اما وقد استكملت تشكيلات الهيكل الوزراي يكون تمام الانتقال من مرحلة المغالطات المستهلكة للزمن، الى حقيقة وجود حكومة يمكن للناس ان يسألوها ويحاسبوها، وهذا بحد ذاته تقدم وتحرك من محطة الجدال البيزنطي الى مواجهة الشارع المنتظر نتاج ثمار زرع ثورته، والملاحظ في تركيبة مجلس الوزراء هذه انها قبلت بالمحاصصة السياسية نهاراً جهاراً دون مراعاة للحديث المسجّل والموثق لقيادات نفس الاحزاب في ساحة الاعتصام، والعهود المنقوضة من قبل هذه النخبة وتلك الصفوة الحزبية النائلة لنصيبها من الاستوزار، برمي كل تعهداتها الرافضة للمشاركة في كابينة الانتقال بعد انقضاء اجل الاستحقاق الدستوري، وكثيرون ممن عاهدوا شعبهم بعدم الدخول في مؤسستي الانتقال التنفيذية والسيادية رأيناهم يوم امس يتقلدون الحقائب، متناسين الوعد الذي قطعوه بترك عجلة القيادة لايدي الكفاءات غير الحزبية والتكنوقراط، معيدين للناخب الايام الخوالي للديمقراطيات الهشّة التي فرّطت في هيبة الدولة وساهمت في ترهل فترات الحكم المدني ذي النفس القصير، ومهّدت الطريق امام جنرالات الجيش كي يسطوا على سلطة الشعب.
الشارع السوداني اصيب باحباط كبير قبيل وبعيد اعلان حكومته الجديدة، وذلك لأمر بائن هو بروز صراع اليسار واليمين مرة اخرى بين شركاء الانتقال، وبصورة ادق ظهر الشقاق الأزلي بين الاسلاميين والشيوعيين حول الوزارة المعنية بالمال، وبان بصورة اوضح في الضربة الاستباقية التي وجهها رئيس الوزراء لوزير المالية الجديد بانشاء الشركة القابضة، وتلا ذلك التصريحات غير الموفقة لوزير المال الجديد امام حضور جمع غفير من اتباع حركته الناشدة لتحقيق العدالة، فتحدث عن مشروعه السياسي من منبر الوزراة التنفيذية التي يمكلها الشعب السوداني، والتي لا يجب ان تكون ميدان للحشد السياسي كما كان يفعل البائدون، فحديث وزير المالية عن طموحه السياسي المشروع يجب ان يكون من منبر دار حزبه، ومن (تجليطات) الوزير الجديد ايضاً القول بأن قبولهم بوزارة المال يهدف الى ضمان الوفاء بمستحقات السلام المادية، مهملاً للواجب الوطني الكبير والدور القومي لهذا المنصب المنوط به حل المعضلة المعيشية التي قهرت جميع المواطنين السودانيين، هذه مؤشرات لما يحدث من تشاكس متوقع بين مكونات الانتقال، وهو بالضرورة تشاكس يميني يساري يعيد الناس الى التاريخ المأزوم لحكومات ائتلاف الضدين وتحالف النقيضين وشراكة الذئب والحمل.
الفوضى المنتشرة في الولايات وعمليات نهب الاسواق وحرقها اتى متزامناً مع ميلاد السلطة التنفيذية الانتقالية الجديدة، واشارت الاصابع باتجاه رموز النظام البائد واتهامهم بتاجيج نار الفتنة بين القبائل، ما ادى الى اعتقال قيادات تابعة لحزب المؤتمر الوطني المحلول، هذا التطور الخطير في الاحداث ايضاً يدل على ان شهر عسل الحكام الجدد لن يستمر طويلاً، وان مشروع رئيس الوزراء للعبور والانتصار سيصطدم بعقبات اولها التراخي وعدم استئصال شأفة كادر الحزب المحلول، المستغل لمناخ الحريات الممهور بدماء الشهداء الابرار والمستهتر ببيروقراطية العدالة الزاحفة سلحفائياً، هذا الكادر (المبرطع) اذا لم يحسم ويلجم سيحقق الهدف المرسوم له بتنفيذ استراتيجية الانفراط الامني الواسع النطاق، وهو المبتغى الاخير للجماعة الهالكة المتحسرة على زوال نعيم السلطان من بين يديها، ما يجري من قبل القوى المضادة للثورة جاء كرد فعل للبطء المصاحب لاجراءات محاكمة رموز الحزب المحلول، ولعدم تعاون السلطة السيادية مع لجنة ازالة التمكين وتمظهر ذلك في استقالة رئيسها العضو السيادي البارز الممثل للمكون العسكري، ان المطبات المعترضة عبور المركب الحمدوكي الميمون تتمثل في وجود بقايا جذع شجرة (الحزب القائد للوطن الرائد…!!)، ومتى ما تم اجتثاث هذا الوتد المكين استشعر الوطن العافية.
الحل في البل، الحل في محاكمة العسكريين الضالعين في انقلاب يونيو بقانون القوات المسلحة بعد ايداعهم اقفاص اتهام المحاكم العسكرية، والاسراع في محاكمة المدنيين الضالعين في ارتكاب جرائم القتل والاختلاسات المالية، والبت في هذه الجرائم لا يستحق كل هذا الوقت المهدور لأن البرنامج الذي بثته قناة العربية والحاوي لمحاضر اجتماعات الفاعلين للحزب (المبلول) كفيل باكمال عمليات البل وبالقانون، ذلك التوثيق يعتبر اصدق الادلة في اثبات الجرائم التي اعترف فيها كبيرهم بانها طالت الرفاق، حتى بكى من هول الفجيعة الابن المدلل للعرّاب (د.أمين) استعطافاً لكهنة المعبد واستجداءًا لهم لعدم ذهابهم بعيداً في سفك دماء رفاقهم، ذلك التوثيق يختصر الوقت لقضاة المحكمة في الوصول الى النطق النهائي بالاحكام الواضعة حداً لتلك المهزلة الكبرى.
الحل في الحل، حل جميع مؤسسات وجمعيات ومنظمات النظام البائد، الأمن الشعبي والدفاع الشعبي والمنظمات الكرتونية الممارسة لفقه التقية سراً والمخرّبة للأسواق علناً، والحذر ثم الحذر من الوقوع في ادمان ممارسة ثقافة الازدواج المؤسساتي، والعمل على الوحدة الادارية للمؤسسات المالية التي تنتهي برئاسة وزير المالية، وتوحيد وحدات الأمن الداخلي ليكون المسؤول الأول عنها وزير الداخلية، وهكذا دواليك، مادخل الازدواج في فن الادارة الا شانه وما جمع الاتحاد الوحدات الادارية تحت راية واحدة الا زانها، فازدواج السلطات يهدر الجهد ويمحق الانتاج ويكرّس للمحسوبية والاستقطاب الشللي والسلوك القطيعي.
اسماعيل عبد الله
[email protected]