المليونية الأكتوبرية يوم غد حشدت لها الجموع الثورية وفرحت بها بقايا الإنقاذيين، فتفرغ ناشطو البائدين واتباعهم ولبسوا ثوب الثائر الديسمبري في إنتهازية واضحة كأن شيئاً لم يكن، ومن عجائب هذا الكائن البائد أنه لا يستحي ولا يرعوي ولا يتعظ ولا يتوب، يمتطي صهوة كل حصان و يبحر مع أي مركب مزدحمة بالزخم الشعبي ولا يبالي بتاريخه الظالم والمظلم، لقد رأينا وسمعنا أصوات لأخوان وأخوات نسيبة عبر الميديا الإجتماعية يؤلبون الناس على تحويل البلاد إلى فوضى غير خلاقة، والأعجب من ذلك انخراط بعض الساذجين من ذوي الذواكر السمكية الهزيلة وراء عوائهم، خادمين لأجندات أقل ما يقال عنها أنها تعمل على إعادة الحرس الإسلاموي القديم، العودة التي تعد نكسة وردة على السير في طريق الثورة الديسمبرية الظافرة، وكشفت الحملة الإعلامية المنظمة لمليونية الحادي والعشرين من أكتوبر الحالي، العدد الكبير لأشباه الكيزان الذين يمسكون العصا من منتصفها، لا مع هؤلاء ولا إلى أولئك، إنهم فتية آمنوا بمصالحهم الذاتية الضيقة فزادهم الله ضلالاً و بعداً عن الشعور والحس الوطني القويم.
ألفأل الخائب هو فأل البائدين الذين كلما اوقدوا ناراً للفتنة أطفأها الله، لقد علت أصواتهم هذه الأيام ولهجت ألسنتهم بحمد وشكر ثوار ديسمبر، ليس حباً فيهم ولكن لحربائية اللون الذي تكتسي به جلودهم، ولأخطبوطية السلوك الذي عرفوا به في الأولين والآخرين، كيف لمن أدخل الوطن في نفق القوائم السوداء وسرق قوت يومه أن يتزعم حملات الثائرين الشرفاء ويقوم مقام الوطنيين النبلاء، والمدهش حقاً هو حديثهم عن خبز المواطن الذي افرغوا معدته وأرعبوا ذريته وسحقوه وسحلوه، من الذي أورث البلاد صفوف الخبز والبنزين والغاز؟ ومن نهب مخزونها الأستراتيجي من سلعة الدواء غيرهم؟، إنهم المتخصصون في التسلل والتغلغل والإندساس بين حشود الأوفياء من أبناء الوطن العزيز، ينصبون شراكهم على بوابات العبور الميمون للمتظاهرين الأبرياء، فيضعون الفخاخ وينسجون الشباك المجندلة لأصحاب الحقوق المشروعة ويطلقون أيادي المتربصين بثورة الشعب، فهم العدو الواجب الحذر من أفاعيله المخبوءة تحت أستار الظلام، وما الشهداء المجندلة أرجلهم بالأثقال الغارقون في البحار ببعيدين عن الأذهان.
ألملاحظ في مسلك هؤلاء الكارهين للسلام والوئام والعاملين ضد تماسك لحمة الوطن، أنهم لا يفرقون بين انتقاد رئيس الوزراء وحكومته وما بين الأستغناء عن كامل المنظومة الإنتقالية، فيقعون في الإفتضاح المكشوف لمخططهم المغرض والمعلوم، وهو ضرب كل العصافير الحائرة بحجر واحد، وهم مثل الطفل النرجسي في اتجاهاتهم السلوكية، إن لم تعجبهم اللعبة يقومون بتدميرها دماراً نووياً شاملاً، شعارهم الأبدي هو :(إما أنا أو الطوفان)، هذه الأيام يتحدث فقهاؤهم عن المثاليات والضرورات الواجب اتباعها لبناء الدولة الحديثة، كما جاء على لسان غازي صلاح الدين أحد الأعمدة والمرتكزات التي قام عليها بنيان المشروع الحضاري المشروخ، حكموا البلاد إنفرادياً ثلاثة عقود متتالية وما زالوا ينصحون الناس ويتقدمون إليهم بروشتات علاجية لازمة لحل أزمة الحكم والأقتصاد، من أي طينة خلق هؤلاء؟ هل هم لآدم وحواء؟، لقد جثموا على صدر الوطن المكلوم لمدى يقارب ثلث القرن من الزمان، وفشلوا في الحفاظ على وحدته وأخفقوا في صون عرضه وأرضه، ويأتونك اليوم لكي يحاضرونك عن التفاني في خدمة الأوطان والإخلاص في حب التراب الذي ليس له ثمن والموصى عليه من الأجداد منذ سالف الزمن.
ألصدف ومحاسنها تدب في طريق المنظومة الانتقالية بإيجابياتها وبكل سلبياتها، بعد حصاد مشروع السلام بعاصمة الدولة الشقيقة جنوب السودان، تأتي الأخبار حول رفع إسم البلاد من القائمة السوداء للدول الراعية للأرهاب، فهل يا ترى تتحول المليونية لأحتفالية أم تستمر الشعارات الغاضبة من أداء الحكومة؟، مهما كان شكل التوقعات حول التظاهرة القائمة يوم غد لا يمكن الجزم بأضعف الأحتمالات فيما يخص إمكانية تحقق أجندة المندسين بين صفوف الشرفاء، لأن صباح اليوم حمل اخباراً غير سارة لمناصري العهد القديم، تسريبات قادمة من الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها دونالد ترمب، إن اكتمل تحقق الحلم بتأكيد الرئيس الأمريكي للخبر فإنّ شباك البائدين واتباعهم تكون قد استقبلت هدفاً مباغتاً من الخصم، ومثل هذا الخبر سوف يحدث إنقلاباً عظيماً في البوصلة مقدار زاويته مائة وثمانين درجة، ويضع الحيارى المؤملين في إعادة المشاهد القديمة على محك الرضى بالمقسوم، وتتقبل واقع الحال المؤكد على ذهاب دولتهم، لكن قل لي بربك من يستطيع إقناعهم بأن ذلك العهد قد ولى وأن ذلك القمر قد أفل و أن تلك الشمس قد غابت؟.
ألهاتفون قد هتفوا في أبريل من العام ألف وتسعمائة وخمسة وثمانين قائلين: جددناك يا أكتوبر في أبريل، ومع ذكرى أكتوبر هذا العام يكون الهتاف : جددناك يا اكتوبر في ديسمبر، ولا يمكن أن يسمح الثوار بأن تتحول ذكرى الشهر الأخضر إلى تجمع لجوقة من مطاريد مناصري إنقلاب الثلاثين من يونيو المشؤوم، فاليقنع الإنقاذيون بهذا النصيب والقدر المحتوم وليؤمنوا بأن الأيام دول يوم لهم ويوم عليهم، وأن المشهد السياسي لا يحتمل تكرار الوجوه البائدة لأنها نذيرة بالشؤم وهي المصدر الحقيقي للتطير والأستياء، فهلا رحم البائدون أنفسهم ورحمونا؟!.
إسماعيل عبد الله
[email protected]
20 أكتوبر 2020