باريس _ صوت الهامش
أفاد تقرير حديث بأن قرار الرئيس السوداني “عمر البشير” بفرض حالة الطوارئ وتعيين حكام عسكريين موالين له على رأس الولايات، وتخليه عن حلفائه السياسيين لم تكن خطوات نحو الأمام، ولم تقم بالغرض منها ألا وهو وقف مطالبات المتظاهرين بتنحيه.
وقال التقرير الصادر عن “أفريكان كونفيدينشال” واطلعت عليه “صوت الهامش” أنه مع حصول المتظاهرين في جميع أنحاء البلاد على دعم متزايد سواء دوليًا أو محليًا في دعواتهم للخروج، فإن خيارات البشير بدأت تتلاشى بسرعة.
وكشفت “أفريكان كونفيدينشال” إن خيرات البشير باتت تتضائل خاصةً مع تحرك التطورات الإقليمية ضده، وهو ما تثبته معظم المفاوضات خلف الأبواب المغلقة والتي دائمًا ما تتطرق إلى فكرة الانتقال السياسي من النظام الحالي إلى مرحلة يمكن أن تعقد فيها انتخابات موثوقة.
وغالبًا ما تطرح تساؤلات من قبيل كيف ومتى يخرج البشير من السلطة ومن تلك الحالة التي توصف بأنها أبعد ما يكون عن الاستقرار.
واعتبر التقرير أن العاملان الحاسمان للإجابة على هذه التساؤلات هما قوة حركات المعارضة التي اتحدت حول الدعوات إلى رحيل البشير، وهشاشة البشير أمام انقلاب داخلي من قبل كبار الضباط في القوات المسلحة.
ولا شك في أن تصميم المعارضة لا يخلو من بعض الدلائل حتى الآن على وجود ثغرات في الدعم العام للقيادة العليا للبشير ، على الرغم من التقارير التي تفيد بوجود انشقاقات ومؤامرات ضده.
وأشار التقرير إلى أن العديد من كبار الضباط المتواطئين منذ عقود في عددٍ من الفظائع الإنسانية في “دارفور” و”جبال النوبة” وأماكن أخرى ، يشعرون بالقلق من الانتقام في حالة انهيار النظام.
وفي أحسن الأحوال، ينقل التقرير وجهة النظر القائلة بأن الكثيرين يريدون أن يروا عملية انتقال مُدارة يمارس فيها البشير دورًا، إلا أن نشطاء سودانيون ينظرون إلى وجهة النظر تلك، والتي سبق وأن اقترحت بهدوء في اجتماع الاتحاد الأفريقي في أديس في الشهر الماضي، هي ببساطة واقعية سريالية.
ووفقًا لـ “أفريكان كونفيدينشال” فإنه يبدو أن إعلان البشير عن فرض حالة الطوارئ في الـ22 من فبراير الماضي، والذي قوبل بتصعيدٍ في الاحتجاجات، كان محاولة لضمان ولاء الجيش، بتعيين ضباط كبار في جميع ولايات المقاطعات الثماني عشرة، وهو ما وصفه مصدر بالخرطوم لـ “أفريكان كونفيدينشال” بأنه خطوة لانقلاب البشير على حزب المؤتمر الوطني الحاكم، الذي جرد الاسلاميين من السلطة السياسية.
وأكد التقرير على أنه بالرغم من أن المعارضة وبعض الحكومات الإقليمية تصر على أن رحيل البشير هو خطوة أولى أساسية لتنظيم عملية انتقال سياسي ديموقراطي، إلا أن الزمرة الحاكمة تحاول التشويش على القضية الرئيسية.
ففي قمة الأمن في ميونيخ في 15-17 فبراير ، ورد أن رئيس الأمن “صلاح محمد عبد الله قوش” قد مارس الضغط على نظرائه من مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة لإيجاد طرق لدعم استراتيجية الخروج الأنيق للبشير، وقد سُرب ذلك عندما ذكرت قناة الجزيرة الفضائية القطرية أن قوش التقى بمسؤولين أمنيين إسرائيليين في ميونيخ.
