ايليا كوكو
من أروع واجمل ما سمعته اخيراً من حكي و قصص الحب في بلادي قصة الحب و الزواج بين المك كمبجو والاميرة كونجو في هيبان .
انت تحب اذا فأنت انسان ذلك لان الحب نزعة و عاطفة انسانية بحته ميز بها الله الخالق البني ادم دون سائر مخلوقاته . و لان الله محبة فقد كرم الله الانسان و خصه بفضيلة الحب . فالانسان انساناً بالحب و المحبة و تلك غريزة فيه بحبه لنفسه اولاً و هذا ما نجده حتي في الاطفال الذين نسميهم بالابرياء . و الانسان انسان بحبه لله و هذه هي بذرة الايمان المزروعة في قلب الانسان بالفطرة . الانسان انسان لانه يحب الاخرين . عندما لا تحب نفسك و لا تحب الله بل و تكره الاخرين انسان اقرب الي الحيوان . و يصير الانسان حيواناً بتجرده من عناصر المحبة و صفات الحب . و المحبة و الحب مكونان متلازمان في عنصر اولي لا يمكن فك عناصره او تحليل طلاسم جزيئاته و صفاته . و محبة الله هو الحب الاعظم الاسمي الاعلي المتناهي الابدي السرمدي الازلي . و حب الانسان فيه نوع الانانية السادية النرجسية و هو حب نفساني متقلب و متأرجح . هو حب غير ثابت قابل للهزيمة و الفشل و يمكن ان يتحول الي بغضة و كره في لحظة او بين ليلة و ضحاها .
اروع ما سمعته اخيراً من قصص الحب و الزواج في هيبان هو قصة حب الامير المك كمبجو كومي من الاميرة الحسناء مريم كجو .
في العام 1934 م عندما تم ترشيخ و اختيار الفتي الامير كمبجو مكاً لمكوكية هيبان في ثلاثينيات القرن الماضي في زمن الاستعمار الانجليزي للسودان أي قبل نحو عقدين من الاستقلال . لم يكن عمر الامير كمبجو قبيل تعيينه لمنصب المك يتجاوز الستة عشر عاماً أي ان كمبجو كان صبياً يافعاً عشية تنصيبه مكاً لمنطقة هيبان . كان كمبجو رغم صغر سنه يتحلي ببعض و من المميزات الصفات النادرة بين الاهالي في هيبان من بين اقرانه و رصفائه و كل الذين يكبرونه انذاك.اذ كان متعلماً يجيد لغته المحلية قرائة و كتابة كما العربية و الانجليزية . هذا من ناحية و من الناحية الاخري كان كان حكيماً حليماً ذكي و سريع البديهة بجانب تواضعه الجم و سعة صدره و قوة تحمله و استعداده الكامل لخدمة الاخرين من مواطنييه بتجرد و نكران ذات . و هذه الصفات قل ان تجتمع كلها في شخص واحد لكنها هبة هباها الله لعبده كمبجو كومي و هي المؤهلات التي افرزته لهذه المكانة الرفيعة في قيادة أهله فيما بعد بحنكة و نجاح منقطع النظير . و هي ذاتها المميزات التي ذكته لدي الادارة الاستعمارية لتثنيته و قبول مكاً . و كان المستعمر بطبيعة الحال هو الاول و الاخر في القرارات النهائية فهو من يدير كل شئون البلاد العامة الامنية و الاقتصادية و الديوانية و الخدمية و هي المعني اولاً و اخيراً في تعيين الادارات الاهلية و ايضاً الاجتماعية الي حد كبيرو يتدخل في شتي الامورالبينية و الخلافية بين الناس .
و لحكمة يعلمها الله ففي اول القضايا الاجتماعية التي رفعت لمحكمة المك كمبجو الحديث التعين و الالمام بمثل هذه الانواع من المشاكل كانت القضية الاولي في محكمته قضية اجتماعية بحته يخص موضوعه الزواج . و القضية طرفاها بنت صغيرة اسمها كونجو ( مريم ) و أهلها ابيها و اعمامها و اخوانها . وفي الطرف الاخر كان يقف خطيبها و أهله و حضر تلك المحكمة لفيف وجمهور كبير من الاهالي من الرجال و النساء و الشباب في ظاهرة لم تكن معهودة من مما لفتت نظر المأمور او قاضي المديرية و ووفده الميمون .
احتشد الجميع في ساحة المحكمة و محيطها الخارجي و كانت المنصة شجرة عرديب ظليل كبير مورق ممتدد الفروع و الاغصان جلس تحتها أعضاء المحكمة بوقار و ساد الهدوء و السكينة كل الارجاء . و بوصول قاضي المديرية القادم من تالودي عاصمة كردفان في ذاك العهد و صحبه . و قف الجميع و افسحوا لهم المجال فتقدموا و اخذوا اماكنهم المعدة مسبقاً . لتبتدي حيثيات المحكمة و مداولاتها . طلب جاجب المحكمة من طرفي القضية بالتقدم الي الامام . فتقدم الطرفين و في مقدمتهم المشتكي او المدعي و اسمه جارود الي منصة المحكمة التي كان يديرها عدد أثنيي عشر من الشيوخ الكبار يتوسطهم شاب او فتي حديث العمر و صغير السن اسمه كمبجو كومي .
