لفت انتباهي لهذا الجسم الثوري الحديث الخبر الذي اوردته صحيفة الراكوبة الالكترونية يوم أمس الموافق العاشر من ابريل، بعدما ادلى المتحدث باسم التحالف الاقتصادي لقوى ثورة ديسمبر المجيدة، وعضو لجنته التأسيسية حسام الدين اسماعيل بتصريحهلمنبر (سونا)، والذي قال فيه أن ظهور التحالف في هذا الوقت جاء بعد تيقن اقتصاديون ومهتمون أن الاتجاه الذي تسير فيه الحكومةلا تنطبق عليه اهداف ثورة ديسمبر المجيدة، سيما في نقطة تنمية الموارد وتوظيفها والاهتمام بالحلول الداخلية، اضافة الى عدم تطبيق مقررات المؤتمر الاقتصادي، وذكر بأنهم لا يرفضون التعامل مع المؤسسات المانحة الدولية بحيث يكون دور هذه المؤسسات تكميلياً لا أساسياً، وبحيث ينفتح السودان على كل العالم وعلى الراغبين بالاستثمار في السودان وليس حصراً على مجموعة بعينها، وتعرض اسماعيل للملامح الرئيسية لهذا التحالف المتمثلة في تطبيق توصيات المؤتمر الاقتصادي وخلق نموذج سوداني مميز، والانفتاح على كل العالم في شأن القروض والاستثمار وتنمية الموارد المحلية،والتعامل مع المانحين من مبدأ السيادة الوطنية، وأهم ما افصح عنه المتحدث ياسم التحالف هو تصنيف مكونات هذا التحالف الوليد،التي تضم اقتصاديين تكنوقراط ولجان مقاومة واعلاميين وصحفيين وقانونيين ونقابات فئوية وتنظيمات نسائية وسياسيين.
من وجهة نظري الشخصية اعتقد أن البلاد بحاجة لمثل هذه المنظمات والتحالفات غير الحكومية، لأنها تمثل البعد الآخر لرؤية العلماء والمهنيين بعيداً عن استقطابات الساسة واصطفافات المؤدلجين، خاصة وأن المتحدث باسم التحالف الاقتصادي قد بيّن بكل شفافية أنهم في سبيل انزال برنامجهم على ارض الواقع، يعتمدون على الضغط الشعبي والمهني على الحكومة الانتقالية، ويتبنون العمل السلمي المقاوم للدفاع عن المواطن الفقير وعن استقلال وسيادة القرار القومي، وذلك بتكوين ما اطلق عليه (المجلس الاستراتيجي القومي).
المهتمون بالشأن الاقتصادي السوداني يتخوفون من تكالب المحاور الاقليمية والعالمية على ثروات الوطن، وقد كتبوا مذكرات واوراق عمل تنبه لخطورة عواقب رهن القرار الاقتصادي لمؤسسات التمويل التابعة لهذه المحاور، وبلادنا على الرغم مما تملكه من كفاءات وطنية غير حزبية الا انها وقعت في مصيدة الاطماع الخارجية، نتيجة لأفتقار الكادر السياسي للثقة بالنفس وعدم تثمينه لما تختزنه ارضه من كنوز، فتماهى السياسيون مع الاجندة العابرة للبحار.
التحالف الاقتصادي لقوى ثورة ديسمبر المجيدة وبحسب ما رشح لدينا حتى الآن، أنه يحوي لون الطيف المهني والتكنوقراطي، وهذا هو أول الاسباب المؤدية للنجاح اذا لم يخذل الناس في آخر المطاف، فيحبطهم بظهور وجهه السياسي المحض كما عودتنا السياسة في هذه البلاد، فنرجو الا يخيّب ظننا فيه وأن لا يئد فرحتنا بأن يتكشف للناس بعد حين انه مجرد غطاء سياسي،لمجموعة مغاضبة خارجة من منظومة الانتقال استمراءً للمكايدات السياسية التقليدية والمعلومة عن النخب منذ قديم الزمان البعيد، ولكي يكون الناس على بيّنة من أمرهم، على هذا التحالف الاقتصادي أن يكشف عن الأسماء الشاغلة لهيكل لجنته التأسيسية، وأن يفتح باب الانضواء تحت رايته لكل الحادبين على مصالح البلاد التجارية من المهنيين والخبراء، فهذا الجسم يمكنه أن يقود الحراك الثوري التلقائي من أجل تذليل سبل المعيشة، اذا بدأ بتلمس هموم الأسر الفقيرة البسيطة المهمومة بلقمة العيش، فمن ذات النقطة انطلقت الشرارة الأولى للهبّة الجماهيرية العاتية التي ارسلت الطغاة الى كوبر، فهذه المبادرة المشعلة لشمعة الضوء في آخر نفق اليأس الذي احاط بالناس، يمكنها أن تصبح طوق نجاة للحادبين على مصالح الوطن الاقتصادية.
الأوضاع المعيشية الصعبة والتدهور الاقتصادي المريع وانهيار النظام المالي، هو النتيجه الحتمية لزوال عروش الحكام، والمواطنون البسطاء بطبعهم وطبيعتهم الفطرية لا يغوصون عميقاً في ترف الايدلوجيا واحلام الساسة، ولا تحركهم سوى حاجاتهم اليومية وضرورات العيش الكريم ، واشباع هذه الحاجات مرتبط بأنظمة الحكم ووعي وادراك القائمين على تسيير دولاب الدولة، فعندما تعلوا اصوات الحناجر المطالبة بتوفير الخبز والأمن، يخفت الهتاف المنادي بالحرية والسلام والعدالة، يحدث هذا بناءً على أولوياتاتزان طرفي معادلة الاطعام من الجوع والتأمين والطمأنينة من الخوف، ففي الظروف التي يعيشها السودان في هذه اللحظات المرعبة، من انتشار للسلاح وانفلات للأمن وتمدد لطوابير الرغيف، يهرول المواطنون نحو من بيده الطعام والملجأ الآمن، الذي يحميهم من عصابات النقرز و مليشيات القتل والنهب والسلب، لكل ما سبقسوف يعتلي هذا التحالف الاقتصادي المنصة اذا ما استوعب منظّروه اسباب تأرجح هذه المعادلة البسيطة التي تجمع بين الطعام والأمان في كفة واحدة.
اسماعيل عبد الله
11 ابريل 2021