بقلم : مكي إبراهيم مكي
خرج اجتماع نداء السودان الأخير في باريس بنتائج تعتبر انتكاسة حقيقية للعمل المعارض في السودان بشكل عام وفي دارفور بشكل خاص. حيث كان أهم بنود بيان الاجتماع الختامي وما يسمى بالاعلان الدستوري لنداء السودان هو أن يتم الغاء العمل المسلح كوسيلة للنضال ضد النظام وتحقيق عملية التغيير المنشودة إعتماداً على الوسائل السلمية فقط في أي عمل يتبناه نداء السودان. وفي هذه الخطوة الغير مسبوقة قامت حركات المقاومة المسلحة والقوى السياسية الموقعة على هذا الإعلان بعملية انقلاب على تاريخها الذاتي والذي كان معتمدا تماما على تلك البطولات التي ضحى فيها شباب وشعوب دارفور بالأرواح والدماء من أجل الحرية والمساواة، وحملوا السلاح لاسماع أصواتهم وليس حبا للعنف أو عشقا لسيل الدماء.
للاسف أن حركتي جيش تحرير السودان قيادة مناوي، وحركة العدل والمساواة قيادة جبريل إبراهيم،يقومان عبر هذه الخطوة الأخيرة بتغيير جذري في مساهماتهما النضالية في قضية السودان في دارفور، وهما حركتين لهما تاريخ مشرف في العمل السياسي لأجل المهمشين و أهل دارفور. ولكن ما تم في باريس لا يمكن أبدا أن يكون إعلانا لنهاية نضال دارفور أو المهمشين عبر كل الوسائل التي يرتضونها والتي تحقق لهم أهدافهم.
فالحرب وحمل السلاح لم يكن خيارا بل هو في الحقيقة اضطرار نشأ من العنف والتمييز والذي مارسته الدولة المركزية ضد المهمشين في دارفور وغيرها منذ فجر الاستقلال. ولذلك فإن حمل السلاح الذي يريد البعض إدانته هو في الحقيقة مجرد وسيلة لإعلاء الصوت وإسماع هذه النظم المستبدة في المركز والعالم صرخات المهمشين الذين لا يجدون اي وسيلة أخرى ليقولوا نحن هاهنا في ظل دولة التمييز العنصري والاستبداد والتهميش.
ومن المؤسف أيضا أن يسلم القادة في حركتي العدل والمساواة وحركة مناوي قيادة نضالهم سلميا كان أو مسلحا لرجل كان ولازال رمزا للدولة المركزية الاسلاموعروبية المهيمنة. الرجل الذي لازال ابنه في قصر الرئاسة نائبا لمجرم الحرب ومنفذ الابادة الجماعية ضد أهلنا في دارفور. ان تسليم قادة الحركات الدارفورية الموقعة على نداء السودان لرئاسة الصادق المهدي الكيان لا يقل سوءاً التنازل عن أهم مرتكزات النضال لأجل المهمشين يضاف إلى تنازل هذه القيادات عن نضالهم المسلح. فالرجل الذي يدعي أنه سيقود العمل المعارض ضد النظام هو نفسه الرجل الذي لم يتوانى عن الصدوح بمعارضة العمل السلمي والتظاهر ضد هذا النظام وظل مترددا ومتماهيا مع أجندة هذا النظام الغاشم دون مواربة، وظل يصف محاولات التغير بأنها قد تؤدي إلى الصوملة وما إلى ذلك على مدى السنوات الماضية. بل إنه يمهد الطريق ويفرش الورود لنظام مجرم الحرب للهروب من المحاسبة على جرائمه. حيث قال الصادق المهدي بالحرف الواحد في ورقته التي ألقاها قبل يومين في لندن حول أفق السلام في السودان والمنشورة في صحيفة سودان نايل الإلكترونية، قال”لكننا نقدم أيضاً للنظام ودائرة سلطته غصن زيتون لإنقاذ أنفسهم ومصالح السودان العليا” أن الرجل لا يخفى الأمر في أنه يريد لهذه الطغمة الشريرة أن يتم إنقاذها من العقاب والحساب بدعوى إنقاذ مصلحة السودان العليا. واي مصلحة تلك إذا لم تكن في القصاص من المجرمين وإنصاف الضحايا؟
أن هذه الخطيئة التاريخية لقيادات دارفور التي حدثت عبر الانضواء تحت قيادة إمام الفشل لكل تجارب ما يعرف بالحكم الديمقراطي في السودان الصادق المهدي، سوف يجعل هذه القيادات تخسر الكثير من تاريخها النضالي الذي كان مشرفا قبل هذه النكسة الأخيرة في باريس.!
ولكن النضال في دارفور لَيس حكرا على موقعي نداء السودان وإعلانه الدستوري. فما زال في دارفور هناك رجال ونساء يحملون ليس فقط البندقية بل يحملون أرواحهم على اكفهم إيمانا بأن الأرواح التي بذلت من قبل سوف تكون دوما وقودا لنصر قادم لا محالة. كما أن شعوب دارفور التي حاربت كل المستعمرين وتمتعت دوما بالقدرة على تقديم أعظم التضحيات من أجل الحرية والكرامة والعدالة لم ولن تنحني ولن يوقف نضالها وحراكها مثل هذه الانتكاسات. وان القادة الدارفوريين الذين سلموا أنفسهم الي أمام الفشل والدمار الصادق المهدي عليهم أن يتذكروا أن ذاكرة الشعوب لا تنسى، فكما تذكر لهم نضالهم سوف تذكر لهم هذه الخطيئة في حق شعوبهم، ولذلك عليهم التوقف طويلا ومراجعة موقفهم وإعادة النظر في هذه خطوة التي سوف تؤدي لخسارتهم لتاريخ طويل من النضال الوطني لأجل أهلهم. وأما أهل دارفور وبقية شعوب الهامش فهي مستمرة في نضالها وهناك حركات مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الحلو وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد لا زالت تمسك بجمر القضية وتقاتل بلا تراجع عن مكتسبات نضال المهمشين التي سوف تصل إلى النصر لامحالة.
[email protected]