لندن – صوت الهامش
قالت مجلة الإيكونوميست إن السياسة في اثيوبيا عادة ما تجري شئونها خلف الأبواب المغلقة، وإن متابعة تلك الشئون مثيرة كمشاهدة رغيف خبز (الإنجيرا الإثيوبي) لحظة انتفاخه، مؤكدة أن التغيير عندما يحدث في إثيوبيا فإنه يكون كالبرق الخاطف من السماء.
ولفتت المجلة إلى أنه ومع بداية العام الجاري، فاجأت الجبهةُ الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية، المراقبين بإعلانٍ يفيد بإطلاق سراح كثيرين من آلاف المعتقلين السياسيين والعفو عنهم؛ لكنْ عندما بدا مؤخرًا أن الحكومة تماطل، اندلعت الإضرابات والتظاهرات عبر مناطق الأورومو والأمهرة اللتين تمثلان الأغلبية في السكان والتمرد.
وأشارت المجلة إلى استقالة مفاجئة لـ هيلي مريام ديسالين، رئيس الوزراء المحاصَر ورئيس الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية، الذي قال إنه استقال لأن الاضطراب والأزمة السياسية تمخضت عن سقوط أرواح وأنه يرغب في أن يكون جزءًا من الحل.
وقالت الإيكونوميست إن استقالة ديسالين في حقيقة الأمر كانت متوقعة منذ أشهر؛ ذلك أنه بدا قائدًا ضعيفا وغير مميز على النقيض من سلفه ميليس زيناوي القوي الذي قاد البلاد مدة 17 عاما حتى اغتالته يد السرطان فجأة عام 2012.
ونوهت المجلة عن أن فترة حكم ديسالين شهدت حلقة مفرغة من التظاهرات المناهضة للحكومة؛ وقد تواترت أنباء عن محاولته الاستقالة غير مرة على مدار العام الماضي لكن رفاقه أقنعوه بالبقاء في منصبه على الأقل لحين انعقاد مؤتمر الحزب الذي كان مزمعا في مارس المقبل لكن مراقبين يشيرون إلى احتمالية تأجيله لموعد لاحق خلال العام الجاري.
وبحسب الإيكونوميست، فإن استقالة ديسالين فتحت الباب على صراع على السلطة داخل الائتلاف الذي يحكم إثيوبيا منذ عام 1991 عندما لم يكن يزيد عن كونه مجرد تجمُّع من الكيانات المتمردة.
ويضم ائتلاف الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية عددَ أربعة أحزاب قائمة على أساس العِرق ولطالما سيطرت عليه “جبهة تحرير شعب تِغراي” التي تمثل مجموعة الـتِغراي التي تشكل نسبة حوالي 6% من سكان البلاد. غير أن قوة هذه الجبهة قد دبّ فيها الضعف.
ولفتت الإيكونوميست إلى أن حزب “المنظمة الديمقراطية لشعوب أورومو”، الذي يمثل المجموعة العرقية الأضخم في الائتلاف الحاكم، ظل يبدو على مدى سنوات كألعوبة في يد جبهة تحرير شعب تِغراي؛ لكن في ظل قائده الجديد “ليما ميجيرسا” صاحب الكاريزما، أعاد حزب المنظمة الديمقراطية لشعوب أورومو تصدير صورته كـحزب شِبه معارض، وهو الآن يحاول أن يأخذ موقع القيادة مدفوعا باعتقاد سائد بين شعب الأورومو بأن دورهم قد حان لكي يتولى أحدهم مسؤولية القيادة.
وأكدت المجلة أنه، في أوساط شعب الأورومو، وربما أيضا في أوساط شعب الأمهرة، يسطع نجم “ليما ميجيرسا” بوصفه القائد المفضل للائتلاف؛ لكن ذلك لن يروق للأحزاب الأخرى المكوِّنة لائتلاف الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية.
ورصدت الإيكونوميست تخوف البعض من أن قائدا سياسيا مدعوما من قوميي الأورومو لن يضطلع بحماية الأقليات، وهي مخاوف يعززها تعرّض الأقليات التي لا تنتمي لعرق الأورومو لسلسلة من الهجمات على مدار العام الماضي.
ورصدت المجلة دعوة آخرين، إلى ضرورة أن يضطلع نائب رئيس الوزراء ديميكي ميكونين، وهو أمهري، أو أن يضطلع جنوبي آخر مثل هيلي مريام، بأمر قيادة البلاد ريثما تُعقد انتخابات وطنية عام 2020.
وثمة خيار آخر، قد يُرضي على الأقل بعض أولئك الذين يشعرون أن الوقت قد حان لكي يقود إثيوبيا أحدُ أبناء الأورومو، عبر تعيين “ورقيني قبيو”، وزير الخارجية في منصب القائد ريثما تعقد انتخابات؛ غير أن الكثيرين من أبناء عرقيته يعتبرونه مقربا من جبهة تحرير شعب تِغراي وأجهزة الأمن.
ورجحت الإيكونوميست أن يواجه خليفة مريام ديسالين، أيا كان اسمه، رياحًا معاكسة قوية؛ إذ سيتعين على رئيس الوزراء الجديد أن يلبي مطالب المتظاهرين الراغبين في المزيد من الديمقراطية والتخلص مما يراه الكثيرون سيطرةً من جانب جبهة تحرير شعب تغراي، مع الحيلولة دون انهيار الائتلاف الحاكم الذي بات هشًا.
وتوقعت المجلة أن يواجه رئيس الوزراء الاثيوبي الجديد معارضة من جانب متشددين من مؤسستي الجيش والمخابرات اللتين تتمتعان بنفوذ حقيقي في السياسة الإثيوبية ولا تزالان تحت سيطرة شعب الـ تِغراي.