عثمان نواى
ان العودة الى الشوارع رغم القمع والتنكيل، و التظاهر ليلا وبدون انترنت وبدون إضاءة وبدون كاميرات موجهة، إنما هو الاستعراض الحقيقي لمصداقية جيل التغيير فى السودان ووفاءه لاخوته من الشهداء. والأهم إيمانه بالحلم وأنه قادر على تحقيقه مهما عظمت التضحيات. ومهما طال الزمن وظهرت كل الوان الخيانة وسقطت عن الوجوه الأقنعة. فإن معركة الثوار مع بعض ممن يدعون الانتماء الى معسكر الثورة نفسه ربما لا تقل أهمية عن معركتهم ضد اعداء الثورة. ان الموجة الثانية من الثورة التى يتم الاستعداد لها الآن هى مرحلة من مراحل التغيير الجذرى الذى أضحى جليا انه هدف الشباب السوداني الثائر. فهذا الشباب الواعى تماما بأزمة الوطن لا يبتغى تغيير الوجوه ولا تغيير النظام الحاكم، بل يبتغى إقتلاع كامل لكل السلطات التقليدية التى افشلت مشروع الدولة السودانية منذ الاستقلال.
فحتى ١١ أبريل تمت إزاحة جزئية للكيزان من السلطة، ولكن تم ذلك فقط ليتم الكشف عن المنظومة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى كان يستند عليها الكيزان. فالكيزان لم يحكموا ٣٠ عاما لوحدهم، بل كانت لهم تحالفات مع قوى اجتماعية، اقتصادية ودينية وعسكرية لها المصلحة فى بقاء نظام الكيزان. بعد سقوط البشير برزت هذه القوى الى السطح فى محاولة لإنقاذ نفسها من السقوط مع النظام الذى كانت تشكل دعامة وهيكل مساندة له. فقد برز العسكر بكل أشكالهم من جيش وجنجويد وامن شعبى ، والقيادات القبلية والتنظيمات الدينية والسلفية وكذلك القوى الطائفية إضافة الى القوى السياسية المهتزة والانتهازيين الطفيلين افرادا كانوا و جماعات مختلفة. لذلك فإن الموجة الثانية من الثورة ليست فقط ضد المجلس العسكرى او حميدتى ، بل هى ثورة من أجل إقتلاع تحالفات تلك القوى الاجتماعية والاقتصادية التى تشكل الهيكلة المعادية لمشروع الدولة المدنية الديمقراطية فى السودان.
ان اصطفاف الشباب والنساء والريف والقوى المهمشة و حركات المقاومة الشعبية المسلحة وغير المسلحة خلف هدف متفق عليه وهو بناء دولة مدنية فى السودان هو فى الحقيقة اصطفاف غير مسبوق واتفاق سودانى شعبى على كيفية حكم السودان لم يحدث له مثيل من قبل فى تاريخ السودان الحديث. والأهم هو ان الشعب السودانى فى مطالبته بالحكم المدنى يكون قد انتقل فعليا من المطالبة باقتلاع نظام الى عملية التاسيس الفعلى لنظام جديد يتم الان النضال من أجل بناءه. ولذلك فان الطاقة الايجابية التى تحملها الارادة الشعبية الشبابية الصادقة فى بناء دولة المواطنة والحقوق فى اطار شعار الدولة المدنية هو الضامن الاساسي لاستمرار الحراك الشعبى والتغيير الجذرى فى السودان. حيث ان إزاحة المجلس العسكرى وكل القوى القمعية للسودان القديم المتحالفة معه لن تكون سهلة. لكن ما اثبتته التحديات الى الان انه ورغم المخاطر الكبيرة المحدقة بالبلاد والتحالفات الإقليمية المناهضة للثورة السودانية، و عصابات المال والارتزاق المسيطرة على الدولة ،الا ان الارادة القوية للتغيير على مستوى الشارع السودانى تعمل بجد لكى تهزم وبوعى كبير كل تلك المخططات وسيناريوهات الدمار. ورغم قزمية القيادات السياسية فى مقابل عظمة ارادة الشعب السوداني فى التغيير الجذرى ،الا ان الواقع الشعبى الثورى الذى يصنع واقع جديد بحراكه العفوى كل يوم، قد فرض نفسه على الجميع و أصبح عمليا هو القائد الان. لا شك ان الأخطار لا زالت محدقة بسبب اهتزازات القيادات السياسية بكل تفاصيلها المرتبكة. لكن هناك أيضا امل كبير معلق على ارادة شعب فى التغيير الجذرى. وقد تكون هناك ثورة 3.0 ولكن إذا بقى الوعى متقدا فإن كل اعداء قيام دولة المواطنة فى السودان سيتساقطون فى وجه ارادة شباب السودان وشعبه.
[email protected]