عثمان شبونة
* المِحن الكبرى توحِّد مشاعر الناس.. لكنها إن ظلت ــ هكذا ــ وحدة مؤقتة مرتبطة بحدث معين؛ فإن ذلك مبرراً لمتعهدي الإجرام بالاستمرار في تجاوزاتهم الخطيرة بحق الشعب.. وقد تبين أن فصيلاً من “المتعهدين” يعتمد عليهم نظام البشير ــ باطمئنان ــ في القتل والأذى (هؤلاء خارج تشكيلة القوات المتعارف عليها بالنظامية) وإن كانت الأخيرة تحميهم وتهيئ لهم “نفاجات” الإنفلات.. هذا الفصيل من طلاب حزب البشير الحامل لاسم الربّاطة؛ لا تستطيع قوة ما القبض على أفراده؛ ولا عدالة تجرؤ لملاحقتهم..! مصدر حصانتهم هو التبعية العمياء للتنظيم القابض على البلاد والزناد..! فإذا كان الفلسطينيون ــ الشعب المُرهَق ــ قد ابتكروا (طعن) الجنود الإسرائليين فعلينا التعلُّم من (حِيَلِهِم) التي أرعبت عدوهم.. علينا التعلُّم بحيث يكون سلاح المقاومة في السودان أنجع مع (الربّاطة).. فمن يحكمون يجرّون بلادنا جراً ــ وبقوة ــ لبديل العنف.. يحولون المُسالم إلى (قنبلة) أو هكذا ينبغي أن يكون.. وهم ــ حكّام السودان الآن ــ أشد خطراً على الداخل من أي عدو خارجي (حاضراً ومستقبلاً)..
ألا تكفي التفرقة والكراهية التي يؤججونها بين الكيانات؟؟!! ورغم أن الدعوة إلى مبادلة العنف بالعنف ليست من الكياسة؛ لكنها حتمية يقررها النظام الحاكم (نفسه) عنوة بأفعاله، وواقعياً ليست له وسيلة للبقاء المخزي إلاّ بأسباب سلمية الآخر واستسلام المكان.. فهل سيُقابَل القهر والبارود بالورود؟! هل سنتخذ من غاندي مثالاً وجماعة البشير ليس لهم مثيل في التاريخ (سواهُم)؟؟!! فبغير تمزيق المجتمع وتشريده؛ وتشويه الدين بعنادٍ وتعمُّد؛ والعداء تجاه أرباب “الديانات الأخرى!”؛ وبغير ترسيخ القبلية والعنصرية (التي لن يكون آخرها الترويج لتغيير اسم دارفور!)؛ وبغير تدمير المشاريع والمؤسسات؛ وتخليق المعاناة من العدم! بغير ذلك يقسمون السودان شر مقسم؛ يهبون أراضيه لقمة سائغة للغير كما يحدث شمالاً وشرقاً..! ومنطقة حلايب التي يحتلها المصريون ويكثر الجدل حولها بين فينة وأخرى؛ لا تسبق الخرطوم في أولوية التحرير من دنس المتأسلمين وعساكرهم..! إذا لم يتحرر السودان لن تتحرر القِطع العزيزة المسلوبة، ولا فرحة تُطرِب من تحرير “الجزء” بينما “الكُل العظيم” يرزح تحت نير البغي (الإخواني)..!
