د.بخيت أوبي
الثقافة اداة من ادوات التغيير في شتى مناحي الحياة، وركن الزاوية لشحذ الهمم نحو الرؤى المستقبلية والاحلام الممكنة لما يجب ان يكون عليه مستقبل الدولة والمجتمع، فالاتجاه صوب التغيير الشامل تبدأ من الافكار والايمان بالاهداف ومن ثم ترجمتها في السلوك الذي يلقى الحجر في البركة الساكنة، فتبدأ في شكل نقطة ومنها الى دائرة صغيرة ودوائر اخري تزداد تأثيرها حينا من الزمان وتتسع الى افاق اوسع، الى ان تصبح واقعا معاشا، فاشكالية صراع الافكار ومقاومة التغيير من الظاهرات الطبيعية في هذا الزمان، ولاشك في انها تصطدم بجملة من المسلمات المتوهمة مثل العادات والتقاليد وانماط التصورات المسبقة والقوالب النمطية وان كانت لاتخدم الاهداف الكلية لعملية الانتقال من حالة الجمود والرتابة والتكرار لقرون من الزمان، فالركون الى مثلث الامان في كنف القيود والاعراف المجتمعية والخوف من المجهول عند مخالفة ما اعتاد عليه القوم من مقاطعة اجتماعية وحملات التشوية المتعمد للسمعة والاتهام بالاهداف الخفية وحتى الجنون في بعض الاحيان. فصراع المثقف بين ما اغترفه من علوم في التعليم النظامي والشخصي وما تلقاه من مصادر الاطلاع المختلفة ، وبين الوجه الاخر المتمثل في الخلفيات الاجتماعية والتاريخية والسياق الزماني والمكاني وما رفدته من معرفة شفاهية متوارثة منذ الصغر، وما وضعته تلك المجتمعات من قيود واطر وقوالب جاهزة للتعامل مع المواقف المختلفة وايضا في سياق التعامل مع الاخر المختلف، فعملية المد والجذر بين النقيضين يعتبر من المقاربات الصعبة، ويعمق من الازمة السيناريوهات المتطابقة مع القوالب النمطية، عند الاصدام مع الاخر في بعض المواقف مما يؤكد المتوارث وينتقص من المكتسب، وهنا ينشأ الصراع والنزاع وان كان مبنيا علي افتراضات خاطئة، وهنا يمكن اثارة التساؤل البديهي لماذا يعجز المثقفون عن قيادة زمام المبادرة في مجتمعاتهم ؟ لماذا يقفون في الاتجاه السلبي ازاء الصراعات القبلية والاهلية؟يمكن ان نتناول ذلك في اطار مجموعة من العوامل المؤثرة والفاعلة في خلق هذه الاتجاهات السلبية:
اولا: العامل السياسي وازمة النخبة السياسية في استخدام الورقة الاثنية كعامل من عومل الصراع حول السلطة، واستغلال القيادات الاهلية وقواعدها في عملية الاستقطاب السياسي وادرار الامتيازات وتضخيم السلطات فى ظل الجهل والتخلف، مما يقلص من قدرة المثقف علي التأثير وقله خياراته امام هذا التحدي الذي يضعه في مواجهة المجتمع بأكمله.
ثانيا: العامل الاجتماعي ويلعب فيها الجهل والتخلف والتجهيل المتعمد وجملة النظم المجتمعية الناظمة والجامدة والمتعارف عليها، يشكل المساس بها نقطه من نقاط المواجهة والاستنزاف، وتوجيه التدمير نحو الذات واغراق المجتمع في صراع ذاتي بعيدا عن المستغل.
ثالثا: عامل العمل الطوعي وضيق فضاء العمل الحر له في ظل الانظمة الشمولية وتدخلاتها في البنية وتقييد تحركاتها وتحوير اهدافها وتقزيم دورها، فتسيس المنظمات الطوعية لخدمة اهداف النظام اكثر منه تنفيذ مراميها المخططة، مما يشل حركتها وتأثيرها علي مستوي المجتمعات المحلية وانفتاحها على المنظماتالدولية وحرمانها من مصادر التمويل.
رابعا: العامل التعليمي والتربوي وما صاحبتها من عمليات التشوية المتعمد والتدمير الممنهج، وقولبتها في نوعين نوع خاص يتمتع بالجودة للنخبة بحيث يحفظ خطوط الفجوة المعرفية مع النوع الردئ للتعليم للعامة التي تقود الى انتاج المزيد من الجهلة وانصاف المتعلمين.
خامسا: العامل الاقتصادي المؤسس على النظام الراسمالي وخصخصة المؤسسات العامة بصورة تزيد من ثراء النخبة وتعمق من فقر العامة، والهيمنة على مداخل ومداخيل النشاط الاقتصادي بواسطة اصحاب الامتيازات، وتقلل من فرص النمو للسواد الاعظم من السكان، وخاصة اهالي الاقاليم تحت المتخلفة او الهامش.
ما سبق امثلة لبعض العوامل المؤثرة التي تزيد من ازمة المثقف التي تقلل من خياراته ومناوراته فالتغيير الثوري الشامل يحتاج الي العمل وفق الامكانات المتاحة وفي ابسط صورها، والانطلاق من المجتمعات المحلية في اطار استغلال افضل الامكانات الكامنة فيها، بصياغة السؤال المهم ما هو التصور المستقلبي الذي يحلمون به في ظل الامكانيات المتوافرة لديهم من امكانيات ثقافية وتأريخية واقتصادية ومعرفية وخبرات الجيل الذهبي ( كبار السن) ، والعمل شيئا فشيئا في صياغة عادات وتقاليد واعراف جديدة تعزز من قيم قبول الاخر والاندماج في اطار الاهداف المشتركة، وفوق ذلك حوار المثقفين من المجتمعات والولايات والمناطق المختلفة حول ايجاد طرق مستحدثة للتقارب، ولايمكن التقليل من شأن التواصل الاجتماعي والزيارات للمناطق والارياف لخلق التقارب وازالة الكثير من المفهومات المتوهمة.