كنا نتابع بدقة المفاوضات التي كانت تجري بين الحكومة السودانية متمثلة في وفدها السيد امين حسن عمر كطرف اول وحركة تحرير والعدالة كطرف ثاني في عاصمة القطرية الدوحة ونتج جراء تلك الجولات اتفاقية سمية بوثيقة الدوحة لسلام دارفور ؛ وبموجب تلك الاتفاقية عاد السيد تجاني السيسي ليكون رئيس السلطة الانتقالية لإقليم دارفور بينما تقلد ابوقردة منصب وزير الصحة ؛ إلا أنهما قد تفرقا وكانت تأكيد التفريق من داخل فندق روتانا عندما قاموا اتباعهما بالعراك ؛ ومن أبرز مشكلات وثيقة الدوحة ما بعد توقيعها حتى يوم تحرير شهادة وفاتها هي فشل ممن توالوا على توقيع الاتفاقيات على تقديم حلول كلية بدلا من تجزئة القضايا وتركيز في مصالحهم الشخصية دون النظر إلى مصلحة المواطن الذي يعاني من ويلات الحروب البربرية والدليل على ذلك أن هذه الاتفاقية لم تناقش مطلقا حقوق المتضررين فيما يتعلق بالأمن والصحة والتعليم وكيفية العودة إلى قراهم كما لم تناقش كيفية التعامل مع المستوطنين الجدد وأيضا مسألة السلاح المنتشر في أيدي المليشيات القبلية في غاية الاهمية باعتبارها ضمن مسببات الحرب كان لازم النقاش حولها ؛ وهذا يعني أن موقعي الدوحة كان يهمهم لحظة التفاوض مصالحهم الشخصية النفعية البحتة سيما الضمانات التى تضمن لهم العودة إلى الخرطوم سالمين فضلا عن مناصب يخلق لهم وجاهات متناسين أن الطرف الذي وقع معهم هذه الوثيقة متناقض العهود وان التاريخ شاهد على ذلك ؛ وهذا يجعل الكل يشكك في تاريخ كلا الرجلين السيسي وابوقردة وكما الكل يسأل سؤال واحد وهو ماذا حققت اتفاقية الدوحة في الأرض الواقع وماذا عادت من النفع لملايين النازحين واللاجئين ؟
رغم أنني لم اتفاجاة في كل ما حدث من هجمات واعتداءات على معسكرات النازحين في ظل وجود هذه الوثيقة وأمام أعين موقعي هذه الوثيقة باعتبار فعل حتمي وطبيعي لواقع السودان المأزوم منذ الاستقلال إلى يومنا هذا . عليه يمكن القول إن أي مساهمة نحو إيجاد حل سياسي جزئي ستكون لها نفس النتيجة لأن الحل واضح لقضايا السودان سيما دارفور وهي تتمحور حول قضايا الهوية ؛ اي الاعتراف بالنوع الثقافي والعرقي وبحقائق التاريخ القديم والحديث ؛ والأرض كمصدر للثروة الاقتصادية وسبل كسب العيش للشعوب المحلية ؛ والسلطة خاصة فيما يتعلق باتفاق الكل حول أسس وقواعد دستورية لكيفية حكم البلاد وتداول السلطة سلميا وبشكل مستدام ؛ وبالرغم من فشل هذه الوثيقة فشلا ذريعا وبالرغم من أن الحبر الذي كتب به لم يجف بعد فقد سمعنا أصواتا قطرية تناشد كل القوة المسلحة الثورية للانضمام إلى هذه الوثيقة وقد تلبى السيد ابوالقاسم الإمام وبموجبها عاد إلى الخرطوم متناسيا ان هذه الوثيقة أصبحت اسطوانة مشروخة وان موقعيها قد تم تفكيكهم لصالح المركز وان المركز كعادتها تستخدم أبناء الهامش لتحقيق أجندتها ثم تضرب بهم أرض الحائض وهذه في تقديري ذكاء فائق تتمتع بها المركز رغم السيد تجاني السيسي رجل معروف صاحب كفاءات ويحمل شهادات مقدرة وعمل في مؤسسات دولية إلا أنه اما غير مؤهل سياسيا أو أنه لم يجيد قواعد اللعبة السياسية أو كان قاصدا تحقيق نتيجة كهذه ؛ لأنني يمكن ان التمس العذر على موقعي اتفاقية ابوجا لضعف في خبراتهم وقدراتهم المعرفية مقارنة مع وفد الحكومة انذآك المرحوم مجذوب خليفة مع له من خبرة وإيجاد قواعد اللعبة ؛ اما السيد ابوالقاسم فهو معلوم معلوم تاريخيا إذ أنه كان أحد موقعي اتفاقية طرابلس وكان بموجبها أصبح واليا لولاية غرب دارفور حاضرة جنينة وعندما أقيل من منصبه عاد منضما مرة أخرى إلى الثورة المسلحة وهذا ما يؤكد أنه يسعي من أجل إيجاد نفسه في موقع اتخاذ قرار دون النظر إلى وضع حد لمعاناة الشعب المنكوب ؛ وها اليوم عاد مرة أخرى ولا ندري اي منصب سيتولى في هذه المرة ؛ ولكن الذي ندري هو أنه لم يقم بالزيارة إلى أهله في معسكرات النزوح ! ولا يعلم مصير هؤلاء الملايين من العزل ؛ ولا يهمه أمره شأنه شأن الحكومة القطرية التى تسعى من أجل خلق زعامة وهمية وإجراء تجارب وهمية في قضية فيها ملايين الشهداء وعشرات الملايين من المنكوبين فكيف لنا أن نقبل أن يكون اهلنا حقل للتجارب ؟ ألم يكن من العار ؟ دولة قطر كدولة هل مؤهلة لتكون وسيط في حل قضية ما ؟ هل معايير الديمقراطية مستوفية في دولة قطر ؟ ألم تكن قطر دولة ملكية بها ملوك يحكمون الشعب بطريقة وراثية ؟ لماذا الملك في بريطانيا لم يكن كالملك في قطر ؟ وهي كدولة لم نر بها أحزاب للمعارضة ولم نسمع بانتخابات قطرية إنما كل ما نسمع عن قطر هو أنها تقمع الشيعة ! لذا نؤكد أن السلام مطلب شعبي وان الرافضين على التفاوض في تقديري أكثر حبا للسلام ولكن السلام المطلوب هو إحساس الناس بالأمن والطمأنينة وإحساسهم بأنهم مواطنين مثل بقية الشعب وان الوطن وطنهم أما السلام الذي يحقق مكاسب شخصية مرفوض تماما.واخيرا وأطري امتناني لكل من يرفض الحلول الجزئية كما اطرى النازحين بالغ الثناء عليهم ؛ رغم أنهم وجدو عدم قبول ومحاربة من الخصوم ؛ تبقى أكثر الأساليب تحضرا في المجادلة السياسية ؛ في هذا البلد الذي أصبح فيه الحوار والفكر متراجعا ؛ بينما وبكل اسف تتقدم البندقية في فضاءات المعارك السياسية بفعل الفاعل ؛ رغم أننا نخسرها كسودانيين جميعا ‘ واحدة تلو الآخرى ؛ لذا عندما يأتي السلام العادل المرتجى حينها يكون الكل رابحا ..
تحياتي لكم جميعا
عبدالحميد (باقا )