أبوبكر القاضي
– استمرار الحروب في الاطراف و المعارضة من الخارج هى التي ( تطيل عمر النظام ) !!
– خلافات اطراف نداء السودان نعالجها بقيم التسامح .. و ليس بثقافة التخوين و التكفير الانقاذية !!
-مادمنا لم نهزم النظام و نسقطه عسكريا ، او بالانتفاضة ، فلا مناص من (تفكيكه الوئيد ) عبر مشروع التحول الديمقراطي ؟!
– التحول الديمقراطي يحتاج الي ( مؤسسات ديمقراطية) غير متوفرة الان .. نحتاج الي سلام شامل لتأسيسها :
(١) حوار مع المشفقين : يجب ان ندير خلافاتنا وفقا لقيم التسامح وليس التخوين و التكفير :
لقد تنفست قوى المعارضة السودانية الصعداء حين انتهت اجتماعات نداء السودان في اديس ابابا منتصف يونيو الجارى ، و التى دعا لها المبعوث الامريكى لشطري شمال و جنوب السودان ، و التى كانت تستهدف الضغط علي الحركات المسلحة و حزب الامة للتوقيع علي خارطة الطريق التى وقعت عليها حكومة السودان بشهادة امبيكى ، ورفضت المعارضة السودانية / ممثلة في حزب الامة / الامام الصادق ، الحركة الشعبية ش ، حركة العدل و المساواة السودانية ، حركة تحرير السودان / منى اركو مناوى ) ، رفضت التوقيع عليها ، بحجة ان خارطة الطريق قد تجاوزت بصورة صارخة مطالب و مكاسب المعارضة المضمنة في قرار مجلس السلم الافريقي رقم ٥٣٩ ، و لم تشتمل خارطة الطريق علي الضمانات التى تتمسك بها المعارضة السودانية التى تجعل مشاركة المعارضة في الحوار تقوم علي الندية ، و دون سيطرة الحكومة و تحول دون ان تكون مشاركة المعارضة في الحوار الوطني مجرد ( الحاق ) .. و في محل جر بالاضافة .
هذا المقال هو حوار مع المشفقين ، الذين يعتقدون ان ( التوقيع علي خارطة الطريق خيانة ) ، و ان التوقيع علي خارطة الطريق ( يطيل عمر النظام ، و يقطع طريق الانتفاضة الشعبية ، و يكرس اوضاع الفاسدين ، و الافلات من العقاب .. الخ .) .. و مرجعيتنا في هذا الحوار هي قيم التسامح .. وقبول الاخر المختلف معنا كما هو .. لا ندعي اننا نمتلك الحقيقة ، و غيرنا ضال .. ضلالا بعيدا .
. ان فريق قوى نداء السودان الذي صمد امام اغراءات المبعوث الامريكي و الترويكا ، و قدم مرافعته المسببة لعدم التوقيع علي خارطة ، و حولها الي ( ملحق لخارطة الطريق ) ، ان هذا الفريق (يناور ، و يمارس سياسة ) ، و معلوم ان السياسة هي فن الممكن ، و بالتالي ربما يوقع علي خارطة الطريق اذا تحققت مطالبه ، فهل يكون في هذه الحالة ( خائنا ، و مطولا لعمر الانقاذ ؟؟!!) اعتقد انه بلاش ( تخوين ، و تكفير ) ، فهذه اساليب الانقاذ ، و يجب ان نترفع عنها حتي نكون البديل الافضل للانقاذ ، و يجب ان ندير خلافاتنا ( في المعارضة ) وفقا لقيم التسامح التى نؤمن بها و ليس و فقا لقيم الانقاذ .
