بقلم: الجاك محمود أحمد الجاك
يدرك المراقب الحصيف لتطورات وتعقيدات المشهد السياسي في السودان مقروءة مع التفلتات الأمنية الخطيرة في دارفور وجبال النوبة/جنوب كردفان حيث يتم الإستهداف والقتل الممنهج بصورة يومية علي أساس عرقي وعنصري وبسلاح الدولة والفاعل هو قوات الدعم السريع ومليشيات الدفاع الشعبي ويتم القتل والسحل في وضح النهار وتحت مرأي ومسمع الحكومة الإنتقالية، يدرك المتابع والمحلل أن الأوضاع آخذة في التداعى وبإيقاع سريع وباتت مفتوحة علي كل الإحتمالات.
وعند قراءة بيان القوات المسلحة الذي صدر يوم أمس الجمعة الموافق 7 أغسطس 2020 علي خلفية أحداث خور الورل تتبادر الي ذهن المتابع عدة تساؤلات منطقية ومشروعة من قبيل:
١. هل حماية المرحال مهمة الجيش أم الشرطة؟
٢. لقد شهدنا قبل أسبوعين مقتل أكثر من سبعين مواطن من أبناء المساليت في مستري ولم تصدر القوات المسلحة وقتها بيانا يدين تلك المذبحة الفظيعة، فهل سكتت القوات المسلحة لأن الجناة والقتلة من المجموعات العربية وبالتالي لا يمكن إدانتهم، أم لأن الضحايا هم مجرد زرقة ترخص أرواحهم في نظر القوات المسلحة التي تشكل العمود الفقري لمؤسسة الجلابة؟
٣. ماذا يعني قيام القوات المسلحة وقوات الدعم السريع بإسناد مجموعة الحوازمة ودعمهم بعدد 45 عربة مقاتلة وإثنين دبابة لإختراق مناطق واقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية وفتح المرحال بالقوة؟
٤. ثم ماذا يعني إصدار القوات المسلحة بيان مساند للمجموعة العربية المعتدية بسلاح الدولة وبمساندة القوات المسلحة نفسها وقوات الدعم السريع، في الوقت الذي تسكت فيه عندما يتم الإعتداء علي إثنيات النوبة والفور والزغاوة والفلاتة والهوسا؟ أليست هذه هي العنصرية البغيضة في قمة تجلياتها؟
٥. لماذا تتقاعس القوات المسلحة دائما عن القيام بشرف الدفاع عن تراب الوطن كواجب وطني ودستوري مقدس وتترك مهمة تحرير وإسترداد أراضي سودانية عزيزة محتلة في حلايب والفشقة وشلاتين، في الوقت الذي تتنمر فيه علي الشعب السوداني وتقوم بمحاربة وقتل شعوب وقوميات سودانية محددة علي أساس عرقي وعنصري؟
٦. ماذا يعني خرق القوات المسلحة لوقف إطلاق النار المعلن من طرف الحكومة الإنتقالية علنا، وإصرارها علي دخول وعبور المناطق الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية بالقوة وفي هذا التوقيت بالتحديد؟
بيان القوات المسلحة لا يعني بالنسبة لي كمتابع غير إعترافها الواضح والعملي بخرق وقف إطلاق النار والتنصل منه في محاولة منها لإحتلال منطقة خور الورل مرة أخري كما فعلت عند بداية أولي جولات التفاوض مع الحركة الشعبية في أكتوبر من العام الماضي بهدف كسب أرضية جديدة تعزز من موقفها علي طاولة التفاوض، لكن هذه المرة تكرر القوات المسلحة السيناريو والخطوة ذاتها في إشارة الي نيتها في خوض الحرب توطئة لخلط الأوراق وفرض واقع جديد يمكنها من تقويض ثورة ديسمبر المجيدة والإطاحة بأهدافها ريثما يتسني لها قطع الطريق أمام التغيير وبلورة مشروع وطني حقيقي ينتشل البلاد من أزماتها ويحافظ علي وحدتها. لكن دعاة الحرب وأمراؤها وسدنة السودان القديم هم وحدهم من يعلمون سر الإصرار على تجريب المجرب رغم جرح الوطن الغائر.
شخصيا أقرأ التطورات الأخيرة وبيان القوات المسلحة الصادر بالأمس في سياق التنفيذ الحرفي لتعبئة وتحريض الإمام الصادق المهدي للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع وكافة الأجهزة الأمنية في خطبة عيد الأضحي المبارك، كما أعتبرها إمتداد وترجمة حقيقية وجادة لرسائل حميدتي ووعيده وتهديداته المبطنة حيث بدا واضحا أنه يلوح بالحرب عندما كان يخاطب قوات الدعم السريع في نفس التوقيت والمناسبة. ولعل تعيين الدكتور حامد بشير المحسوب علي حزب الأمة وأجندته ضد شعب جبال النوبة واليا علي جنوب كردفان قد بدأت تداعياته ولن تتوقف كما أشار بيان السكرتير العام للحركة الشعبية، فالوالي شخصيا هو من حرك الجيش وقوات الدعم السريع من كادقلي وهبيلا ووجهها بمساعدة الحوازمة في فتح المرحال بالقوة في إستهداف واضح للأونشو وإنتهاك حرمة الأراضي المحررة الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية والجيش الشعبي. وكان الإمام الصادق المهدي قد أعلن في خطبة عيد الأضحي عن قيادة حزبه لتحالف عريض لمناهضة من أسماهم بالتكتل العلمانوي في إشارة الي حدوث فرز سياسي في أعقاب الإعلان السياسي الذي وقعته الحركة الشعبية مع تجمع المهنيين السودانيين. واضح أن التحالف الذي تحدث عنه الإمام من شأنه قطع الطريق أمام حدوث سلام عادل ومستدام يحقن دماء السودانيين ويحقق تغيير جذري في السودان يفضي الي تحول ديمقراطي حقيقي والتداول السلمي للسلطة. فالإمام الصادق بمخازيه المعلومة هو سبب معظم مشاكل وبلاوي السودان، فهو من أسس لمشكلة دارفور مع صهره وحليفه الترابي منذ مؤتمر الفارولينا في ستينيات القرن الماضي والتي شكلت مخرجاته أساسا لما يسمي بالتجمع العربي في دارفور. كما لعب الإمام الدور الأكبر في تأجيج الحرب في جنوب السودان وإنفصاله فيما بعد بسبب مذبحة الضعين الشهيرة والشبيهة بال Holocaust عندما كان رئيسا للوزراء، بالإضافة إلي ورقته العنصرية والمستفزة المعنونة بخمس خطوات لأسلمة وتعريب جنوب السودان (راجع كتاب الإمام مستقبل الإسلام في السودان). والصادق المهدي هو من قام بتسليح القبائل العربية في جبال النوبة عبر وزير دفاعه اللواء فضل الله برمة ناصر وهذا بإعتراف موثق من وزير مالية حكومته الدكتور عمر نور الدائم. وكعهده يسعي دوما الي إعادة إنتاج الأزمة وإرجاع عقارب الساعة الي الوراء، فما زالت تحفظ الذاكرة تواطؤه ووقوفه خلف الإنقلابات العسكرية كما حدث عندما تواطأ في تسليم السلطة للجبهة الإسلامية القومية بهدف قطع الطريق أمام إتفاق الميرغني – قرنق والمؤتمر الدستوري. وقد فعلها الإمام من قبل مع حكومة سر الختم الخليفة وها هو التاريخ يعيد نفسه، فما أشبه الليلة بالبارحة.