د.بخيت أوبي
مما يستدعي التفكر و القراءة من كتاب الواقع المعاش والمفروض والمصطنع والمتعايش معه منذ ميلاد الدولة السودانية ظاهرات عدة ظلت لصيقة بصناعة التحولات التأريخية من ناحية نظرية وتنظيرية بصورة متلازمة
ظلت في الناحية الاخري الترس الخفي للمحرك يدور عكس الاتجاه الايجابي للاجزاء الاخري، كلما برق في الافاق بارق التغيير وامال البناء والنهضة والرفاه، ماج الموج عكس الامواج الاخري التى تلوح وتبين بصورة اخاذه ومنثاله انثيال ارباب افكارها واصحاب نظرياتها التى تمتلئ بها ادابير الكتب وساحات المؤتمرات والمفاكرات والمناظرات والمناطحات الفكرية واللقاءات فى الوسائط المختلفة، محصلتها انتاج اللاشئ والبراعة في اخراج الخلاف والشقاق في اسوأ صورها، مما يربك الكرة المتدحرجة للدولة، مما يسوق اشواق المراقبين في المستويات المختلفة لايجاد منفذ ينفذون بها الى مركز الكرة حتى تصبح اكثر ارتباكا فتفقد على اثرها الاتجاه والمبتغي بحيث تسير بلا مدار او مسار محدد، وما يعرف به الترس الخفي هو ازمة الاحتكار في الاوجه والركائز التى تقوم عليها قائم الدولة منها مؤسسات القطاع العام ومؤسسات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني بانشطتها المخلتفة الاجتماعية والسياسية وغيرها. فاذا اعمل الفكر واستدعيت صفحات التأريخ المنظور بعد استقلال البلاد وقبيلها بفترة ليست بالطويلة يمكن اجمال اشكاليات الاحتكار من أطر عامة قبل الولوج الى تفصيلاتها في القطاعات المختلفة، من البعد الاجتماعي نجد الاحتكار متأصل في المجموعات السكانية وجزئياتها وفرعاياتها انطلاقا من الاثنيات والقبائل والعشائر والبطون والاسر، متمثلة في النزعة في احتكار السلطة والموارد والمكاسب والرغبة الاكيدة المتجذرة في اقصاء الاخر بالوسائل الناعمة والعنيفة، مما انتج النزاعات والحروبات، فالفيروس انتقل الى مثقفوها وعملوا على اشعال فتيلها كلما خمدت قواها وحركتها ، وكلما تحركت فيهم نزوات الشوق الى السلطة واقتسام المكاسب وان كان على جمام البسطاء، فالتبادل في المنافع والمكاره والتعاضد والاجتماع على الباطل اصبحت السمة الغالبة للمجموعات كلما تقارب العهد في الزمان وتناقص واندحي كلما تباعد الزمان في التأريخ، مما يمكن من استخلاص وجود فاعل خفي تحركه المصالح والمطامع. فاذا تم اسقاط المثال على ركائز الدولة يمكن تحسسها في الاتي:
*مؤسسات القطاع العام: امتدت وتمددت عقلية الاحتكار المشار اليه في الجانب الاجتماعي الى مؤسسات القطاع العام، فصارت اقرب الى المؤسسات القبلية أكثر منها من واجهة مهمة للدولة، فعملت فيها العقلية الاحتكارية عملا فاعلا ومؤثرا حتى صارت بلا أي اثر يذكر في حيوات السكان الا الجبايات بما يذكر بالعهد التركي المصري في السودان، مما جعلها طارده وقاتله للطموح وامال بناء الدولة، مؤسسات لا تنتج شيئا لا ترصف طريقا ولا تبني مشروعا يحل ضائقة المعاش ويمتص فائض العطالة لملايين الشباب، مؤسسات يحملها المواطن على كتفيه مما اثقل كاهله، اما ان اوان صياغة واعادة بناء تلك المؤسسات بصورة اكثر ايجابية وتأثيرا في حياة الناس، واعطائها دواء ناجعا وشافيا من الامراض التى لحقتها من ايدى العقليات المحتكرة والمنكفئة وقوي النظام البائد التي تعضد الفساد المالي والاداري والتدمير الاعمي لقومية المؤسسات ونزع ثقة المواطن من المؤسسات العامة، وتغيير نظرته من انها مؤسسات خلقت لكي تقتات من قوت الشعب الى صورة جديدة تكون شريكة في الانتاج والخطط والتنفيذ وتزيح المسافات والمساحات المختلقة الى اخري اكثر تقاربا وتجانسا وانفتاحا الى السكان.مؤسسات لا تقف مع القوي لتقهر الضعيف ولا تكون القبلية والجهوية والمناطقية احدي مسلماتها ( حالة تهريب النساء للذهب في ارحامهن عبر مطار الخرطوم؟ حالة يجب ان تخضع للدراسة والتحليل وليس الادانه والتجريم، ما الذي يجعلهن يفعلن ذلك؟ الا يمكن سن قوانين جديدة تسمح للذين يرزحون تحت الفاقة ان يصدرن بطريقة رسمية، قوانين تتيح للفقراء ان يعملون حسب امكانياتهم في التصدير والاستيراد بصورة رسمية دولة لا تحارب مواطنيها، دولة تتيح للمنتج ان يصدر انتاجه مباشرة الى الخارج وفق شروط محددة)