(٢) استمرار حروب الهامش ، و المعارضة من الخارج هي التى ( تطيل عمر النظام ) :
يعتقد قطاع معتبر من قوى نداء السودان ( و منهم الاستاذ الكاتب / عثمان محمد حسن ) الذي سطر مقالا بعنوان : ( التوقيع علي خارطة الطريق خيانة عظمى ، و تقنين لمغانم الفاسدين ) ، يعتقدون ان التوقيع علي خارطة الطريق (يطيل عمر النظام ) ، و بالقطع هذا التحليل ينطوى علي قدر كبير من الوجاهة و المنطق ، و الصحة ، و لكنه بالقطع لا يمثل كل الحقيقة ، فخارطة الطريق هي ترتيبات لوقف الحروب عبر التفاوض ، بدءا بوقف العدائيات ، ثم و قف اطلاق النار الشامل و الترتيبات الامنية اللازمة لذلك ، ثم الانخراط في التفاوض ، بالتوازى مع الدخول في الحوار الوطني الشامل الذي يفضي الي وضع انتقالي و مؤتمر دستوري .. و السير في مسار التحول الديمقراطي .. و بالتالي نستطيع وضع معادلة مقابلة تقول : ( رفض خارطة الطريق ، و استمرار حروب الاطراف ، و المعارضة من الخارج هي التى تطيل عمر النظام ) .
الواقع يقول ان نظام الانقاذ يستمد شرعية بقائه من ضعف المعارضة في المركز ، و من حروب الهامش منذ ان كان القطر السوداني موحدا ، فنظام الانقاذ يقدم نفسه باعتبارة القوة التي تحمي الخرطوم من حكم ( الجنوبيين ، و الغرابة ، و الكردافة / ابناء جبال النوبة ) . و شاهدنا .. ان حروب الهامش هى التي تبرر القول : لا صوت يعلو علي صوت المعركة ، وتبرر توجيه ٧٠٪ من موارد البلاد للحرب و الباقي مرتبات للدستوريين ، و هو الامر الذي يجعل ميزانية التعليم و الصحة الفعلية لا تتجاوز ٢٪ لكل .
(٣) مادمنا لم نهزم النظام عسكريا ، فلا مناص من محاورته ، و التعايش معه ، و تفكيكة عبر مشروع التحول الديمقراطي :
ان نظام الخرطوم يضع اعتبارا فقط للمعارضة المسلحة ، خاصة بعد تجربة العاشر من مايو ٢٠٠٨ التي استطاع فيها صاحب الذراع الطويل / الشهيد د خليل ابراهيم محمد رحمه الله ونور قبره ، استطاع الوصول للخرطوم جوووووة ، و كاد يسقط النظام ، لذلك فقد قبل نظام الانقاذ بالحوار ، و خارطة الطريق لانه ( فشل في ان يصلي في كاودا ) ، و عجز تماما عن القضاء علي المعارضة المسلحة في دارفور ، و جنوب كردفان و النيل الازرق ، و من جانبها قبلت المعارضة المسلحة ، و نداء السودان بالحوار الوطني لسببين :
الاول : المواجهة العسكري كانت خيارا مفروضا علي المعارضة ، لان النظام لا يحاور الا من حمل السلاح … و بعد تجربة الربيع العربي فقد اصبح دخول المعارضة الخرطوم لاسقاط النظام عبر حرب المدن كما جري في ليبيا مثلا ، اصبح امرا ينطوي علي مخاطرة كبيرة .
الثانى : السلام هو خيار استراتيجي للحركات ، و لكل من جرب الحرب علي ارضه ، ووسط حاضنته . اذا كنا نشكو في دارفور و جنوب كردفان و النيل الازرق من التهميش ، فان السلام هو الطريق المعبد للخروج من التهميش ، و استمرار الحرب لا يعنى الا المزيد من الخراب للموجود ، و زيادة الفاقد التربوي ، و ايقاف شامل للتنمية .
و شاهدنا ، ان الموافقة علي خارطة الطريق ، لا تعني الاستسلام ، و انما تعني التوجه نحو ( تفكيك النظام علي المدى المتوسط ) ، و ذلك عبر الية التحول الديمقراطي ، و عبر الاحتكام لصناديق الانتخابات .. كيف ؟ هذا ما سوف نتناوله / بحول الله / في الفقرة القادمة .
