دشن منتدي الصحفيين الذي تنظمه طيبة برس بداية عامه الثاني بإستضافة عميد الصحافة السودانية الأستاذ مجوب محمد صالح، والإعلامي الكبير البروفيسور علي شمو، للحديث عن “الإعلام والإستقلال، حكايات، مواقف وأسرار” والذي قدمه الإعلامي طارق كبلو أمسية الإثنين الماضي بقاعة طيبة برس. وبحضور طيف من الصحفيين والإعلاميين، والسياسيين، والمهتمين بالتأريخ والقضايا السياسية والإجتماعية. أثروا بدورهم المنتدي بطرح الأسئلة علي ما قيل وما لم يقال في حديث الأستاذين الكبيرين.
إبتدر الحديث البروفيسور علي شمو بقوله أن محجوب محمد صالح يعتبر الشاهد الأول للتاريخ، وعن بداية عمله بالإذاعة، ومعايشته لثورة يوليو المصرية كطالب، وكيف كان يعامل السودانيين وقتها معاملة المصريين في المظاهرات والتعامل بنفس العملة وغيرها من الأشياء، وقال “عندما جاءت ثورة يوليو إعتبرناها ثورتنا”، وأضاف بأن الناس يتحدثون كثيراً عن الرئس المصري الأسبق محمد نجيب، فهو سوداني في الثقافة، والقيم، والميلاد، وأصبح ضابطاً مرموقاً وأصيب في فلسطين بالإضافة إلي مواقف كثيرة خلقت منه بطلاً، وأشار إلي أن أغلب الضباط المصريين الذين قادوا الثورة وقتها كانوا في جبل أوليا. وتحدث شمو عن إذاعة ركن السودان وتفاصيل كثيرة جعلت هناك إهتمام خاص بالسودان. ويقول شمو أن الإتفاقية التي أجيزت في الجمعية التشريعية كانت هي الأساس التي تفاوض عليها السودانيين في مصر، وأن محمد نجيب حاول تقوية التيار الإتحادي في مواجه التيار الإستقلالي، كما تحدث شمو عن عودته إلي السودان في وقت بدأت الأوضاع تتغير منذ العام 1954، بدأ فيه السودان يحكم نفسه، وأن توفيق البكري قال بالصدفة أنه يريد من الخريجين العمل في الإذاعة في السودان، وقال شمو أن الإذاعة كان يوجد بها مناضلين وليس موظفين أمثال أبو عاقلة، حيث كان الأداء الوظيفي في الإذاعة يعتبر واجب وطني، وكل البرامج المقدمة تدعم الحكم الوطني، وجلسات البرلمان تنقلها الإذاعة بالحرف من داخل البرلمان للشعب السوداني، وتغيرت خارطة الأخبار إلي متابعة حركة رئيس الوزراء، وأضاف قائلاً “كان لدينا حديث الأربعاء، واستطعنا أن نجعل كل الشعب السوداني حولنا، وكنا نغطي كل الأخبار حكومة ومعارضة في البرلمان رغم إنفراد الحزب الإتحادي بالحكم، ولو تخيلنا الإذاعة غير موجودة لما كان هناك السودان لدورها الكبير”. وذكر شمو كيف أنهم كانو يجلسون مع شيخ الوسيلة، وتقديم مذكرة العشرة بالإستقلال، والحراك الذي كان يدور داخل الوطني الإتحادي من أجل الإستقلال، وحراك ضباط كبار، منهم عبداللطيف الضو، كانوا إتحاديين وطنيين وكان لهم رأي بألا يميل السودان إلي الإتحاد مع مصر.
ويري شمو أن أخطر يوم في كأن يوم 15 وليس يوم 19 الذي أُعلن فيه الإستقلال من داخل البرلمان، وقال أن من ضمن الأسئلة التي قدمت كان هناك سؤال قدم لرئيس الوزراء ووزير الداخلية إسماعيل الأزهري من يعقوب حامد بابكر من نواب حزب الأمة من الشباب، بقوله هل الحكومة لديها النية بمنح قاعدة عسكرية للأمريكان في البحر الأحمر؟، ونفي الأزهري الأمر بقوله أن حكومته مسئولة عن عن ثلاثة أشياء هي الجلاء وقد تم، والسودنة وقد تمت، أما الإستقلال فهو يوم الإثنين القادم، وقال شمو أن هذا كان وعد أطلقه أزهري نتيجة للإستفزاز وأن إعلان الإستقلال من داخل البرلمان كان أساساً جاهزاً. ويحكي شمو عن زيارات رئيس الوزراء في العام 1955م إلي كل من الأبيض، والفاشر، والجنينة، والإحتفالات الكبيرة التي أقيمت هناك، وعن الليلة السياسية في الجنينة التي ظهر فيها لأول مرة كلمة الإستقلال، حيث أرسل الخبر إلي الإذاعة عبر حامية الجيش، وكيف أن الأزهري لم يتناول الطعام ولم يأخذ راحة طوال هذه الزيارات الأمر الذي يعكس القوة الجسدية عند الرجل.
