د.بخيت أوبي
اكثر ما يخيف الساسة هو مواجهة الخوف وسهولة التعايش معه وتسرب ذلك الجزء الخفي من بين نصوص الخطاب السياسي وثنايا الاتفاقات وبصورة ادق الصفقات السياسية، هى نقطة تتكور شيئا فشيئا حتى تصبح اكثر تشابكا وتداخلا وتعقيدا في المشهد الداخلي والخارجي، فتضحى صخرة عتيدة يصعب التعامل معها في كل جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ككتلة واحدة مترابطة لاتقبل التجزئى والتعديل في وتر المثلث دون تغيير الضلعين الاخرين، وما يشهده المراقبون اليوم من ارتدادات وخيبات تعكر صفو الامال التى رسمتها الثورة السودانية، هى الفشل في قياس زوايا واركان وارتفاع وطول وعرض حلبة المصارعة، وقصر النظر الذي صاحب الاتفاقات المتعجلة وفورة العاطفة وارث الجودية ما لبثت حتى اصطدمت بزمرة وعصبة من خيبات الامل وتمدد المشكلات كأنها لعنة تطارد الساسة لعنه المسكوت عنه في الادب السياسي السوداني وتصورات وعقليات لم تتمرن وتستفيد من الامتحانات المكشوفة على مدار حوالى سبعة عقود من التجارب الفاشلة، صناعة دولة بلا اسنان او نصف دولة مشلولة هى اس الداء ومكمنه، كيف يمكن تصور الاصلاح بنصف المحرك الذي لايقوي على السير حتى يتوقف مرات عدة في نصف الطريق ناهيك عن الطرق الوعرة وعثرات الطريق، المسكوت عنه هو اساس البناء وحجر الزاوية للبناء الذي يقوي على تحمل تقلبات المناخ ونهزات الاعداء وخلاف الاصدقاء والفاعلين في الساحة المحلية والاقليمية والدولية، تنطلق الهجمات من نقاط الضعف والعثرات كيما يصبح التدمير سهلا ميسورا بحيث يمكن تغيير خارطة الاصدقاء والاعداء بيسر لا يحتاج الى كثير اجتهاد ودراسات وتحليل، بالقاء نظرة فاحصة على ما مضى من ايام واستشراف ما سيأتي لاحقا من ردات فعل غير متوقعة التى يمكنها ان توقف قاطرة المسير، يمكن القاء الضوء في بعض الجوانب الغائبة وتكبير الصورة عبر الميكروسكوب لالقاء نظرة فاحصة داخلية تختلف عن النظرة الظاهرية التي تتمثل في الشعارات المرفوعة وحجيتها وشرعيتها المكتسبة عبر الثورة، من تلك الاجزاء الدقيقة هي مسألة الدولة العميقة وتحكمها في مفاصل الدولة والولايات وحياة المواطنين ابتداءا من المؤسسات العامة وانتهاء الى مدخلات كل البيوت السودانية من ناحية المعيشة من خلال احتكار الانتاج عبر الشركات ومنافذ التسويق والاسعار، واحتكار السوق بصفة عامة، والاختلالات التاريخية لاقتصاد الاحتكار في السودان، والاقطاعيات الاقتصادية لاصحاب الامتيازات واقتصاد التمييز والنفوذ والسيطرة، بحيث انها امتدت الى كافة المؤسسات الاقتصادية كالبنوك وشركات القطاع العام والخاص والتى استفادت من الخصخصة لتسريع فردنة واقربة واسررة وقبلنة الاقتصاد، وما ينظر فيه الساسة ما هي الا اوهام لا تقوي على معالجة المشكل الاقتصادي، في ظل التدهور الاقتصادي المتلاحق والمتطاول، وما يجب العمل فيه هو عقلنة الاقتصاد والمساواة في الفرص، واطلاق كبوة المناطق المعطلة الطاقات( المناطق المهمشة) وارجاع اصول الدولة المنهوبة تحت ذريعة سياسة الخصخصة وارجاع الاموال المنهوبة بسرعة بدلا عن استجداء الخارج للمساعدات الاقتصادية اقتصاد الاستهلاك، فالسكوت عن محاسبة الذين نهبوا موارد البلاد من العوامل المعيقة لتجاوب العالم الخارجي مع السودان.