(٤) التحول الديمقراطي يحتاج الي مؤسسات ديمقراطية ( غير متوفرة الان ) .. نحتاج الي سلام .. و فترة انتقالية لتاسيسها :-
ان اول خطوة لتفكيك النظام هي انشاء مؤسسات سياسية و احزاب موازية لنظام الانقاذ لا ترضع من شطر النظام ، ثم ارغام الحكومة علي الفصل التام بين الدولة و مؤسساتها و بين حزب المؤتمر الوطني ، و عدم توظيف حزب المؤتمر الوطني لسيارات الدولة ، و اعلام الدولة .
الحقيقة التي يجب الاعتراف بها هي ان غياب الديمقراطية المستمر لاكثر من ٤٠ سنة ( مدة عهدي مايو و يونيو ) قد جعل الاحزاب السياسية ضعيفة ، و الساحة السياسية اصبحت خالية ، وقد ملاها المهووسون و الدواعش واعداء الديمقراطية .
الحركات المسلحة التى حملت السلاح مكرهة من اجل التغيير تحتاج الي فترة انتقالية لتتحول الي احزاب سياسية و تطرح مشروعها عبر الشرعية الدستورية ، و تخاطب الشعب من خلال ممارستها الشرعية لحق التنظيم ، و انشاء الصحف الحزبية ، و الاعلام بكل اشكاله ، وعبر الاعلام البديل الذي برهن ان فاعليته اقوى و اخطر مليون مرة عن الاعلام التقليدي .
شاهدنا ، ان التحول الديمقراطي يحدث عبر السلام الشامل ، و عبر اعلاء قيم الوطنية ، و تقديم الاجندة الوطنية الكبيرة علي الاجندة الحزبية ،
ان خيار اسقاط النظام عبر الانتفاضة الشعبية سيظل خيارا مفتوحا ، و حقا اصيلا للشعب السوداني لا يتسوله من اى ديكتاتور / سفاح . و لكن الانتفاضة نفسها تحتاج الي مؤسسات و احزاب سياسية قوية ، و الي نقابات و مؤسسات مجتمع مدني ، و اتحادات طلابية قوية قادرة علي اشعال فتيل الثورة .
(٥) لا يمكن ان يكون الحوار و السلام (خيانة) :
نعم نظام الانقاذ مجرب ، و له باع في نقض العهود ، و لكن نظام الانقاذ قد (شاخ ) ، و ( هرم عمر البشير ) ، هذا من جانب ، ومن ناحية اخرى ، فان قوى نداء السودان حين توافق علي خارطة الطريق ( بشروطها هي ، و توضيحاتها ) ، فانها لا تفعل ذلك انكسارا منها ، و لا تفعل ذلك من اجل تطويل عمر النظام ، و انما تفعل ذلك من اجل المصلحة الوطنية العليا ، فلا يمكن ان يكون السلام و الحوار خيانة ، و لايستطيع كائن من كان ان يتكهن بمالات الحوار الوطني واين سوف تؤدي بالبلاد و بالانقاذ . ان مآلات السلام الحوار الوطني قطعا لن تكون حسب تخطيط وقراءة الانقاذ للامور ، فالتاريخ يعلمنا انه لا تستطيع اي حكومة بان تتكهن بالمستقبل ، احدث نموذج لذلك هو مآلات تصويت الخميس ٢٣/ يونيو في بريطانيا التى جاءت خارج توقعات المحافظين و العمال ، و ادت الي استقلات كمرون و قياداته في الحكومة ، و الي استقالات اكثر من نصف حكومة الظل العمالية . و شاهدنا ان السلام و الحوار الوطني ( بملحق ، و توضيحات نداء السودان ) سيقود الي تفكيك الانقاذ ، و الي التحول الديمقراطي ، و ذلك دون المساس بخيار الانتفاضة التى هى حق ، و ملك للشعب السوداني في اي وقت يشاء ، و لا يستاذن في ذلك كائنا من كان .
كاردف / ويلز
٢٧/ يونيو/٢٠١٦