_مفهوم الدستور:
الدستور هو الوثيقة الأساسية التي تنشأ عليها الدولة ،فهو يحدد شكل العلاقة مابين الدولة والفرد ،ويبين شكل الدولة إن كانت (موحدة، ديمقراطية،جمهورية،إتحادية،فدرالية) ومن ثم علاقة السلطات الثلاثه مع بعضها البعض (التنفيذية_التشريعية_القضائية) بإعتبارها الأجهزة التي تسير الدولة ، كمان أنه يضمن الحقوق الأساسية للفرد داخل الدولة ، فهي وثيقة لها قدسية قانونية تقرر هيكل ووظائف أجهزة الحكم وتنظم السلطات العامة وتحد منها في حالة التجاوزات ويرسخ مبدأ الفصل بين السلطات بينما تظل عملية الرقابة قائمة بينهما كوظيفة ضرورية للحفاظ علي إستقرار الدولة والسير علي هدى المسارات التي وضعها الدستور .
_إن التطور الدستور لأي بلد معين يستمد وجوده من الخصائص الأساسية لذلك البلد وإتجاهات وقيم ذلك البلد في إطار السيرة الأساسية التى لازمتة في الماضي والحاضر وبالتالي تقرر مستقبله ومصيره ، إذن التطور الدستورى في السودان مربوط إرتباط وثيق بمجريات التاريخ السياسي والاحداث التي تطرأ علي الواقع السياسي في سيرورته ،فتأثر فيه حيث يصبح التطور الدستور إنعكاسا للواقع السياسي في البلد .
لذا نجد ان العهود التي سبقت إستقلال السودان تفتقر لأي تجربة دستورية او نظام حكم رشيد ذلك لأن السودان لم يتشكل حتي وقتذاك بالمفهوم الحديث (شعب_أرض_سلطة حاكم) بإعتبار ان السلطه كانت إستعمارية كولونيالية فكانت تدير الدولة عبر المنشورات والقوانين المؤقت التي تسهل عليها عملية الادارة فقط ، حتى العام 1953 صدر بما يسمي (الاوامر الدستورية)التي كانت نتاج ضغوطات المثقفين السودانيين آنذاك بضرورة الاستقلال والحكم الذاتي (قانون الحكم الذاتي) الذي أدي الي الاستقلال من داخل البرلمان .
دخلت الدولة السودانية مرحلة جديده وبداية لتجربة حكم ذاتي مستقل ووضع نظام حكم مستقر يتوافق والتطورات التي تزامنت مع محيطه الإقليمى ، لكن كل التجارب التي مرت لوضع نظام سياسي ودستور دائم قد فشلت تماما ذلك لان العسكرتارية(الانقلابات العسكرية)عرفت طريقها منذ البداية1958 كطريقة للوصول الي الحكم فأصبح سنة لكل من يريد الوصول للسلطه ومرض عضال مستمر الي آخر نظام يحكم الآن (الجبهة الاسلامية) فكل نظام وصل الي السلطة أول ما يتم تغييرة هو الدستور حتي يتحكم في الشعب ويحصن نفسه (الديكتاتور)فيتم تفصيل دستور يتماشي وأهواء وأيدلوجيا النظام القائم ويمد له من آجله ، لذلك هنالك كم هائل من الدساتير في فترة وجيزة جدا مايقارب 12 دستور بالاضافة للاوامر الستوريه المؤقته فهي كالاتي :_
_دستور1956_1958
مشروعه لم يكتمل وذلك لحدوث إنقلاب (عبود)
_دستور 1964
أيضا لم تفلح الجمعية التأسيسة في وضع الدستور نتيجة الخلافات الحزبية الي العام 1969 حيث انتهي الامر بإنقلاب (نميري)
_دستور 1973
الذي وضعه النميري هو دستور يكرس لنظام حكومة الحزب الواحد لا يراعي فيه اي معيار ولا قيم ديمقراطية ولا حقوق إنسان .