تحرير الأرض تلزمه سلطة وطنية ورئيس حقيقي غير هذا (البو) الطريد.. وتلزمه قوات لا مكان فيها للمليشيات الرخيصة والخوارج (السَّبهلل)..! ثم.. أعيدُ إلى الذاكرة القول بأن حلايب يستعمرها جيش (وطني) لدولة أجنبية؛ أما السودان فتستعمره جماعة أجنبية بعملاء ومرتزقة يحملون الجنسية السودانية، والوطنية لدى من لا يعرفون ظلالها ومعانيها تظل في حدودها القصوى (حماية مصالح اللصوص والقتلة الحاكمين لبلادنا)..! ما يجعل الوطن وأراضيه وإنسانه في مرمى التهوين والإستباحة والأطماع الوافدة؛ أن الأنظمة المجاورة والبعيدة تدرك أنه ليست على رأس دولة السودان حكومة وطنية ذات غيرة على الأرض أو الإنسان أو التاريخ؛ بل على رأسها مجموعة مجرمين محترفين يسمون (حكومة)..! وقريباً من هذا المحور نجد حتى طلاب هذه الحكومة المفتراة يولون انحيازهم لغزة (الحمساوية) أكثر من السوان؛ بدلائل أكثر وضوحاً ورسوخاً من ذلك التصريح الأجوف لرئيس اتحاد الطلاب السودانيين؛ الذي قال بمنتهى “المياعة العقلية” واليباس الوجداني: (إن حوجة طلاب غزة أولى بالدعم من السودانيين)..! فإذا كان طلاب البشير (الساجدون له) يقدمون حاجة (غزة الإرهابية) على حاجة الخرطوم وبقية المدن السمراء؛ فما الغريب إذا فتك سفهاء التنظيم الإخواني بالطلاب السودانيين؟! وتبقى الإشارة واجبة تجاه (قتلة الجامعات!) ألا وهي (قتلهم على الهوية!) في الغالب أو (المُدرك بالضرورة).. وللنظام حظائر ملأى بقطعان (العنصرية)..!!
* وبمناسبة الإرهاب؛ فإن البشير لا ينتبه لخلفيته السوداء؛ وكأنه يخاطب خياله “في ما يلي”؛ فمن أعاجيب الدنيا أن يكون نظامه أول نواة صلبة للإرهاب في إفريقيا؛ ويحاول إيهام العالم بعكس ذلك..! الشاهد على الأعجوبة مؤتمر دولي أقيم مؤخراً حول التطرف والإرهاب في إفريقيا؛ فقد خاطبه البشير؛ وقال في سياق الأضاليل: (إن الإسلام دين عمادهُ الوسطية والإعتدال ويقوم على المحبة والرِّفق والتسامح)..!
* أي والله.. هو البشير ذاته؛ داعية التسامح والرفق (في قاعة المؤتمر!) حتى إذا خرج منها دعا إلى القتل والقهر والتعذيب والتجويع والتشريد بلا رفق وبلا اعتدال؛ في أوساط الطلاب وعموم الشعب.. هو البشير نفسه الذي يصبُّ الحِمم فوق الجماجم والشجر والدواب وبيوت القش.. هو ذاته الكذاب ناشر الإرهاب والاغتصاب والخراب والعذاب..! بل رعايته للإرهاب تفوق في شهرتها رعاية الكوكاكولا لكأس العالم..! يتحدث المخلول عن تسامح الإسلام؛ بينما ــ هو ــ يحيل التسامح إلى معنى غرائبي ــ إنحرافي؛ قميء ــ فطوال فترة اختطافه للوطن يسامح الفسدة فقط ويتستر عليهم، بل يمنحهم الضوء الأخضر للإفساد..! ومن بين وجوهه العديدة لن تجد وجهاً للإسلام البتة؛ إنما تلمح بسفور وجه سفاح؛ وجه منافق؛ وجه خائن؛ وجه لص؛ وجه جبان مولغ في آنية “الأنانية”!! ثم وجه كائن ثقيل فات تبويبه على مؤلف كتاب “ذم الثقلاء”..!
* لو كانت للألفاظ استشعارات خاصة؛ فإن أي لفظ (ساقط) يستحي أن يُقرن بقائد (قوى الشر) الذي يرمي برصاصه الطلاب العُزل؛ كما يرمي جهنم على غيرهم في أطراف البلاد..! ولن يرعوي حتى أجل السقوط.. كيف يرعوي من تتراكم جرائمه وجرائم منسوبيه (تراكم الرمل على الرمل) ودون حساب؟؟!!.. فالإفلات من الحساب وتزيين الهوى للنفس بأنها محصّنة ضد العقاب؛ كلها دوافع تجعل عدّاد الموت مرتفعاً ــ مع وتيرة الأيام ــ بذخيرة النظام.. وقد أشرتُ مرةً إلى أنه ليس للبشير ولد أو بنت حتى يستدرك (حُرقة حَشا) الأمهات والآل الذين تصيبهم الفاجعة ببارود القتلة الصغار (الرخاص) المستأجرين بأمره.. فالواحد من هؤلاء (الفاقد الأخلاقي) يستحسن إزهاق الروح (بنصف كيلو باسطة!) وربطة صغيرة من الجنيهات القذرة..! فإذا لم تتغير معادلة هتافنا الشعبي وبياناتنا إلى فعل جماعي يفجِع القتلة (الكبار) في بيوتهم سيستمر نهج الإبادة (بالقطاعي)..! نعم.. إذا كان البشير ورهطه لا يأبهون بحصاد الجملة من الرؤوس فماذا يعني لهم اغتيال طالب أعزل في كردفان أو أمدرمان؟؟!!
