«سلسلة مفاهيم وخطوات عملية مرجوة نحو مدنية الدولة السودانية [28]»
بقلم/موسى بشرى محمود على27/12/19-
«أن تأتى متأخرا” خيرا” من أن لا تأتى»!
فى السابق يعد القضاء السودانى من أحد أكفأ الأنظمة القضائية من ناحية المهنية والشفافية والاستقلالية على مستوى العالم ولكن تم تسيسه طيلة العقود الثلاث التى حكم فيها المؤتمر الوطنى البلاد وأصبح قضاء غير مستقل بل منحاز للنظام البوليسى الاخوانى الظالم والباطش ومعظم العاملين فيه هم ضباط فى أجهزة أمن النظام السابق الا من رحم ربه.
فقد الانسان السودانى المصداقية فى القضاء السودانى الذى أصبح يلعب دور الحكم والخصم فى ان واحد ويفصل فى القضايا التى توضع أمامها وفق أراء وقرارات المؤتمر الوطنى لا وفق الأصول والأحكام القضائية.
بعد تكوين الحكومة الانتقالية وبالأخص وزارة العدل ورئيس القضاء والنائب العام ومن خلال عملهم المهنى تراءى لنا فى الأفق ميلاد جديد لقضاء بدأ يستعيد عافيته ودونكم محاكمة الرئيس المخلوع البشير فى جريمة غسيل الأموال والثراء الحرام والتى تناولت كل السوابق القضائية حتى من القرن الماضى وبناءا” على البينات والأدلة الدامغة فقد تم محاكمته وايداعه سجن كوبر-قسم الرعاية الاجتماعية لمدة سنتين!
القضية التي حوكم فيها البشير يوم السبت 14/12/19هى عبارة عن قطرة فى محيط جرائمه التى لاتستطيع الشاحنات الكبيرة حملها وفى انتظاره قضايا واتهامات لجرائم كثيرة وكبيرة قد تصل عقوبة البعض منها الإعدام.
تلك المحاكمة هى ضربة البداية وكما يقول المثل:«أول الغيث قطرة» وما دام جاءت قطرة سيأتى الوابل وهو المطر الكثير القطر الغزير المنهمر وقد يصل حد غثاء السيل العرم التى لا تحتمل المصارف الطبيعية والصناعية تحملها وقد تسبب خسائر كثيرة ولك أن تقيس.
البشير أول رئيس مطلوب للدولية وهو فى كرسى السلطة ودخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية من أوسع أبوابه.
فى 4 مارس/آذار 2009، أصدرت الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس عمر البشير رئيس السودان، بناء على اتهامات فى جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والابادة الجماعية والتطهير العرقى ضد مكونات اجتماعية أصيلة في تكوين دارفور ومجتمع دارفور.
برغم ملاحقات الجنائية والدعوات المتكررة من منظمات مثل: مراقبة حقوق الانسان«Human Rights Watch»ومنظمة العفو الدولية«Amnesty International» ومنظمة«عدم الإفلات من العقوبة»وهيئات حقوقية وعدلية أخرى بالإضافة الى دول ومنظمات مجتمع مدنى كثيرة بإلقاء القبض عليه ومساعدة المحكمة الدولية في أداء واجباتها الا أنه نجا من كل تلكم الملاحقات الجنائية ووقع أسيرا” فى يد القضاء السودانى.
أخيرا” أسدل الستار حول الجدل القائم والمطالب الثورية بأمر التحقيق فى جرائم وانتهاكات دارفور بواسطة أجهزة ومنسوبى النظام البائد والتحرى مع كل مطلوبى المحكمة الجنائية الدولية ال51 شخص في مقدمتهم عمر البشير،عبدالرحيم محمد حسين ،على كوشيب وأحمد هارون حاكم ولاية شمال كردفان السابق وأخرين من غير المطلوبين في القائمة.
الأسبوع الماضى عقد النائب العام لجمهورية السودان مولانا/ تاج السر على الحبر مؤتمرا” صحفيا” وضح فيه للملأ البدء فى التحقيق مع البشير وكل المطلوبين فى الجرائم الفظيعة التى وقعت في إقليم دارفور وأشار بصريح العبارة فى حال ثبوت التهم ضد المتهمين قد تصل عقوبات المحاكمة الى حد الإعدام بغض النظر عن مكان محاكمتهم سوآءا” كان في الداخل أو الخارج!
من جانب أخر تعهدت مدعى عام المحكمة الجنائية الدولية السيدة/فاتو بنسودا بإيفاد محققين لزيارة الخرطوم لمتابعة سير التحقيقات ضد المتهمين وإبلاغ المحكمة بأخر المستجدات ويعتبر هذا الأمر اختراق كبير فى عمل المحكمة الجنائية وهو تنسيق جيد يساعد فى التعجيل بأمر تسليم المتهمين فى حال فشل القضاء السودانى محاكمتهم محليا” وفق جرائمهم التي ارتكبوها فى الأقليم.
زار رئيس الوزراء السودانى الدكتور/عبدا لله أدم حمدوك الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور وعاصمة إقليم دارفور في الرابع من نوفمبر 2019 كما زار معسكرات النازحين وكانت أولى مطالب النازحين لحمدوك هو تسليم البشير للجنائية الدولية وهو مطلب كل من طالهم جرائم البشير فى إقليم دارفور وعموم السودان ومن حق الضحايا وأهلهم الاقتصاص والقصاص لأوليائهم وفق القانون.
وفق تقارير الأمم المتحدة قتل أكثر من 300/000 شخص وجرح الاف ونزوح ولجوء أكثر من مليونى مواطن داخل وخارج دارفور فى الأزمة التى تفجرت من العام 2003 وما زالت لم تراوح مكانها.
جاء في خطاب د. حمدوك الأربعاء 25/12/19 فى ذكرى مرور عام على ثورة ديسمبر بقاعة الصداقة بالخرطوم حيث حيا نضالات الشهداء والثوار وشدد على محاسبة كل المجرمين والقصاص العادل لكل من ظلم وارتكب جرما” في حق الشعب وعدم التهاون معهم وأشار الى أنهم لا يهدأ لهم بال مالم تتم محاسبة كل المفسدين والمجرمين من النظام السابق وأتباعهم.
كل الدلالات والمؤشرات والمطالبات تدعم المحاسبة وعدم الإفلات من العقوبة لإحقاق الحق ولو كره مفسدى المؤتمر الوطنى ومن يواليهم.
يجب أن يوضع فى الاعتبار تسليم مجرمى الحرب للجنائية الدولية وعدم التهاون ودفن الرؤوس فى الرمال .
على النائب العام الإسراع فى تكملة التحقيقات وفتح تحقيق خاص لحادثة تابت فى شمال دارفور التي وقعت في 31/11/2014 وحولت فيها حياة أكثر من 200 فتاة الى جحيم لا يطاق عبر عملية الاغتصاب الجماعى بواسطة أفراد من حامية الجيش بتابت وتقديم كل مرتكبى هذه الجرائم للمحاكم وإذا لم يفلح القضاء المحلى في الاقتصاص العادل فستكون محكمة الICC الملاذ الأخير لهم.