لندن _ صوت الهامش
رجحت صحيفة ” ذي أراب ويكلي” احتمالية أن يشهد هذا العام تعميقًا للعلاقات الروسية السودانية، وذلك في أعقاب زيارة قام بها نائب وزير الخارجية الروسي وممثل بوتين للشرق الأوسط وأفريقيا “ميخائيل بوغدانوف” للخرطوم في 16 من مارس الجاري كجزء من جولة أفريقية.
وأفادت الصحيفة في تقرير بأن “بوغدانوف” كان قد أجرى مباحثات مع البشير حول تنسيق المواقف حول القضايا الإقليمية والدولية بالإضافة إلى التعاون الإقليمي والتجارة بين البلدين بالإضافة إلى تدريب الكوادر السودانية في روسيا.
كما وجه “بوغدانوف” في ختام محادثاته دعوة من بوتين إلى البشير لحضور القمة الروسية – الأفريقية الأولى في سوتشي بحلول أكتوبر المقبل.
وأكد التقرير على أنه بالرغم من أوامر المحكمة الجنائية الدولية والعقوبات الدولية، إلا أن المصالح المشتركة للاتحاد الروسي والسودان تعتبر فوق أي اعتبار وتضمن استمرار تعاون البلدين.
وبعد أشهر من الاحتجاجات على مستوى البلاد والدعوات لاستقالته، أعلن الرئيس السوداني عمر البشير حالة الطوارئ لمدة عام، وفي محاولة للقضاء على الاضطرابات، تسعى الخرطوم منذ اندلاع الاحتجاجات للحصول على مساعدة روسية.
وقارن التقرير الوضع المتطور في السودان بمثيله في سوريا والمستمر منذ 2011، حيث واجهت الحكومة اضطرابات داخلية هددت بالخروج عن نطاق السيطرة وطلبت دعمًا مادياً وعسكريًا روسيًا وهو ما استجابت له روسياـ لتصبح بذلك سوريا “مرتعًا روسيًا على الأرض” على حد وصف الصحيفة.
وبدأت المساعدات حينها (وحتى اللحظة) بالتدخل العسكري المباشر في الحرب الأهلية السورية، بإرسال القوات والطائرات والسفن الحربية .
وقد ساعد ذلك دمشق على كسب اليد العليا في بلد كان اقتصاده قد دمر بحلول الوقت الذي تدخلت فيه روسيا، وتقلص بنسبة تصل إلى 60 ٪ منذ بدء الصراع قبل أربع سنوات
وأشار التقرير إلى أن ما يحدث الآن السودان قد بني على اتصالات سابقة بين البشير والرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول الوجود العسكري الروسي المحتمل في السودان منذ اجتماعهما في نوفمبر 2017.
وخلال لقائهما، عرض البشير بناء قاعدة جوية لروسيا على ساحل البحر الأحمر وإعادة تزويد الجيش السوداني بالأسلحة الروسية، بما في ذلك طائرات مقاتلة من طراز SU-30 وصواريخ أرض جو، وهو ما ينذر بنسخة سورية جديدة لكن هذه المرة على الأراضي السودانية.
وكشف التقرير عن أن النص الرسمي للمناقشات التي أجراها الكرملين مع البشير، في الـ 23 من نوفمبر 2017، يبدأ بصراحة: “نعتقد أن المشكلات التي تواجهها المنطقة الآن قد نجمت عن تدخل الولايات المتحدة”.
والأكثر استثنائية من ذلك، طلب البشير من بوتين خلال مقابلة سابقة حمايته من “العدوان الأمريكي” ، الذي كان يهدف إلى تقسيم السودان إلى خمس دول، حسب حديث البشير.
وتدفع الصحيفة بمعارضة الخرطوم وموسكو المشتركة لكل من “التمردات” ضد الحكومات الإقليمية القمعية بما في ذلك مصر والصومال واليمن، بالإضافة إلى رفض مبادرات السياسة الروسية بين دول القرن الإفريقي الموالية للغرب، كما هو الحال عندما رفضت جيبوتي وجودًا عسكريًا روسي، بأنها أسباب كفيلة بنشئة علاقات أقرب وأمتن بين موسكو والخرطوم.
