بقلم : د. محمود يوسف
بين عامي 1918 و 1924 ، كانت هناك مجموعتان تتنافسان على تمثيل الشعب السوداني في التفاوض مع البريطانيين، وهما جمعية اللواء الأبيض بقيادة الأفريقي علي عبداللطيف وتحالف من الزعماء الطائفيين / دينيين / تقليديين بقيادة علي الميرغني، وعبدالرحمن المهدي، والشريف يوسف الهندي، الذين أخذتهم البريطانيون إلى لندن في عام 1919 لتهنئة الملك جورج الخامس إمبراطور بريطانيا العظمي على النصر في الحرب العالمية الأولى [3] ، وفي لقائه مع ابن القائد القومي السوداني الأول المهدي، أعطى عبدالرحمن المهدي سيف والده للملك جورج الخامس، الذي قبله منه، لكنه أعاده إليه سريعًا قائلا، “لتواصل الدفاعع عن السودان والإمبراطورية وإلى الأبد! ” [7]، يتسآئل البعض عند الحديث عن المفهوم الوطني، ماذا سيفعل المهدي الكبير لإبنه إذا عاد للحياة، ذلك هو المعيار الدقيق لتقييم وطنية عبدالرحمن المهدي بنظرة والده، وليست بنظرتنا. عند عودتهم للسودان، تركزت المناقشات بين المجموعتين بين تعريف الهوية وتحديد مصير البلد، بين بناء الهوية السودانية والمواطنة بما يتناقض مع اعتناق الهوية العربية وتصبح جزءًا من العالم العربي الكبير بهوية زائفة.
ضمن تلك المواجهات الداخلية التي اتخذت أبعادا كثيرة، وقعت أحداث خارجية عديدة، والتي شكلت مصيرها، أولهما تلك الثورة المصرية في عام 1919 ، ثم قتل الحاكم العام للسودان وقائد الجيش المصري، السير لي ستاك في القاهرة في 19 نوفمبر 1924 ، على الفور أمر البريطانيون الجيش المصري بالخروج من السودان، لكن رفضت كتيبة سودانية بقيادة عبدالفاضل محمد الماظ (والده من نوير في جنوب السودان، الذي ترأس القوة السودانية في المكسيك في عام 1865 وترقي إلى رتبة العميد) ذلك وتمرد ورفضوا هذا الأمر بالتعاون مع القوة المصرية في الخرطوم بحري، التي خذلتهم لاحقًا، فقاتلوا حتى إستشهد الماظ [7 ، 8]، أما البريطانيين ولأسباب غير معروفة، وعلى الرغم من أنني أعتقد أنها مكافأة للقادة السودانيين العرب [9] ، فقد اتهموا جمعية اللواء الأبيض بقيادة علي عبداللطيف بالوقوف وراء ذلك التمرد وألقي القبض على جميع قادة الجمعية ، ثم حلوا الجيش الذي كان يهيمن عليه الضباط الأفارقة الذين كان قد تم اقتلاعهم من قبائلهم وتعلموا وتطورا في مدن مختلفة من الخرطوم والقاهرة واسطنبول وباريس ومدينة المكسيك، لأكثر من أربعة أجيال [6 ، 7 ، 8] ، يعتقد البريطانيون أنهم يشكلون تهديد لحكمهم ، لذا تم حلها ورفض السماح لهم بالعودة إلى قاعدتهم القبلية وتركهم في مدن مختلفة في السودان بدون وظائف [6] ، والتفسير الوحيد لذلك هو العقاب الجماعي من قبل البريطانيين، وحتى الجنود السودانيين في كينيا (ألنوبيين) لم يُسمح لهم بالعودة إلى السودان بسبب ذلك التمرد ، وتم تشكيل قوة دفاع السودان قائم علي التشكيلة القبلية ، روعي فيه أن يشكل 80% من ضباطه من الشمال النيلي ، لفقد الانجليز الثقة في العنصر الافريقي السوداني لحادثة البطل الماظ والمعركة التي نتجت بين قائد البعثة الاستكشافية التي كانت من المفترض الذهاب الي فشودة لمعرفة ما يقوم به مارشان الفرنسي عام 1896، حدثت المعركة في قرية لوبي قرب مدينة جنجا اليوغندية ومع السودانيين من جنود أمين باشا [10].
حتى عام 1924 كان الكثير من الأفارقة السودانيين في المدارس، حتى أن بعضهم تخرج كأطباء في عشرينيات القرن العشرين، ولكن وبعد أن أفتقدوا للموارد، تدهورت حياتهم، لم يتمكنوا من إرسال أطفالهم إلى المدرسة، وانخفضت مشاركاتهم في المجتمع، رغم أنهم حاولوا تنظيم أنفسهم في عام 1947 و 1953. لكن قوبلوا بسياسات قوية من الأحزاب السياسية الشمالية، بينما كانوا يفتقرون إلى الموارد اللازمة لمواجهة ذلك .