ويقول الأستاذ محجوب محمد صالح أن المراحل الأخيرة للإستقلال شهدت نشاط كبير للحركة السودانية، وأنه منذ سقوط الدولة السودانية في كرري بدأت المقاومة عندما توجه الخليفة عبد الله جنوباً ولملمة جيشه كانت مقاومة، بالاضافة إلي حركة النبي عيسي، والمهدية الجديدة، مروراً بثورة 1924م وغيرها من الحراك، وأشار إلي أنه كانت هناك حركة كبت شديدة بعد ثورة ثورة 1924م من جانب الإستعمار البريطاني، وسخط ضد المتعلمين من قبل الحكم البريطاني، وأضاف بأن القوى المتعلمة تراجعت في هذه المرحلة وبدأت تنشط في الأحياء، حيث تقوم بأعمال ثقافية وتثقيفية، وقراءات مختلفة بدأ ينتج هذا النشاط وعي سياسيي إجتماعي وظهر “الأبروفيين، وناس الموردة”، وغيرهم. ويضيف محجوب بأن هذا الأمر كان يحتاج إلي مجال للخروج إلي العلن. وطاف ببدايات الصحافة السودانية التي جاءت مع الإستعمار، والصحيفة الأولي التي كانت تعمل لصالح الإدارة البريطانية، مروراً بجريدة حضارة السودان ذات الطابع الأدبي، وفي المرحلة الثانية السودانيين لديهم صحيفة يحررونها ويديرونها لكنها لم تصل لمرحلة الصدام المباشر، وأنه بعد ثورة 1924م جاءت مرحلة أخري بدأت بمجلة النهضة الأسبوعية لأبو الريش، والفجر لعرفات، وفي العام 1934م أصبح فيها رأي سوداني يكتب، وحدثت تطورات خارجية أدت إلي إنفراجة، بظهور النفاشية والنازية، وشعور بريطانيا بمواجهة الحرب في العالم العربي والشرق الأوسط، وقررت أن تتصالح مع الحركة الوطنية المصرية والحركة الوطنية السودانية، وأخذت مجلة الفجر في هذا الوقت تأخذ طابع سياسي، وظهرت صحيفة النيل التي أسسها السيد عبد الرحمن المهدي وعين لها رئيس تحرير مصري حسن صبحي الذي كانت فكرته بأن تكون جريدة سودانية مصرية، وبعدها صدرت صحيفة صوت السودان صحيفة الختمية، وأنه في العام 1939م أصبح هناك صحيفتين وطنيتين تمثل الطائفتين وخلفها القوى السياسية.
مؤتمر الخريجين
وتحدث محجوب عن بداية قيام مؤتمر الخريجين في فبراير 1938م، بقوله أن بدايته كانت بمجموعة صغيرة العدد من المتعلمين لكنها كبيرة النشاط، إلي أن وصلت أول جمعية عمومية إلي 1,180 عضواً،وخلال أربع سنوات من عمر المؤتمر كان أغلب العمل إجتماعي، إفتتاح مدارس، إقامة يوم التعليم، وزيارة القرى الخ…، ويضيف بأن المؤتمر أخذ أول موقف سياسي في العام 1942م أثناء الحرب العالمية الثانية، وكانت بريطانيا قد أعلنت في العام 1939م السودان منطقة حرب وإحتلال إيطاليا لمدينة كسلا، حيث تجمعت جيوش في السودان لدعم الجبهة الشرقية، ولدعم بريطانيا ضد قوات النازية التي وصلت إلي ليبيا وكانت متحركة الي مصر. ويقول محجوب أن هذه الفترة مر علي السودان وزير مالية بريطاني أسمه السير إستيوارت قادم من الهند وذاهب إلي بريطانيا، قال بأنه يريد أن يلتقي بصحفيين سودانيين، رئيس تحرير النيل أحمد يوسف هاشم، ورئيس تحرير صوت السودان إسماعيل العتباني، والذين قالوا له بدورهم أن السودان ساعد في الحرب العالمية ويتوقعون من بريطانيا أن تقدر هذا الموقف باعطاء السودان حكم ذاتي بعد الحرب، ورد عليهم بقوله أنهم قرروا منح المستعمرات التي أسهمت في الحرب الحكم الذاتي، وأنتم منها اذهبوا وأطلبوا هذا الأمر رسمياً، وكتبا مذكرة لمؤتمر الخريجين إقترحوا فيها أن يتقدم المؤتمر بمطالب سياسية، واعدت المذكرة في العام 1942، فيها حوالي 12 مطلب من بينها توحيد النظام التعليمي، وتوحيد الشمال والجنوب، وأخذ إدارة مشروع الجزيرة من الإدارة البريطانية، ومنح السودان الحق في تقرير مصيره، وكان هذا هو تحرك سياسي لمؤتمر الخريجين لم يقع موقعاً حسناً لدي الإدارة البريطانية، وأضاف بأن السكرتير الإداري أرجع المذكرة للمؤتمر وقال لهم لستم بمفوضين للتحدث بإسم الشعب، ولا ناخذ تعليمات منكم، وخذوا ورقكم هذا، وأصبحت العلاقة متوترة بين الحكومة والمؤتمر الذي واصل عمله.