*مؤسسات القطاع الخاص: ظاهرة تكاثر وتناسل المؤسسات الخاصة من المؤسسات العامة وحالة التزاوج والتفاعل بينها بحيث ابتلعت الاولي الكثير من المؤسسات العامة وذابت فيها ونمت وامتدت وبطرت وفرضت سلطانها على الثانية، حتى اصبح من العسير التفريق بينهما من حيث الامتيازات والحصانات في فترة النظام البائد خاصة، ومن اغرب ما في السودان لا يجد المواطن خيارا الا التعامل مع عدد محدود من المحتكرين للسلع والخدمات في فضاء سوق الاعمال السوداني، مما يشكك في مصداقية وعدالة وشفافية ونزاهة ادعاءات الحماية للشركات الوطنية، فالاحتكار من السمات العامة التى لا تخطئها العين في السودان، والا كان الانفتاح هى السمة الغالبة وتدفق الشركات الخاصة من قارات العالم وان لم يكن ذلك فدول الجوار الاقليمي في الاتجاهات الثلاث، فتدحرج كرة الاقتصاد وتدهور مستوي المعيشة مرجعة الى الاحتكار، وعقليتها العتيقة التى كبلت ابداعات وطموحات الشعب وحولته من شعب منتج الى مستهلك دائم لانتاج الاخرين، فعدم تشجيع صغار المنتجين والمستثمرين ورفع القيود عنهم اعتي عائق في درب النمو الاقتصادي، وتكبيل كذلك مناطق الهامش المنتج ( انتاج زراعي) من استخدام المطارات الولائية للتصدير ايضا عائق ومسرب لكتله نقدية مقدرة من العملات الصعبة وتسرب كذلك فائض المنتجات الموسمية وتلفها خاصة الخضر والفاكهة، وكذلك عدم رفع القيود والاجراءات البيروقراطية السلحفائية للمؤسسات العامة وعدم الثقة في اوجه صرف ايراداتها وانتشار المحسوبية والقبلية والرشوة فيها من اوتاد المعيقات الاخري، اما ان اوان اعادة ترتيب مشهد الاعمال بصورة مشجعة لكل مواطن راغب في الاستثمار، ولكل اجنبي حسب القوانين حتى تنفك وتنحل عقدة الاحتكار والانكفاء والعيش في ردهات الماضي السحيق.
منظمات المجتمع المدني:
+ المنظمات الطوعية: كثير منها تماحت مع النظام البائد وانحرفت من مسارات اهدافها المرسومة ، اذ انها اصبحت مطية من مطيات النظام لتنفيذ اجندته الامنية والسياسية، بحيث اصبحت جبراكات( مزارع صغيرة ملحقة بالمنازل لتغطية احتياجات المنزل من الطعام) لادرار المال والتكسب غير المشروع واداه من ادوات ارهاق ميزانيات المنظمات الدولية حتى لا تحقق اهدافها في خدمة السكان المتأثرين بويلات الحروب والكوارث الطبيعية، فالحق لقد ظلت بعض المنظمات الوطنية صامدة ولم تنحرف عن اهدافها، لكنها تعرضت لقيود ومضايقات عصفت بانشطتها، فمسار المنظمات الطوعية تحتاج الى مراجعة شاملة وشطب الوهمية منها.
+ الاحزاب السياسية: لازمت الطائفية منها الاحتكار والجمود والعقلية الاحتكارية والتوارثية، بحيث انطمست اثارها في اواسط الشباب المستنير، وغلبت على الحديثة منها احتكار السلطان في يد قلة تحرك محركاتها بعجلة الاعلام وبعد اللقاءات والبيانات من حين الى اخر لتثبيت الوجود، تفاعلت في المركز وماتت في الاطراف والهوامش في وسط العامة، وظهرت في الجامعات.فعقلية الاحتكار لدي الاحزاب واختفاء الديمقراطيةفي داخلها يتسرب إليها الشك في مدي ايمانها بالديمقراطية، وغابت اثرها من الحياه العامة عدا بعض الضجيج الاعلامي وتهافتها على الصراع السلطوي وقضاء جل عمرها في الصراع السياسي، اما ان الاوان ان تنحي الاحزاب منحا جديدا منتجا وواقعيا في حل القضايا العامة بالممارسة العملية لا النظرية، بحشد مواردها وعلاقاتها الخارجية وتحريك قواعدها للعمل المنتج والملموس بالنفير في بناء المستشفيات والمدارس والطريق واخذ استراحة من الصراع السالب غير المنتج، وترك الحكومة التنفيذية لحل القضايا الملحة.
هذه بعض شذرات وتفكرات في الواقع المعاش يمكنها ان تحرك بعض مواضع المياة الراكدة.