إزاء هذا الوضع المثير لحِمية أي حر لابد أن يتغير شعب السودان إلى القسوة و(الفتوة!) والتحلي بروحها في التعامل مع الفئة الباغية الحاكمة، بإعتبارها ضد رغبته في الحياة (الطبيعية!)؛ وباعتبار الحاكمين مسلطين للنيل من كرامة المواطن كهدف مُعلن.. وباعتبار أنه لا فرق في التفكير بين نهج (القصر الجمهوري) ونهج أصغر طالب إخواني يحمل سيخة أو فوهة للإعدام..! وبحسب التجربة والمعايشة فإن انتظار السِّلم والخير والفلاح من البشير و”تلاميذه” وجنوده؛ محض تهيؤآت غبية..! لا رادع لهم إلاّ تصميم الجموع على الثورة ومن ثمَّ الثأر الذي يخشونه..! يجب توحيد صفوفنا ومشاعرنا دون مزايدة أو (تراخي!)..! مقاومة من يستبيحون الوطن حتى بعد دخوله عداد (الخـُـردَة) لها من الدوافع الكثير؛ ليست أقلها دموع الأمهات الثكالى..! هذه (الطيبة) التي توسِمنا أو “ندّعيها” ستجعل منا عبيداً للطغيان؛ أو كادت..! ويعلو القهر ليصير (نمطاً معتاداً) كلما أحس القتلة بنشوة (القنص)؛ واطمأنوا بأن ظهورهم مسنودة بأصنام السلطة..! إن وقائع اغتيالات الطلاب المتكررة لم تكن فعلاً فردياً يتحمله الجهلاء (التوابع) وحدهم.. الاغتيالات أولوية العتاة وأمر (يجب تنفيذهَ!) لكي تستمر (النفايات البشرية) في الحكم.. والإغتيالات في المقام الأول رسالة يبعثها البشير ــ شخصياً ــ لأي متظاهر يحاول هز عرشه؛ فالنهاية لديه (غير واردة!)..!
خروج:
* الثورة.. لا هي أسطورة ولا خرافة ولا مستحيل؛ بل (مُمْكِن) تتوفر عناصره في السودان منذ أكثر من عقدين.. كما تتوفر دوافع (الثأر) بموضوعية لا جدال فيها.. الثأر من (الكذاب) وجنوده.. وحينما نقول (جنوده!) فإننا نعني الكلمة بالضبط؛ لأنهم ليسوا جنود السودان ولن يكونوا..! تلزمنا ــ تصاعدية ــ الحمية للثورة؛ لتكن دبيباً يومياً في العصب الحي..! أما هذه العربات “المرقطة” التي تحمل الحيارى مسلوبي الإرادة من ذوي الرُّتب؛ فإنها لا تتحرك إلاّ بدوافع ظروفهم “المصنوعة”؛ إذ يستغلهم النظام بعيداً عن شيء اسمه الوطن.. فهم يحرسون بضعة فاسدين “تفوح روائحهم النتنة متجاوزة للحدود والبحار”..! لو كان حاملو الهراوات والطبنجات (واعين) بحقيقة النظام المعطوب الذي أفقر أهلهم وأهلكهم “ومرمغ” كرامتهم في التراب؛ لو كانوا كذلك ــ بألباب تستوعب فداحة العار الإخواني ــ لانقضّوا على (طغاتهم) بانتقام لم يسبق مثيله.. لكن.. لعن الله الفاقة والجوع وغسيل الدماغ..!!
أعوذ بالله