لم يقتصر كشف الأمر على تعقيدات في العلاقة بين “قوش” – والذي يعتبره البعض ثاني أقوى رجل في البلاد- والبشير، ولكنها عملت على تعزيز الخلاف بين الخرطوم وقطر.
وجدير بالذكر أنه في وقت سابق من العام الماضي، كان البشير قد سافر إلى قطر سعيًا وراء عملية إنقاذ مالية، وهو ما لم يتم رفضه فحسب، بل رفضت الاجتماعات مع كبار المسؤولين، كما “أذله” نظام الدوحة – بحسب تعبير “أفريكان كونفيدينشال”- بعدم دعوته إلى عرض عسكري كان فيه معظم الطلاب سودانيين.
وتكمن مشكلة قطر مع البشير هي انحيازه إلى السعودية والإمارات العربية المتحدة في حرب اليمن، حيث أصبحت الأموال المدفوعة للقوات السودانية دعامة حيوية لخزينة الخرطوم.
كما أنه يتعامل بطريقة نأي النفس – مرة أخرى بناء على طلب من السعودية ومصر – من مؤيدي الإخوان المسلمين، باعتبار أن تلك الطريقة ثمن لاستمرار دعمهم.
وقد توصل محاورون آخرون مع البشير وزمرته الحاكمة – بما في ذلك الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة ووزارة الخارجية الأمريكية والمجموعات السياسية الداخلية – إلى تفسيرات مختلفة لما سيشمله أي انتقال.
ولفت التقرير أن ممثلو الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يَرَوْن أن عملية الانتقال من المرجح أن تتضمن تنحي الرئيس في المشهد القريب، مع أو بدون جزرة تعليق تهم المحكمة الجنائية الدولية ضده، وأضعف صيغة من هذه الصيغ هي أن يتعهد البشير ببساطة بعدم خوض انتخابات 2020.
بينما كشف التقرير أن ممثلي الاتحاد الأوروبي (ومعظمهم أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية) أقل استعدادًا من الولايات المتحدة للتفكير في أي تعليق لتهم الإبادة الجماعية ضد البشير لأنه سيشكل سابقة، ويمكن أن يؤدي إلى قرع جرس الموت في المحكمة.
بينما تبدي الحكومة الأمريكية معارضةً لهذه الرؤية، ولا سيما مستشار الأمن القومي “جون بولتون” ووزير الخارجية “مايك بومبيو” ، المحكمة وتتخلى عن أي تعاون أميركي معها.
أما فريق “ثابو امبيكي” من الاتحاد الأفريقي فيبدو أنه يتوخى دور البشير في إدارة عملية الانتقال، ويحرص على إبقاء أي مشاركة للأمم المتحدة إلى الحد الأدنى.
وأفاد “أفريكان كونفيدينشال” بأنه بعد مناقشات بين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو “غوتيريس” والبشير في أديس أبابا الشهر الماضي كشفت مصادر في الخرطوم أن مكتب الرئيس قد رفض بقوة أي فكرة لمقرر خاص آخر للأمم المتحدة بشأن السودان، كما عارضت كل من مجموعة البشير وامبيكي في الاتحاد الأفريقي فكرة “غوتيريس” بتعيين “نيكولاس هايسوم” كمبعوث خاص له.
وتبقى المنافسة الرئيسية بين تشكيلات المعارضة والأجهزة الأمنية التابعة للدولة، إلا أن ما يغير الوضع بين يوم وليلة هو تصميم ومرونة المتظاهرين في ولايات البلاد، ثم تنظيم المجموعات المهنية من الأطباء والمحامين والمعلمين والصحفيين الذين نظموا إضرابات في الخرطوم والأبيض ومدني وعدة مدن أخرى.
وأختتم التقرير قائلاً أن استخدام وسائل مختلفة للتنظيم – الاحتجاجات الجماهيرية ، التجمعات الصغيرة ، الاعتصامات ، الإضرابات ، الخطب في الأسواق ، الاحتجاجات السريعة الخاصة – جمعت هذه الحركة المعارضة الجديدة بسرعة، بسب الدعم الجماعي والأخطاء التي يقع فيها البشير وأجهزة الأمن التابعة له.