نيويورك _ صوت الهامش
سلط تقرير أمريكي الضوء حول توسع النفوذ العسكري المستمر لروسيا في جميع أنحاء إفريقيا، وهو ما ينذر المسؤولين الغربيين بزيادة مبيعات الأسلحة والاتفاقيات الأمنية وبرامج التدريب للبلدان غير المستقرة أو الزعماء المستبدين.
وكشف التقرير الصادر عن ” نيويورك تايمز” بأن مجندين جدد تابعين للقوات المسلحة لجمهورية أفريقيا الوسطى، قد حصلوا على تدريبهم من مستشارين روس كجزء من نفوذ موسكو المتزايد في جميع أنحاء إفريقيا .
كما تم تنصيب مستشار روسي للأمن القومي لرئيس جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث تبيع الحكومة حقوق التعدين للذهب والماس بتكلفة بسيطة لاستئجار مدربين وشراء أسلحة من موسكو.
ووفقًا للتقرير الذي اطلعت عليه “صوت الهامش” ، فإن روسيا تسعى أيضاً إلى إقحام نفسها في الجهة الجنوبية لحلف الناتو من خلال مساعدة جنرال سابق في ليبيا على القتال من أجل السيطرة على حكومته وسوق النفط الضخمة.
وفيما يتعلق بالنفوذ الروسي في “السودان” أكد التقرير حقيقة استقدام الرئيس السوداني “عمر حسن البشير” لمرتزقة روس في يناير الماضي للمساعدة في تعزيز حكمه ضد الاحتجاجات التي اشتعلت في جميع أنحاء البلاد في ديسمبر الماضي، ولاتزال مستمرة إلى يومنا هذا.
كما ناشدت خمس دول من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في الربيع الماضي موسكو لمساعدة جيوشها الضخمة وأجهزةها الأمنية في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة، وهي مالي، والنيجر، وتشاد، وبوركينا فاسو، وموريتانيا.
وخلال منافسة الشرق والغرب العنيفة في الحرب الباردة في تسعينيات القرن الماضي، تراجعت روسيا التي كانت قد ترسخت في إفريقيا إلى حد كبير، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
ولكن في العامين الماضيين، أعادت موسكو تنشيط علاقاتها مع عملاء من الحقبة السوفيتية مثل موزامبيق وأنغولا، وأقامت علاقات جديدة مع بلدان أخرى.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيستضيف اجتماع القمة بين موسكو ودول أفريقية في وقت لاحق من هذا العام.
وأفادت “نيويورك تايمز” بإن توسيع نفوذ موسكو العسكري في القارة يعكس رؤية بوتين الأوسعن والمتمثلة في إعادة روسيا إلى مجدها السابق، لكنه يوضح أيضًا استراتيجية روسيا الانتهازية المتمثلة في تحقيق مكاسب لوجستية وسياسية في إفريقيا أينما ومتى استطاعت.
وفي هذا الصدد، أوضح الجنرال “توماس دي والدهاوسر” – قائد قيادة إفريقيا في البنتاغون- أمام الكونغرس في مارس الماضي بأن روسيا تمثل تحدٍ متزايد، كما أنها اتخذت مقاربة أكثر عدوانية في إفريقيا.
وفي السياق، فقد لفت مقتل ثلاثة صحفيين روس على أيدي مهاجمين مجهولين في جمهورية إفريقيا الوسطى -وهي مستعمرة فرنسية سابقة – في العام الماضي الانتباه إلى عودة الكرملين إلى القارة.
كان الصحفيون يحققون في أنشطة مجموعة “فاغنر” وهي قوة عسكرية خاصة أسسها ضابط مخابرات روسي سابق ومرتبط بالسيد بوتين.
وقالت روسيا في بيان صدر العام الماضي أن 175 مدربًا – يعتقد مسؤولو البنتاغون والمحللون الغربيون أن تستخدمهم مجموعة فاغنر – قاموا بتدريب أكثر من 1000 جندي من جمهورية إفريقيا الوسطى، تلك البلاد الغارقة في العنف منذ عام 2012.
وفيهذاالشأن،وقال “جودديفيرمونت” – مديربرنامجإفريقيافيمركزالدراساتالاستراتيجيةوالدوليةفيواشنطن- : “موسكوومقاولوهاالعسكريونالخاصونيقومونبتسليحبعضمنأضعفالحكوماتفيالمنطقةوتدعمحكامالقارةالأوتوقراطيين” مضيفًاأنهذهالمشاركةتهددبتفاقممناطقالصراعالحالية.
وفي أواخر العام الماضي ، جدد البيت الأبيض سياساته الاقتصادية والأمنية تجاه إفريقيا – بما في ذلك خطط لزيادة فرص الحصول على تمويل لمشاريع في القارة – وانتشر مسؤولو الإدارة في القارة لحشد الدعم للخطة.
وفي مارس، وتحديدًا في كٍل من لواندا، وأنغولا حذر “جون ج. سوليفان” – نائب وزير الخارجية الأمريكي- من أن “روسيا كثيراً ما تستخدم الوسائل القسرية والفاسدة والسرية لمحاولة التأثير على الدول ذات السيادة ، بما في ذلك شراكاتها الأمنية والاقتصادية”.
وفي ظل إدارة ترامب ، حول البنتاغون التركيز لمواجهة التهديدات العالمية، وإلى حد كبير من الصين وروسيا، وبعيدًا عن قتال المنظمات الإرهابية.
وقد وصف “جون بولتون” – مستشار الأمن القومي للرئيس ترامب – في ديسمبر الماضي، الإستراتيجية الجديدة في إفريقيا بأنها “قوة عظمى” وموازنة للصين وروسيا.
