قرار اعفاء اكثر من مائة ضابط بجهاز الأمن يؤشر على أن طعنات اتباع النظام البائد في جسد منظومة الانتقال قد وصلت سويداء القلب، وأن هذه الحكومة الانتقالية المتساهلة والمجاملة قد استشعرت الخطر الحقيقي، لاستمرارية بقاء ضباط أمن البشيرووجودهم الفاعل بأكثر المؤسسات السيادية خطورة، واذا لم يحزم القادة المنتقلون أمرهم ويقوموا بعمليات تجريف واسعة النطاق للمنظومة الأمنية البشيرية، سيتحقق سيناريو تغيير نظام الحكم الانتقالي لصالح انصار البشير استناداً على (عوارة) الحاكمين الجدد، اذ انه لا يوجد في دنيا السياسة وشئون الحكم مبدأ يسمى التكاسل والتراخي والتماطل في تنظيف الاجهزة الامنية من الكادر المعادي للتوجهات الوطنية، بالأخص اذا كان هذا الكادر يحمل ايدلوجيا معيّنة ويؤمن بفكر محدد ويدين بالولاء المطلق لجماعتهوتنظيمه السياسي الفاجر في الخصومة، فجهازي الأمن والمخابرات العامة بعد الاطاحة بالدكتاتور وزمرته يستلزمهما التغيير الجذري المواكب لأهداف الثورة، وواحدة من التمترسات المواجهة للجهاز التنفيذي الانتقالي هي استمرار الكادر القديم المؤدلج ضمن مؤسسات الحكم الأمنية لفترة ما بعد الثورة والتغيير، اذ لا يعقل أن يطمئن ويبارك ممثلو الثوار هذا الخطأ المميت بالتمادي في صرف انظارهم عنه.
الشبكة الواسعة للمنظومة الأمنية لحزب المؤتمر الوطني المحلول، الذي نصب حبالها بكل شبر من ارض السودان، لا تنحصر في جهازي الأمن والمخابرات العامة لوحدهما، بل هنالك مؤسسات التجسس الشعبي والطلابي الموازية والناشطة وسط طلاب الجامعات والمدارس وبين المواطنين في الاحياء، وهناك ايضاً شعبة الأمن الخارجي التي تربصت ولاحقت المواطنين المغتربين في مهجرهم البعيد، هذه هي الاقسام والاجسام الموازية التي صنعها عرّابو العهد الظلامي المباد، وهي الأكثر خطورة من المباني الشاهقة المسكونة والسيارات الفارهة التي يمتطيها هؤلاء الضباط المنعّمين، فالاولى لحكومة الثورة ان ارادت ان تحسن صنعاً ان تقومببتر جذر هذه الاجهزة العابثة بكياني الدولة والمجتمع، وهي اجسام سرطانية متغلغلة داخل شرائح السكان منذ ان اقيمت دولة (التمكين) المزعومة، ويجب أن لا يكون الاستئصال باعفاء الرسميين من حملة الرتب العليا وحدهم، وانما المطلب الثوري يلزم منظومة الانتقال باستبدال هذه الرتب العليا بضباط مهنيين شرفاء لا حزبيين من مؤسستي الجيش والشرطة، واعداد القوائم الشاملة لاسماء الموجودين من بقايا الأمن الشعبي والطلابي لكبح جماحهم، هؤلاء الذين جعلوا من الوطن كائناً كسيحاً في عهدهم، يجب أن لا يتركوا يسرحون ويمرحون ينشرون الاضرار نكاية في الثورة والثوار.
أمن الدول ليس لعبة يتسلى بها المستهترون كما جرت عادة رموز الحزب المحلول، فعندما تسلموا مقاليد الامور وهيمنوا على مصير البلد في حين غفلة من الوطنيين الشرفاء، عكسوا وجهاً ارهابياً لشعب كريم طيب الخصال بتصدير الجريمة المنظمة لدول الجوار، مثل جرائم محاولة اغتيال رئيس جمهورية دولة جارة وتفجير المدمرة كول واستضافة زعيم القاعدة، هذه المؤسسات الأمنية المبنية على باطل المؤتمر الوطني المحلول تستحق الغربلة والتمحيص والتدقيق للمرة الثانية والثالثة والرابعة، لأنها كانت اوكار للجريمة العابرة للقارات في زمان المخلوع وزبانيته، ولا يوجد ما يطمئن الثوار بعدم وجود خيوط للتواصل بين هؤلاء الضباط الموالين للعصبة المندحرة وقياداتهم بداخل سجن كوبر، لكل هذا وذاك فان العين الساهرة على مصلحة الشعب السوداني توجه المسؤولين عن الملف الأمني داخل منظومة الانتقال لتخصيص فريق من أمنيين لمهمة احكام الرقابة والمتابعة للقابعين بالسجن، وبحكم التراخي والتغافل الممارس من قبل رموز منظومة الانتقال يمكن أن تضرب الثورة في مقتل من خلال ثغرة بوابة سجن كوبر.
المحللون الأمنيون الأستراتيجيون يعزون اسباب انفجار الأوضاع الأمنية بولايات كسلا وبورتسودان والجنينة، لاستمرار تكدس المنظومة المخابراتية بضباط موالين للبشير يعملون ضد اجندة الثورة، وغير راغبين في التعاون والعمل لانجاز الأهداف الثورية المعلنة لما تمليه عليهم بنية وعيهم العقائدي، وهذا يقودنا الى ما يسمى بفقه الضرورة الذي يسمح لاتباع الحزب المحلول بممارسة التقية خدمة لاجندات الطغيان، ولا اكون مبالغاً لو قلت لكم أن الحاكم الفعلي للبلاد في عهد الطاغية كان هو الجهاز الامني والمخابراتي هذا، فكان يقبع بالقرب من مكتب أي دستوري بالحكومة البائدة مكيتب صغير للأمن يقوم برصد جميع حركات وسكنات هذا الدستوري، فالمطالبة الثورية العاجلة باجراء عملية الابدال السريعة والآمنة، لايجب ان تعني بأي حال من الأحوال استبدال تمكين حزب المؤتمر الوطني المحلول، بتمكبن آخر يمكّن لكادر احزاب البعث والامة والشيوعي والمؤتمر السوداني، نريده جهازاً وطنياً مستقلاً غير مسيّس يؤسس لوضع لبنة بناء الدولة الوطنية المنشودة، ويا حبذا لو انطلق مشروع (أمن الوطن) الذي تكون نواته شباب لجان المقاومة، فالكل يدرك أن المهمة شاقة وصعبة لحكومة الثورة الانتقالية التي يقودها حزبيون يعملون لصالح اجنداتهم الحزبية الضيّقة، لكن وبرغم كل هذه الصعوبات لامفر من أن يقوم الجميع بالعمل من أجل وطن يسع الجميع.
اسماعيل عبد الله
23 ابريل 2021