يتابع التحالف العربي من أجل السودان والشبكة العربية لإعلام الأزمات الحراك الذي إنتظم مدن وولايات السودان، والذي إنطلقت دعوته عبر مواقع التواصل الإجتماعي بمبادرة من مجموعة شباب نشطاء دعوا لعصيان مدني عام، ووجدت الدعوة قبولاً واسعاً وإستجابة سريعة وتفاعل شعبي واسع من قبل المواطنين، والذي بدأ الأحد 27/11/2016م ويستمر ثلاثة أيام، وذلك على خلفية إجراءات إقتصادية “تقشفية” تتعلق برفع الدعم عن المحروقات والدواء والكهرباء، مع تحرير سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني “تعويم الجنيه”، بحجة مواجهة الصعود المتواصل لسعر الدولار في السوق الموازي “السوق الأسود”، لكن النظام سرعان ما تراجع عن الزيادة في أسعار الأدوية المنقذة للحياة، عقب إضراب الصيادلة وإغلاق مايفوق الـ 200 صيدلية.
لقد ظل التحالف العربي من أجل السودان والشبكة العربية لإعلام الأزمات يتابعان ويرصدان الحراك المتصاعد والذي بدأ بإضراب الأطباء السودانين، الشهر الماضي إحتجاجاً على تردي البيئة الصحية وتكرار حوادث الإعتداء عليهم من قبل أفراد تابعين لجهاز الأمن، وقد تم إعتقال أحد عشرة طبيباً وطبيبة وتم إخلاء سبيلهم بعد ثلاثة أسابيع من الإعتقال، ليدخل الصيادلة في إضراب شامل أجبر النظام على التراجع عن رفع أسعار الدواء.
لقد جاءت الدعوة للعصيان المدني كنتيجة طبيعية وردة فعل رافضة للقرارات القاسية التي إتخذها النظام، برفع الدعم عن أسعار المحروقات والسلع الضرورية، وأكدت تجربة العصيان كواحدة من طرق ووسائل الإحتجاج السلمي الذي ظلّ يعكس سلوك المواطن السوداني في التعبير عن رفضه للسياسات الإقتصادية الفاشلة، والتي كشفت عن عدم وجود اي برنامج حكومي للخروج من الأزمة الإقتصادية سوى المزيد من الضغط على المواطن بالضرائب والجبايات بأشكالها المختلفة.
لقد إتخذ نظام الإخوان المسلمين في السودان منذ صعوده إلى السلطة بإنقلاب عسكري في الثلاثين من يونيو1989م، خطة للإستيلاء على موارد الدولة وتوزيع ثرواتها على مجموعة محسوبة على التنظيم الإسلامي، وقد بدا ذلك واضحاً منذ إنتهاج سياسة التحرير الإقتصادي 1992م بخصخصة مؤسسات القطاع العام الرابحة، وتشريد مئات الآلف من العاملين من العاملين في الدولة ليواجهوا ضغوط المعيشة والغلاء الطاحن بعد إنسحاب الدولة من دعم الخدمات الأساسية من “صحة وتعليم”، وتخصيص قدر كبير من الميزانية لصالح الدفاع والأمن بسبب الحروب التي أشعلها النظام في جنوب السودان قبل الدخول في إتفاق سلام شامل 2005م، ومن ثم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
لم يجتهد النظام في معالجة الأزمة الإقتصادية الناجمة عن خروج عائدات النفط من معادلة الإقتصاد السوداني، والذي كانت تمثل عائداته أكثر من 70% من موارد الدولة، ثم تفاقمت الأزمة بخروج قطاعات منتجة في قطاعي الزراعة والصناعة، وتدهور المشروعات الإنتاجية الكبرى في القطاعين العام والخاص والذي أثر على مركز الصادرات، مع تصاعد وتيرة العنف المسلح في مناطق النزاعات في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق والتي تمثل جميعها مناطق إنتاج زراعي، في المقابل تفشى الفساد والرشوة والمحسوبية بين عناصر النظام ومؤيديه حتى صار الفساد سلوكاً مجتمعياً في ظل غياب الشفافية وعدم المحاسبة.