ويقول محجوب أن هذا الموقف المنادي بتقرير المصير ساهم في حل عدد من المشاكل التي تحيط بالقضية السودانية، أولها حل إنقسام المجتمع تجاه الخطوة المتعلقة بالانقسام إلي معسكرين الإتحاد مع مصر، ومعسكر الإستقلال، لأن الحديث عن تقرير المصير يعني إرجاع الإختيار للشعب السوداني ويصبح مكفول للطرفين، ثانياً حل الإشكال بين مصر وبريطانيا لإصرارها على عدم قبولها بالسودان تحت التاج المصري، ومصر كانت تصر علي حقها في ذلك، وتقرير المصير يرفع هذا الحرج ويعطي مساحة، لكن الإدارة البريطانية رفضت ذلك، وفي النهاية رجعت إليه في العام 1952، واضاف بأنه مع إنتهاء الحرب في عام 1945 إنفجر تشكيل الأحزاب السودانية وخرجت من المؤتمر عدد من الأحزاب، حزب الأمة في الجانب الإستقلالي، وفي الجانب الإتحادي، الإتحادي، والأشقاء، ووحدة وادي النيل، والأحرار الإتحاديين، الخ…، لكنهم تبلورا في مدرستين هما مدرسة إستقلال السودان ومدرسة وحدة وادي النيل. إلا أن الإنجليز رفضوا المذكرة لكنهم عرفوا بأن الوضع السابق الذي تحكم فيه بريطانيا مباشرة لن يستمر بدون إشراك علي الأقل الذين يعتبرونهم معقولين في الحركة السياسية، كجزء من الحل، لذلك في عام 1943م طرحوا مشروع المجلس الإستشاري، وكان مجلساً لا سلطات له، وبالتعيين، ويرأسه الحاكم، ويجتمع في الفترات التي يحددها الحاكم العام ويناقش القضايا التي يطرحها كذلك، وما يخرج منه مجرد توصيات من حق الحاكم العام أن يأخذ بها أو لا يأخذ بها، ويشير محجوب إلي مقاطعة الأحزاب الإتحادية لهذا المجلس، وقبله حزب الأمة وبعد أن دخل فيه شعر أنه لا مستقبل له، وحتي الذين قبلوه تراجعوا عنه بعد شعروا بأن لا يلبي تطلعات الناس، وبدأوا يفكرون في مشروع جديد بدأ مع نهاية الحرب ووصول حزب العمال البريطاني إلي السلطة في بريطانيا، وكانت المستعمرات متحركة بالمطالبة بالإستقلال وفي مقدمتها الهند التي كانت من أهم المستعمرات لبريطانيا، وبعد نجاح المفاوضات مع الهند إرتفعت وتيرة المطالب سوا كان في مصر أو في بقية أنحاء الإمبراطورية، ويقول أن بريطانيا كانت فكرتها تقديم مشروع آخر علي أمل أن تسقطب عدد أكبر من الأحزاب وذلك بطرح مشروع الجمعية التأسيسية الذي قاطعته الأحزاب الإتحادية ومؤتمر الخريجين وإندلعت مظاهرات كبيرة جداً، وتظاهرت الحركة الطلابية والحركة النقابية تظاهرت ضده، لذلك الجمعية ولدت ميتة بمقاطعة جزء كبير من الشعب السوداني، لكنها نفذت يوم 15 نوفمبر 1948م، وعقدت إجتماعها الأول وبدأ ممارسة أعمالها. ويضيف بأن رفضاً من داخل الجمعية بدأ يحدث بقيادة معارضة من ثلاثة أعضاء كانت الصحافة تسميهم الفرسان الثلاثتة، وهم محمد أحمد المحجوب، وأحمد يوسف هاشم، وصالح عبد القادر.