والمسألة الثانية من المسكوت عنه هيكلة المؤسسات القائمة وتعني الهيكلة هنا اعادة فك وتركيب المؤسسات واتاحة الفرصة لكل السودانيين في المشاركة في اعادة بناء اجهزة الدولة بمساواة تامة في الفرص مع وضع الاعتبار للتنوع الذي يذخر به السودان، حتي تصبح هذه المؤسسات تعبر عن السودان كدولة وليست كمؤسسات تراتبية اسرية وقبلية ومناطقية بحته مستخدمة فيها الاوراق الاثنية.المسألة الثالثة عقدة السكوت عن الظلم والتعايش معه، وتقديم مصلحة الاشخاص والاقارب على مصلحة الوطن، والمصالح الظرفية والمناطقية على مصالح المتضررين من السياسات وما لحقهم ايادي البطش غير المبرر من تقتيل وتهجير وظلم ممنهج وهيكلي، فالخوف من تقديمهم الى العدالة الدولية ما يعيق ايضا الانطلاق في وضع اسس البناء وكذلك عدم الشجاعة والسكوت عن مواساة وزيارة المكلومين يعقد المشهد وينظر العالم من زاوية ان الدولة لاتحترم رعاياها غير جديرة بالمساعدة وان ابدوا المجاملات في بعض المحافل واللقاءات الدولية.المسألة الرابعة في المسكوت عنه مسأئل الارهاب الدولي والتعاون في محاربته ورسم سياسة واضحة ازاء قضايا الارهاب سواء كان داخليا ام خارجيا فاستخدام العنف الغير المشرعن واستخدام القوة المادية لاخضاع الاخرين من هيمنه فكرية وثقافية وفكرية وسياسات الاستيعاب والدمج في ثقافة المسيطر من الارهاب وعدم مراعة حقوق الانسان ارهاب والتعاون مع الجماعاتوالانظمة المتطرفة ارهاب فمسألة ضبابية الموقف من الارهاب صخرة اخري في طريق تطبيع العلاقات.
المسألة الخامسة والاخيرة عقلية الدولة الخفية في الدولة الجديدة واستخدام واستعارة سياساتها وخطابتها ومصطلحاتها وطريقتها في الاعلام ومخاطبة القضايا التى تمسه واعلام الونسة والتضخيم وانفصامها عن الواقع، وعدم تمدد دولة الحرية والتغيير خارج مثلث الخرطوم، واعطاء الاولوية للعاصمة وتجاهل الولايات والقري والفرقان. توحى كأنما تستمد الحرية و التغيير انفاسها من تلك الدولة سرعان ما تصطدم باصدقائها اولا وقواعدها ثانيا والمواطنين ثالثا فتزف ارهاصات ثورة لتصحيح الثورة وتقويم مسارها.
ملاحظات وتأملات:
دولتين في دولة واحدة دولة هجين لم يحدث في السوابق السياسية، تجربة جديدة يتعامل معه العالم بحذر وترقب وتشكك.
خذ الموارد و ركز على الاقتصاد لا يقوي الدولة على البقاء، من المتحكم في الاقتصاد السوداني ومن يخلق الازمات ويجددها باستمرار، هل ستفلت الاسماك الكبيرة من الشراك اذا تم مضايقتها باستراتيجيات الهروب الامن، ام هربت فعلا؟
هل الاستمداد والمدد الاقتصادي والدعم السياسي يأتى عبر طريق واحد مشي فيه النظام السابق ولابد ان يتبع الحكومة الانتقالية خطواته ان اراد النجاة والاستمرار ام يوجد طريق آخر يخاف الوارثون اتباعه؟
اما زالت حكومة الثورة تؤمن بالكتل الاثنية وتخضع لاصحاب الامتيازات وكهنة المال وارباب الاقتصاد الاحتكاري، وسياسة المحاور الاقليمية؟
هل الاجابات كافية لرفع السودان من قائمة الارهاب والعقوبات الاقتصادية ام يحتاج الامر الى تنظيف البيت من الداخل ومصالحةالفرقاء وانصاف المظلومين وتحقيقالسلام ومن ثم التحدث بثقة مع الخارج،و اكتساب الاهلية لرفع العقوبات، ام يجرب الحكام الجدد المجرب وينتهون الى مآل النظام البائد؟