وأضاف “بولتون” أن الكرملين “يواصل بيع الأسلحة والطاقة في مقابل الحصول على أصوات في الأمم المتحدة – أصوات تبقي رجالاً أقوياء في السلطة وتقوض السلام والأمن وتتعارض مع أفضل مصالح الشعب الأفريقي. “
وبحسب التقرير فإن العديد من الدول الأفريقية بدت غير مقتنعة، حيث امتنع نحو 24 في ديسمبر عن التصويت على اقتراح من الجمعية العامة للأمم المتحدة أدان ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وحث موسكو على سحب قواتها من شبه الجزيرة الأوكرانية.
بينما لجأ الزعماء المنتخبون في جمهورية إفريقيا الوسطى إلى موسكو لبيع حقوق التعدين للذهب والماس لشراء الأسلحة الروسية وتوظيف عشرات المدربين.
وفيما يتعلق بجيش الولايات المتحدة، فإن التقرير يؤكد على أن لديه بصمة خفيفة نسبيًا في جميع أنحاء أفريقيا، حيث يعمل حوالي 6000 من قوات الولايات المتحدة و 1000 مدني أو مقاول بوزارة الدفاع في مجموعة متنوعة من المهام في جميع أنحاء إفريقيا، وبشكل أساسي التدريب وإجراء التدريبات مع الجيوش المحلية.
ووفقًا لتحليل أجراه معهد “دراسة الحرب” – وهو منظمة بحثية في واشنطن- فإن روسيا تبحث عن مزيد من القواعد الإستراتيجية لقواتها، بما في ذلك في الموانئ الليبية على البحر الأبيض المتوسط وفي المراكز اللوجستية البحرية في إريتريا والسودان على البحر الأحمر.
وقد وقعت روسيا في العام الماضي، اتفاقات بشأن التعاون العسكري مع غينيا وبوركينا فاسو وبوروندي ومدغشقر، وبشكل منفصل، طلبت حكومة “مالي” مساعدة من موسكو لمكافحة الإرهاب، على الرغم من آلاف الجنود الفرنسيين وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة المتمركزة في البلاد.
أما “معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام” فقد كشف عن أنه قد تم إرسال 13٪ من إجمالي صادرات روسيا من الأسلحة في عام 2017 إلى إفريقيا، بينما تقوم روسيا بمغازلة صفقات الأسلحة في جميع أنحاء إفريقيا من خلال الوعد بعمليات التسليم في الوقت المناسب وبشروط مرنة – وهي استراتيجية يقول المحللون أنها الأكثر نجاحًا عندما يتم إبرازها في دول ليس لديها سوى عدد قليل من البدائل لتطوير اتفاقيات دفاعية مع شركاء آخرين، بسبب عزلتها من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى في الغرب- .
وقال مسؤولون في البنتاغون إن حوالي 80 % من جميع المبيعات العسكرية الروسية عبر القارة تذهب إلى الجزائر، وهي عميل قديم في سوق الأسلحة الروسية.
بينما تتمتع تونس – حليفة الولايات المتحدة – بعلاقات وثيقة في مجال الاستخبارات ومكافحة الإرهاب والطاقة مع روسيا، بينما تسلمي بوركينا فاسو العام الماضي طائرات هليكوبتر نقل عسكرية روسية الصنع وأسلحة أطلقت من الجو.
وفي السياق ذاته، أصبحت “مصر” – الحليف القوي للولايات المتحدة- عميلًا قويًا للأسلحة الروسية، كما ذكرت صحيفة “كوميرسانت” الروسية ومقرها موسكو.
وفي مارس الماضي قالت “كوميرسانت” أن مصر وقعت صفقة في أواخر عام 2018 بقيمة 2 مليار دولار لشراء طائرات مقاتلة من طراز SU-35 روسية.
وقالت السفارة الروسية في واشنطن في بيان: “أن لدى روسيا برامج تعاون عسكري تقني مع عدد من الدول الإفريقية وتساعدها على تزويد القوات العسكرية الوطنية بالأسلحة الحديثة، كما يتم تنفيذ جميع هذه التعهدات بما يتمشى مع القواعد والقوانين الدولية السارية.”
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد فرضت قبل عامين عقوبات على شركة المرتزقة، المعروفة أيضًا باسم “بي أم سي فاغنر” ، متهمةً إياها بتجنيد وإرسال جنود للقتال إلى جانب الانفصاليين الموالين لروسيا في منطقتي دونيتسك ولوهانسك في أوكرانيا.
وقال التقرير إنه تم إرسال مجندين من الشركة إلى سوريا، حيث توفي العشرات، وربما المئات منهم، في فبراير 2018 خلال معركة بالأسلحة النارية مع القوات الأمريكية.
وبحسب البنتاغون، فإن روسيا تسعى أيضًا إلى أسواق اقتصادية جديدة وموارد طاقة، وفي بعض الحالات تعيد تنشيط العلاقات مع البلدان التي كانت قائمة خلال العهد السوفيتي، فلدى روسيا مصالح نفط وغاز رئيسية في الجزائر وأنغولا ومصر وليبيا والسنغال وجنوب إفريقيا وأوغندا ونيجيريا، وقريبًا في السودان.
باختصار، قالها الجنرال توني توماس ، الذي تقاعد يوم الجمعة كرئيس لقيادة العمليات الخاصة في البنتاغون في مؤتمر أمني بجامعة تكساس في أوستن “إنهم يحاولون الاستيلاء على الغنائم، انهم نشيطون جدا”.