مع الجهاديين العنيفين.
وباستخدام الأيدلوجية الإسلامية باعتبارها حاشدة للجمهور، أنشأ البشير ميليشيات موالية لحماية حكمه، وعمل على بناء آلية سياسية لرجال الأعمال والسياسيين الذين ليحتفظوا بالقوة، ويكونوا ثروة هائلة في الدولة الفقيرة.
وتقول الوكالة، أن فرض البشير المتجدد للشريعة الإسلامية، أدى إلى تنفير الكثيرين، تمزيق النسيج الاجتماعي لبلد له تركيبة دينية وعرقية غنية، حيث استخدم البشير الميليشيات الإسلامية المنبوذة عالمياً في “دارفور” ، إلا أنه حاول جزئيًا إنقاذ مكانته بتوقيع اتفاق سلام مع الجنوب.
ولكن مع حصوله على الاستقلال، أخذ “الجنوب” ثلاثة أرباع موارد النفط السودانية، تاركاً الشمال دون أي محرك اقتصادي، ومنذ ذلك الحين، ظلت أولويات البشير الرئيسية المحافظة على سلطته، بينما تتخبط البلاد في طرق الإصلاح الاقتصاد .
وأشار التقرير أن البشير تلاعب بالتحالفات الدولية المتغيرة، ولاعب القوى الإقليمية ضد بعضها البعض على أمل المساعدة المالية والاستثمار.
علاقاته مع مصر ، جارة السودان القوية في الشمال ، هي مثال على ذلك.
ونوه أن السودان وقف إلى جانب إثيوبيا في نزاع مع مصر بشأن بناء سد إثيوبي تعتبره القاهرة تهديدًا لحصتها من مياه نهر النيل، كما أثار البشير نزاعًا حدوديًا قديمًا مع مصر، لكن كان عليه أن يحاول بسرعة إصلاح العلاقات مع مصر بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية في السودان مع انخفاض قيمة عملتها في أكتوبر الماضي.
كما البشير قام بمداعبة كلًا من المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط والإمارات العربية المتحدة، حيث تلقى مساعدات واسعة بعد أن أرسل قوات إلى اليمن للقتال إلى جانب الاثنين ضد المتمردين الحوثيين الشيعة. لكن ثقتهم – ومصر – قد تقوضت بسبب محاولاته الرامية إلى اللعب مع منافسيهم، قطر وتركيا وإيران.
ما هي خيارات البشير؟
وقد أظهرت التحالفات الداخلية للبشير علامات الانهيار في وجه الاحتجاجات الأخيرة. حيث يجلس الجيش والشرطة على الحياد، وانضمت جماعات سياسية بينها اسلاميين كانوا متحالفين في السابق مع حزب المؤتمر الوطني الى دعوات الى الشارع للتنحي.
وقال التقرير أن هذه الانشقاقات تقوض استجابة البشير المتعثرة للأزمة، التي حاول تصويرها على أنها صراع ضد العلمانيين المدعومين بالمؤامرات الغربية التي تهدف إلى القضاء على “تجربة” السودان الإسلامية.
وقد استخدم في خطابه الأخير نزعة دينية، مخاطباً بها جمهور يكافح من أجل الحصول على لقمة العيش، فقدم أقوالاً من القرآن الكريم إلى مسؤولي الأمن في محاولة لتبرير قتل المتظاهرين.
وأكد أن من الممكن أن يكون لدى البشير خيارات للبقاء السياسي، لكن من المحتمل أن تكون على حساب تخفيض سلطاته، كما سيشكل لجنة تحقيق يمكن أن تحاول منحه غطاء من خلال مقاضاة بعض المتهمين باستخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين أو توجيه الاتهام لرجال الأعمال والسياسيين للتلاعب في السوق لتحقيق مكاسب شخصية .
ولفت أيضادإنه قد يحاول أيضًا استدراج المنافسين السياسيين إلى حكومة جديدة شاملة، أو يعلن أنه لن يخوض الانتخابات المقرر إجراؤها في عام 2020.
هذا ونوه التقرير في ختامه أن البشير قد يستمر في حفر قبره، ما سيجبر كلًا من الجيش والشرطة على اختيار دعمه أو الانقلاب ضده بصورة نهائية، مما قد يؤدي إلى اضطراب جديد.