_دستور 1985
بعد الثورة التي حدثت في هذا العام اتجهت الاحزاب الي تكوين جميعة تأسيسية لوضع مشروع دستور دائم للبلاد لكن فشلت بالتدخل العسكرى (انقلاب 1989)
_دستور 1998
هذا الدستور لا يفترق عن غيره من الدساتير التي تضعها الانظمه الديكتاتورية ذات نظام الحزب الواحد ، ضاربة عرض الحائط بكل القيم الديمقراطية ، فهو يكرس لمشروعهم الحضاري الذي يزعمونه ومنهجهم الاسلاموي ، لم يراعى للتنوع الذي ينعم به السودان (أثني ،ديني،ثقافي،لغوى….) خالية تماما من كل الوثائق الدوليه التي تضمن حقوق الانسان ، فهو لا يمثل إلا اصحابه الذين وضعوه والسلطه القائمه .
_دستور 2005(الإنتقالي):
هذا الدستور تم وضعه نتيجة الاتفاقية الثنائية مابين حكومة السودان (المؤتمر الوطني) والطرف الثاني (الحركة الشعبية لتحرير السودان ، التي عرفت بإتفاقية السلام الشامل (CPA) ، ما يعيب هذا الدستور أنه لايمثل إرادة الشعب السودانى مثله مثل الدساتير التى سبقته كعادتها ، فهو يمثل إرادة طرفي الاتفاقية ومصالحهم وقد ظهر ذلك في تضمين (إقتسام السلطة والثروة ).
هكذا هي الحالة السودانية فيما يتعلق بالدساتير وانظمة الحكم من “دولة تحت الوصاية” الي دولة تتشكل ومصالح النظام الحاكم .
إنها كلها مظاهر تخفي في طياتها حقيقة مؤداها إن السوادن وان اختلفت مسميات حكمه وحكامه ظل ولا يزال يرزح تحت ظل أنظمه ديكتاتوررية قمعية عسكرية تستخدم بمهرج القول المفاهيم السياسية السائدة ولا تطبق اي منها ، بل لا تعمل بالدساتير التي تضعها لنفسها ولا تلتزم بالمواثيق والعهود الدولية ، والأمر من ذلك ان السودان لا يملك حتي الآن دستورا دائما ..
عليه فإن الانظمه التي تعاقبت علي حكم السوان انتهجت الآتى :-
-فرض سياسة الامر الواقع وترجيح الغلبة لقوة الحزب والمصلحة الحزبية دون المصلحة القومية .
– عدم قدرة الانظمة الحاكمه على إستيعاب شعب مكون من أعراق واديان وثقافات ولغات مختلفه إختلافا جزريا ، فكلها لم تضع إعتبار لهذا التباين .
– عدم وجود قوانين تتلائم وطبيعة المجتمع المختلف في كل تفاصيله .
– اصرار كل الاحزاب الحاكمة على الإنفراد بصياغة الدساتير والقوانين دون الرجوع الى القواعد الشعبية .
وكثير جدا من المآخذ التى تمكننا من ان نقول ان الدولة السودانية الى الان لم تتشكل بالطريقة الملائمه التى تستوعب الشعب السودانى.
علية ولما تقدم يمكننا إيجاز الاساسيات التى يجب أن تتوافر في أي دستور يضع بعد التغيير :
1_مراعاة التنوع الدينى والاثنى والثقافي واللغوى الذي يتميز به الشعب السودانى ووضع دستور يحترم هذا التباين ويحفظ لكل الشعب حقوقه .
2_تضمين المواثيق الدولية لحقوق الانسان والعهود المصاحبة لذلك.
3_الاقرار بالديمقراطية كطريقة ومنهج يسلك في ادارة الدوله والوصول للحكم.
4_عدم الانفراد بوضع الدساتير فيجب مشاركة القواعد الشعبيه في وضعه.
5_تضمين مبدأ المساواة مابين الشعب السودانى وان المواطنه هي أساس للحقوق والواجبات ،وان لا تمييز بينهما علي أساس (دينى ،عرقي،لونى،لغوي،ثقافي …)
5_إتخاذ من مبدأ فصل السلطات كطريقة لادارة المؤسسات .
*هذا بإيجاز مضمون ما نحتاجه لتأسيس دولة سودانيه تراعى القيم الديمقراطية وحقوق الانسان وتحفظ كرامته ،حتى نخرج من العهود الديكتاتورية الدموية الي رحاب الديمقراطية والاستقرار السياسي ،والحريات العامه ، وحتى ينعم الشعب السودانى بالعداله والسلام ،والامن في ظل نظام حكم ديمقراطى ..
أ/عبدالباسط محمدالحاج