وقدموا إقتراح بالحكم الذاتي سقط، وكانوا ثلاثتهم وقتها مستقلين، ولم ينضم المحجوب لحزب الأمة في ذلك الوقت. بالإضافة إلي رفضهم مقترح زيادات مرتبات البريطانيين التي عارضوها، ولكنهم إستقالوا عندما أجازت الجمعية المقترح، الأمر الذي أزعج الأنجليز بسبب تآكل الجسم الذي كونوه من الداخل، وبعد ستة شهور قدم حزب الأمة مقترح للحكم الذاتي رغم موقفه السابق، وأصر عليه، وحاول الإنجليز بدفعه للتنازل عنه إلا أنه أصر عليه، وجرب الإنجليز تجميع زعماء العشائر للتصويت ضد المشروع في الحزب الجمهوري الإشتراكي، مع الجنوبين وصوتوا علي المشروع، ويشير محجوب إلي أنها كانت المرة الأولي للجمعية التأسيسية إقامة إجتماعاتها ليلاً. وفي هذا الإقتراع لأن حزب الأمة كان مصراً علي حسمه في نفس اليوم فتح رئيس الجلسة جلسة مسائية بدأت الخامسة مساء وإستمرت حتي منتصف الليل وطرح المقترح للتصويت كانت نتيجته 39 مع الإقتراح، و 38 ضده، ونجح الإقتراح لكن أدي رسالة مفادها أنه حتي حزب الأمة المؤيد للسياسة البريطانية وقف هذا الموقف، لذلك قرر البريطانيين التماشي مع هذا الإقتراح، وكونوا لجنة الدستور نصفها من السودانيين والنصف الآخر من البريطانيين لعمل دستور للحكم الذاتي، وقامت لجنة ترأسها قاضي محكمة عليا في بريطانيا هو إستانلي بيكر، الذي عرف الدستور باسمه “دستور إستانلي بيكر”. وأشار محجوب إلي تحرك الأوضاع خارجياً ولم تقم وقتها الثورة المصرية، وبدأت القيادات المصرية تضيق ذرعاً بالمفاوضات التي تجريها مع بريطانيا في الجلاء عن مصر، الأمر الذي دفع حزب الوفد يالقيام بخطوة ثورية في القاهرة بإعلانه إلغاء إتفاقية الحكم الثنائي من جانب واحد في إكتوبر عام 1950م، وبهذه الخطوة أخذت كل القوى السياسية السودانية موقف جديد بأنهم في حل من تنفيذ الإتفاقية ما بإعتبارها ألغيت من جانب واحد، وطالبت بعض القوي بإعلان إستقلال السودان فوراً، والبعض إقترح الذهاب إلي الأمم المتحدة بوضع السودان تحت حمايتها لفترة إنتقالية يقرر فيها مصيره، إلا أن جميع القوي إتفقت بأن لا رجوع إلي الحكم الثنائي، وحدث حراك كبير، ودخلت مصر في دوامة من الأحداث، حريق القاهرة، والسقوط المتوالي للوزارات مع بعض، وهزيمة الملك في إنتخابات نادي الضباط ونجاح محمد نجيب، وتحركت الأوضاع بوتيرة سريعة جداً أكثر من سرعة الناس في مصر والسودان، وأصبح هناك حكومات تسقط بعد خمسة أيام في مصر، وفي هذه الحالة إندلعت الثورة المصرية.