إن التحالف العربي من أجل السودان والشبكة العربية لإعلام الأزمات يعلنان عن كامل تضامنهما مع الشعب السوداني، في حقه في التعبير عن رأيه وفق مانص عليه الدستور ومواثيق حقوق الإنسان، ويدعمان خطة العصيان التي تمثل ضربة البداية نحو التغيير المنشود لنظام، ويدعوان منظمات المجتمع المدني لتخرج من صمتها وتقول كلمتها حيال مايحدث من إنتهاكات جسيمة، والتي تعاني مثلما يعاني بقية قطاعات الشعب السوداني من أحزاب سياسية ونقابات وإتحادات مهنية، من تضييق على الحريات العامة وحرية التنقل وحرمانها من النشاط وإغلاق دورها ومصادرة ممتلكاتها وملاحقة كوادرها.
لقد آن الآون ليقود المجتمع المدني زمام المبادرة وتلبية نداء الشعب السوداني الذي بدأ بالعصيان المدني، لتحقيق رغبته ودعم تطلعاته المشروعة في التغيير، من أجل إستراداد الديمقراطية والحرية والعيش الكريم، وذلك بالمشاركة في مناهضة القرارات الجائرة ومقاومة سياسات القمع التي يتعرض لها النشطاء والشباب والطلاب والصحفيين وقادة القوى السياسية.
إنّ التحالف العربي من أجل السودان والشبكة العربية لإعلام الأزمات يدينان ويستنكران بشدة حملة الإعتقالات المسعورة، التي ينفذها جهاز الأمن ومعاونيه على قادة القوى السياسية والنشطاء عبر مواقع التواصل الإجتماعي، والذي ضاق صدره من عصيان سلمي صامت وبدا في إعتقال كل من يقوم بتصوير الشوارع الخالية من حركة المواطنين، مع إطلاق الشائعات لتخويف وإرهاب المواطنين ببث رسائل مفبركة عن إحتمال حدوث أعمال تخريبية حال خرج المواطنين في تظاهرات، وسيستخدم وسائله المكشوفة عبر إعلامه الفاشل في تضليل المواطنين بفشل العصيان الذي أثبت نجاحه منذ اليوم الأول، ولن تجدي أيضاً محاولات نزع الأخبار وفرض الرقابة على الصحف.
إنّ التحالف والشبكة يدينان سلوك جهاز الأمن الذي ظلّ ينتهك الدستور ومواثيق حقوق الإنسان،بإستغلال قانون الأمن الوطني الذي يوفر الحماية لإفراده ومعاونيه ويتيح لهم حق الإعتقال دون أمر القاضي، سيؤدي إلى مزيد من التصعيد، ويحذران من محاولة إستغلال هذا الحدث وتحويله إلى أعمال عنف لإعادة سيناريو أحداث مآساة سبتمبر 2013م،كما حدث ويحدث كل يوم مع طلاب وطالبات الجامعات في جامعتي القرآن الكريم وأمدرمان الإسلامية والفاشر، وطلاب وطالبات الثانوية.
ويعبر التحالف والشبكة عن قلقهما الشديد على سلامة المعتقلين بعد أن وصل إلى علمنا بتعرض بعض المعتقلين للتعذيب النفسي والجسدي، وبينهم مرضى حرموا من تناول الدواء وهم يحتاجون إلى رعاية صحية ونظام غذائي خاص ومنع أسرهم ومحاميهم من مقابلتهم وتوصيل أغراضهم وأدويتهم.
إنّ التحالف والشبكة يحمٍّلان النظام مسؤولية سلامة جميع المعتقلين، ويطالبان بالإفراج الفوري عنهم وغير المشروط عن كل المعتقلين، أو تقديمهم لمحاكمة عادلة.
كما يجدد التحالف العربي من أجل السودان والشبكة العربية لإعلام الأزمات بوقف الإعتقالات التعسفية على أساس سياسي وعرقي، وإطلاق سراح جميع سجناء الرأي ووقف المحاكمات السياسية.
القاهرة 28 نزفمبر 2016