بقلم : محمود الحاج يوسف
Yousif_474@yahoo.com
بعد ان كتبت مقال بعنوان “ما بين تلفون كوكو والبعثي صديق تاور!” [١] كتب تلفون كوكو راجيا من : “أبناء النوبة الشرفاء الأحرار لكي يهبوا لصد مثل هؤلاء المتحشرين الذين يتحشرون في شؤوننا الخاصة”
اولا، اود ان اعبر عن فخري بعلاقاتي مع النوبة، وأؤكد بانني امتداد لهم وهم امتداد لي، إنها ليست فقط للقضية المشتركة التي جمعتنا والتي لم تكن لمصلحة ذاتية وإنما للكرامة الإنسانية ومستقبل الاجيال المقبلة ، بالإضافة الي اللأصول والروابط المشتركة التي تجمعنا ، وهذه العلاقة صقلتها سنوات النضال المشتركة.
في بدايات ابحاثي في الفيزياء النظري عام ١٩٩٧، سألت يوسف كوة في تشانجارو بجبال النوبة، عن رأيه في المجهود الذي اقوم به في البحث العلمي وانه حتي ولو كانت نسبة الامل في نجاحه يمثل واحد في المائة فقط، الا يستحق ذلك مني التضحية بالنظر لوضعنا في المنظومة العالمية؟ امن عليه ففهم ما نويت عليه علي المدي البعيد، فخلق ذلك علاقة خاصة بيننا.
إن متانة هذه العلاقة هي التي عملت علي موافقتي دون تردد عندما اتصل بي دكتور احمد عبدالرحمن سعيد في نوفمبر ٢٠٠٢، وابلغنيى بان القائد عبدالعزيز آدم الحلو يطلب مني الذهاب وتشغيل اذاعة الحركة الشعبية في الجبال اثناء المؤتمر العام للنوبة في ديسمبر ٢٠٠٢، تركت عملي الجديد في كمبالا الذي كان يدر لي الف دولار شهريا وذهبت الي جبال النوبة وشغلت الاذاعة لعشرة ايام، ومن ثم الي الكرمك لحضور مؤتمرهم، فقدت الوظيفة، ولم اتأسف لذلك، لأن العلاقة التي تجمعنا لا تقاس بالمادة، وعندما اراد يوسف كوة قضاء الشهور الاربعة الاخيرة من حياته في جنوب مريدي طلب مني الذهاب معه في نوفمبر عام ٢٠٠٠، إشتد به المرض قبل وصوله الي مريدي فرجعت من ياي حيث مكثنا معا في كمبالا لفترة تزيد عن الشهر قبل ذهابه الي لندن ورحيله الي الآخرة، رحمة الله عليه ومغفرته، فهذه فقط خلفية عن هذه العلاقة، وهنالك الكثير.
لذا فعندما اكتب عن صديق تاور البعثي فأنا أقرب لشعب النوبة منه، لما جمعتنا اخوة النضال والتجارب المشتركة من اواصر صداقة واخوة من اجل الإنعتاق والكرامة الإنسانية بصورة عامة والشعب السوداني خاصة، وكرامة النوبة علي وجه الخصوص . يختلف الناس في الاحساس بدرجة الإهانة، لكن انا متأكد ان النوبة الذين اعرفهم، هم امتداد لكرامتي، يحسون بما احسست به من إهانة ، عندما عين صديق تاور في مجلس السيادة، والاغرب ان الصادق المهدي رفض ذلك الاختيار لما سيسببه من إهانة للنوبة، لكن لماذا كان اصرار العروبيين الذين سرقوا الثورة علي ذلك الإختيار؟
كشف رئيس حزب البعث العربي يحي الحسين في مقابلة مع مركز الخرطوم [٢] عن لقاء مدير جهاز الامن السابق صلاح قوش مع رئيس حزب الامة القومي الصادق المهدي والقيادي في حزب البعث محمد وداعة يوم ١٠ ابريل، وفي التحضير لذلك مع القيادي حدد قوش شخصيات من نداء السودان وقوي الاجماع ممن يريد مقابلتهم، فهل نحتاج الي إجتهادات لمعرفة لماذا رفضوا إشراك عناصر افريقية في إجتماعاتهم؟ وطبعا كلنا نعرف مدي عنصرية صلاح قوش، وأكيد يكون وجههم عن الخطوط العريضة لما يجب ان يكون.
كانت هنالك خطة لإحلال قيادات بديلة لعبدالعزيز وذلك بالزعم بمحاربة شخصية عبدالعزيز آدم الحلو لانه ليس نوباوي، وسيتم التعامل مع بعض من قيادات النوبة، وعن طريقهم بالاضافة الي صديق تاور سيتم محاربة الحركة الشعبية وتدمير كل المكتسبات التي تم إنجازها خلال الستة وثلاثون عاما الماضية، وبذلك يضربون عصفورين بحجر، والانكي والامر ضرب المكتسبات التي تم بدماء الشهداء ودموع الارامل والايتام، فكيف نحترم امثال هؤلاء ومن يتعاونون معهم؟
عندما عملنا بجامعة الفاتح بطرابلس بليبيا عام ١٩٧٨، عرفني دكتور حيدر ابراهيم مدير مركز الدراسات السودانية بطالب كان قد درسه في الشعبية ببحري اخبرني انهم قد خيروا بين الانضمام لحزب البعث العربي ومواصلة دراستهم الجامعية في العراق او الطرد فإختاروا ترك العراق، فذهبوا الي المغرب، لكن السفير السودان هنالك وقتها كتب للسلطات انهم معارضين للنظام الحاكم في الخرطوم، فطردوا، لقد ضحي بالكثير في سبيل العلم ولكنه احتفظ بإرادته وكرامته، فماذا نريد للنوبة وعامة الشعب السوداني غير الكرامة الإنسانية؟
كانت الثورة السودانية علي درجة عالية من السمو والقيم، كادت ان تخلق تغيير جذريا في مفاهيم والقيم الموروثة في المجتمع النيلي الشمالي، اندهشت عندما شاهدت شباب أصحاء لا توجد في نفوسهم أثر من عنصرية بغضاء جثمت علي صدور أباءهم وأجدادهم منذ مطلع القرن الواحد والعشرين، كانت صدمتنا إيجابية فزحفت الوفود قادمة من غرب السودان محملين بكل ما لديهم من زاد لتعضيد ومؤازرة هؤلاء الشباب الذين كادوا ان يخلقوا المعجزة التي عملت السياسات العنصرية السابقة في توطيدها، لهذا كانت صدمة الآباء ممن كانوا يريدون المحافظة علي الوضع الراهن كبيرة، فكانت مجذرة القيادة في الثالث من يونيو، وسيسجل كيوم عار في جبين مؤسسة الجلابة السودانية. رغم كل السلبيات التي نتجت عن سرقة الثورة من قبل العروبيين، فلقد تحولت الثورة الي أيقونة لشباب العالم، إستمدوا منها العزيمة والمثابرة والإيمان المطلق بالنجاح مهما طال الزمن، الآن نشاهد المظاهرات في العراق ولبنان وتشيلي وهونج كونج واسبانيا، وكلها إستلهاما لما تم في السودان.