ويشير محجوب إلي موقف للثورة المصرية غير الصورة فيما يتعلق بإستقلال السودان، بتنازلها طوعاً عن مفهوم السيادة علي السودان وقبولها بمبدأ تقرير المصير وإذا أقر السودانيين الإستقلال ستقبل به، الأمر الذي عقد المفاوضات المصرية البريطانية وسحب من بريطانيا أحد كروتها، وعجل من إستقلال السودان. ويري محجوب أن ميزة هذا التعجيل فرض على القوي السياسية السودانية بأن تتحد رغم أنهم لم يكونوا جزء من المفاوضات المصرية البريطانية وكانوا يتفاوضون كدولتي الحكم الثنائي، ويقول أن مصر كانت تريد من كل القوى السياسية السودانية أن تقف معها ضد البريطانيين، وأصبحت تستقوي بهم في مائدة المفاوضات وبادرت بالجلوس بهم وجلست مع الإستقلايين، ووحدت الإتحاديين، وظهر في هذه المرحلة كرت الجنوب الذي كانت تلعب به بريطانيا، حيث قام صلاح سالم برحلته الشهيرة إلي جنوب السودان وسط القبائل. ويقول نحن كصحفيين أرسلنا وفد إلي الجنوب يتحدي من الإدارة البريطانية، وكنت وقتها سكرتير إتحاد الصحفيين في ذلك الوقت، والرئيس كان أحمد يوسف هاشم، الذي إستدعاه السكرتير الإداري وقال له أنتم تكتبون كلام فارغ في صحفك، وتتهموننا بأننا ضد وحدة السودان وهذا ليس صحيح، والحقيقة هي أن الجنوبيين لا يريدونكم ولا يريدون وحدة السودان، وطالبهم بأن يكونوا يتحلوا بالشجاعة والذهاب ومقابلة الجنوبيين ومعرفة الأمر منهم وتعهد بتوفير طائرة تقل الوفد ، وأضاف بأن الصحفيين قرروا الدخول في التحدي وكونوا وفد كان هو من ضمنهم. وقال “بينما كنا نتناقش إتصل بنا محمد صالح الشنقيطي وكان وقتها رئيس الجمعية التشريعية، وقال لنا هذا شرك وقعتم فيه، لأنكم ستذهبون إلي الجنوب لتجدوا البريطانيين جهزوا الناس ضدكم، أنتم صحفيين ولستم سياسيين، ستسألون وسيقولون لكم الجواب الجاهز”، وأضاف بأن الحل هو أن اذهب معكم وأتصدي أنا، وقال محجوب بأنه إستطاع الذهاب معهم، بالإضافة إلي الدكتور أدهم الذي كان يرأس الكتلة السوداء، الذي طلب الذهاب أيضاً، ويحكي محجوب بأنهم شتموا من الجنوبيين بمجرد نزولهم من الطائرة، وكانوا يقولون لهم أنتم تجار رقيق، ولكن تصدي لهم الشنقيطي، وفي الزاندي رموهم بالحجارة، وقال محجوب بأنهم أرسلوا تلغراف إلي الخرطوم واتهموا الحكومة، الأمر الذي دفع الصحف في الخرطوم للإضراب، وبعد توقيع إتفاقية الحكم الذاتي لم تتحرك القضية ثانية.
ويقول محجوب أن دور الصحافة كان قوي جداً، بالإضافة إلي دور الإذاعة بعد الحكم الذاتي وكانت قبلها مع الحكومة، وأن كل هذه العوامل قوت يد المفاوضات المصرية، ورجع صلاح سالم بتوقيعات من زعماء العشائر الجنوبيين شكك فيها البريطانيين في بادئ الأمر، وأضاف بأن دستور إستانلي بيكر عُدل وفق المقترحات وأصبح دستور المرحلة الإنتقالية ، وتكونت الحكومة في العام 1954م، وكان يمكن أن تستمر لكنها إستعجلت الإستقلال. وحكي محجوب ذات تفاصيل جلسة يوم 15 ديسمبر التي أجاب فيها الأزهري علي سؤال يعقوب حامد بابكر من نواب حزب الأمة حول التصديق بقاعدة عسكرية في البحر الأحمر للأمريكان، الأمر الذي نفاه الأزهري وتقدم في ذات الصدد بإقتراح يوم 19 باعلان إستقلال السودان من داخل البرلمان، وأضاف بأن رأي الإستقلاليين كان هو أن أزهري ظل طوال عمره يعمل لوحدة وادي النيل ويريد الآن أن يعلن ذلك، إلا أن السيد عبد الرحمن المهدي حسم الأمر. ويشير إلي أنه كان هناك بحث عن حكومة قومية كمطلب من المعارضة بتحويل الحكومة إلا أن أزهري ما كان يريد ذلك. أعلن إقتراح إستقلال السودان من داخل البرلمان قلب الطاولة عليهم، ويقول محجوب “عندما ظهرت الوثائق البريطانية التي أفرج عنها ظهرت أشياء كثيرة بوجود طبيعته دبلوماسية بين السودان وبريطانيا علي أساس الإستعجال وإقناع عبد الناصر، وكان هناك تحضير لهذا الأمر وكانت لابد أن تتم بهذه الطريقة.