لقد ظل السودان معضلة دائمة على مائدة السياسة الدولية منذ استقلاله، ونجاح النظام الحالي في البقاء لثلاثين عاما، زاد من تأزم الحالة السودانية. وعلى نطاق إقليمي فإن التغييرات التي تكتسح المجال العربي والإفريقي تضع السودان في موقف معقد ما بين أزمات الدول العربية والإسلامية، وبين عملية مستمرة من إعادة التشكيل والتموضع والصراع البين و الخفي على محور البحر الأحمر وشرق أفريقيا. وبينما تحاول دول مثل إثيوبيا إيجاد منافذ لها للتوسع والتنفيس عن ضغطها السكاني عبر احتلال مناطق داخل الحدود السودانية الشرقية، فان أزمة النفط جعلت المملكة العربية السعودية تبحث عن وسائل استثمار جديدة وبالنتيجة أعادت صياغة علاقتها مع مصر عبر صفقة تجارية كان السودان ضحيتها عبر إعطاء جزيرتي صنافير وتيران للسعودية وحصول مصر على حلايب وشلاتين.
ومع بقاء السودان دولة مهتزة ومنهمكة بصراعاتها الداخلية و رزوحها لعقود تحت رحمة الاخوان المسلمين، يصبح السودان غنيمة سهلة يتقاسمها الآخرون حتى دون إخطار أهله، بل بتجاهل تام لردود أفعالهم. وبينما يفرط النظام في حدود السودان بكل سهولة لصالح دول أخرى يدعي أنه يحافظ على وحدة وتراب الوطن عبر قتال ما يسميهم بالمتمردين عليه من دارفور إلي جبال النوبة إلى النيل الأزرق. وفي سبيل ما يسميه دفاعا عن الوطن والعقيدة يقتل الأطفال ويقصف المدارس والمستشفيات في وضح النهار، ويسحق مواطني دولته بكل برود بدعوى الدفاع عن الوطن. فيما يبدو أن الوطن فقط يتم الدفاع عنه في جبال النوبة ودارفور والنيل الأزرق، ويبدو أن النظام لا يقاتل لحماية حدود الوطن التي تحتلها دول أخرى. بل هو فقط يجيد قتال وقتل مواطنيه من ساحات الجامعات إلى كراكير الجبال.
وفي ظل هذا العبث يضيع الوطن أرضا وشعبا ومواردا وهيبة واحتراما امام الأمم. وفي سبيل حقنة الريالات السعودية وبعض التأشيرات للسفر للخارج يبيع البشير أرض السودان بالتجزئة في سوق العقارات التي تجاوزت جامعة الخرطوم ومباني الوزارات والمؤسسات الوطنية كالخطوط الجوية والبحرية وغيرها، ليصل ليبيع مناطق بأكملها بمن وما فيها. أي أن البيع أصبح بالجملة، علينا جاي ولاية الجزيرة للبيع والقضارف وكسلا والدمازين وهلم جرا يستمر المزاد. وما يقوم به البشير ليس سوى سمسمرة بالوكالة من أجل كومشنات السادة الكبار الذين يعيدون ترتيب العالم والمنطقة جنوب المتوسط بأكملها بما في ذلك أفريقيا شرقا وأفريقيا جنوب الصحراء.
ولا يصلح لتنفيذ تلك الأجندة التفكيكية والمدمرة للاوطان، سوى الإخوان المسلمين وجماعتهم الدولية التي لاتنتمي لوطن ولا تحترم سيادة الشعوب، بل تسعى ا إلى أمه إسلامية هلامية تبكي فيها النساء على أطفال سوريا وغزة ولا تذكر جوع جيرانها وأهلها داخل وطنها . وفي ظل هذه الظروف المحلية والإقليمية والدولية ينحدر السودان نحو طريق مجهول الا اذا استعاد السودانيون وطنهم من أيدي التنظيم الولي ونجحوا في تفكيك القنابل المؤقوتة التي فخخها الإسلاميون لتفجير هذه البلاد حتى لا يخسر وا آخر معقل لهم في المنطقة، لذا فإن المخرج هوإزالة هذا النظام لانقاذ السودان وارضه وشعبه.