وبذكر جيبوتي، رأي التقرير أن استخدام البحرية الروسية لجيبوتي كجزء من جهود الأمم المتحدة لمكافحة القرصنة، دفعها لطلب إنشاء وجود بحري دائم أكثر هناك في أواخر عام 2016، وهو ما قوبل بالرفض، لتتحول روسيا إلى السودان بحثًا عن قاعدة بحرية على ساحل البحر الأحمر في البلاد.
وفي يناير، أشار البرلمان السوداني إلى أن مشروع الاتفاق العسكري الثنائي سيوفر لروسيا فرصة مستقبلية لبناء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر بالسودان.
وفي ذات السياق، كان قد صرح “الهادي آدم موسى” – رئيس اللجنة الفرعية للبرلمان السوداني للدفاع والأمن والنظام العام- لوسائل الإعلام الروسية بأن مسودة الاتفاقية ليست سوى خطوة أولية نحو إقامة علاقات استراتيجية.
واذا ما نظرنا إلى ذلك إلى جانب اتفاق القواعد اللوجستية لعام 2018 مع إريتريا المجاورة، فسيكون من الواضح أنها مباراة شطرنج إستراتيجية إقليمية المعقدة، يتفوق فيها بوتين على واشنطن.
وبالعودة إلا سوريا، أكد التقرير على أن المرتزقة الروس من مجموعة “فاغنر” الغامضة يعملون في السودان، ففي أواخر يناير نشر جهاز أمن الدولة الأوكراني (الذي كان قد تعقب في السابق مرتزقة فاغنر الذين تم نشرهم في دونباس الانفصالي) على موقعه على شبكة الإنترنت قائمة تضم 149 من مرتزقة مجموعة فاغنر يعملون في السودان بالنيابة عن نظام البشير، وهي تهمة نفتها الخرطوم.
ووفقًا لـ “ذي أراب ويكلي” فإن المرتزقة يقدمون النصح لنظام البشير حول كيفية كبح الاحتجاجات ضد حكمه الذي دام قرابة ثلاثة عقود، وهو مايؤكد على رسالة روسيا المجسدة في الأزمة السورية والتي مفادها أن موسكو حليف قوي، نادراً ما يتخلى عن أصدقائه، بغض النظر عن مدى روعة أو بشاعة سجلاتهم في مجال حقوق الإنسان.
ومن الواضح كما يقول التقرير أن المردود الروسي يشمل عقود تعدين الذهب واتفاقيات استكشاف الغاز الطبيعي واحتمال قيام روسيا بتكرير مصفاة للنفط في السودان بطاقة إنتاج 200 ألف برميل يوميًا، حيث يرتبط ذلك بالقدرة التشغيلية المتزايدة لحقول النفط في جنوب البلاد، والتي سوف تستفيد مباشرة من الوصول إلى ميناء البحر الأحمر.
وبشأن التزام روسيا بالاستقرار السياسي لدى حلفائها، تجدر الإشارة إلى أنه منذ مارس 2009 ، يتجاهل البشير مذكرة توقيف أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب في دارفور؛ إلا أن موسكو لا تعطي أولوية لتغيير نظام قمعي بسبب تهم إبادة جماعية مرتكبة باسم الاستقرار الوطني.
وعلى الرغم من أوامر المحكمة الجنائية الدولية والعقوبات الدولية، فإن المصالح المشتركة للاتحاد الروسي والسودان تضمن استمرار تعاونهما بما يعود بالنفع على كلا البلدين، وهو ما يسلط الضوء على مبادرات السياسة الخارجية الروسية قبل عقد قمة حول البحر الأسود توفر بدائل سياسية إضافية تنافس تلك المطروحة من واشنطن وبروكسل.