اطراف المحكمة المدعي جارود و هو رجل كبير السن في الاربعيينيات و هو خطيب لبنت صغيرة في عمر بناته فرفضت الزواج منه بعد ان استلم أهلها مهرها من المال علي دائرة المليم .
الطرف الثاني المدعي عليها الفتاة الصغيرة السن و اسمها كونج رفضت بشدة تزويجها من جارود لآنه رجل كبير في السن و متزوج من مرتين .
وقف جارود امام المحكمة الموقرة و ابتدأ في سرد أقواله
جارود للمحكمة : بالحقيقة يا شيوخ المحكمة و حضرة القاضي انا مظلوم شديد جداً من هذه البنت و أهلها . فقد تقدمت مع اخواني و خطبتها برضي و موافقة ابوها و اعمامها . دفعت لهم كل الاموال التي طلبوها مني عشرات التيوس و الماعز و الابقار و التيران و السغلان و قدمت ليهم هدايا تانيه مافي داعي اذكرها هنا . الناس القدامكم ديل ناس طماعيين خلاص يا ناس المحكمة اسمعوا كلامي دا كويس . انا تب ما قصرت معاهم في الحاجات الطلبو مني أكلو مالي كلو و لما جيت قلت ليهم خلاص ادوني مرتي قنبو يلفو و يدورو و يطولو لي في الوقت ساكت . كلامم دا ابداً دا ما كلام رجال يا محكمه …
المحكمة تواصل استماعها الي جارود و لا تقاطعه .
جارود مواصلاً مرافعته : انا اليوم يا محكمة داير واحد من اتنين يما الناس ديل يدوني مرتي نسوقها معي نوديها بيتي ، يما يرجعو لي كلو أموالي و بهائمي الدفعتو ليهم اليوم دا انا ما برجع من هنا بدون مرتي او مالي كلو كلو يا شيوخ المحكمة ..
انحنا قعدنا معاهم كثير و انا كملتا كلامم هم ما ديرين يدوني المرا بتاعي و ما قادرين يرجعو لي مالي الشالو و اكلو مني !
المحكمة تأمر الحاجب بايقاف و جارود ارعاجه الي الخلف و تطلب منه السكوت .
المحكمة : خلاص … خلاص يا جارود المحكمة سمعت كلامك خلينا ندي الناس ديل فرصه كمان و نسمع كلامهم .
يتقدم واحد من اعمام البنت الي منصة المحكمة و ينحني
واحد من الشيوخ يبادره اتفضل قول كلامك للمحكمة .
عم البنت : بالحقيقه يا حضرات الشيوخ المحترمين الكلام كلو القالو جارود دا حقيقي و صاح ، حرم انحنا ما بننكرو ابداً الله بكتلنا . كمان صيحيح انينا قبلنا ندي بتنا لي اخونا جارود و شلنا منو المال بتع البنيه كلو من بدري اكلنا في بطننا . بس لما جينا قلنا للبت دي خلاص دايرين نوديكي لي بيت راجلك البنيه قالت ترتر انا ما دايره الراجل دا . حاولنا كتير تكلمنا مع البنيه عشان تشمي بيت راجلها البينه دي رأسها قوي شديد ابت نوديها لرجلها .
و حسه الكلام دا نسوو كيفن يا محكمه !
المحكمة لعم البت خلاص خلاص سمعنا كلامك في زول تاني عندو كلام من أهل البت نسمع منو .
يتقدم والد البت الي منصة المحكمة
واحد من شيوخ المحكمة لوالد البنت تفضل اتكلم .
والد البنت : زي ما قال ليكم اخوي الكلام دا كلو صح بس بتي دا راسها قوي شديد ما بتسمع كلامي دو دو و دايره تعمل لي فضيه مع الناس حس انا اعمل شنو يا بتي !
انينا يا بتي اكلنا مال بتع جارود كلو و انينا اسا ما عندنا حاجه نرجعو ليهو، ما تسمعي كلام أمامك ديل و تمشي بيت راجلك . بالله يا بت جارود دا مالو هو راجل غنيان عندو كلو حاجات عندو غنم و بهائم كتير عندو بقر وعيش كتير و مال في شنو مافي عندا جارود نسون كلو و بنات أمجن و كوبنق و ابل كلو و بناتا الجبالات دي كلها دايرين جارود الا اتي دي مالك يا بتي .
المحكمة لوالد البنت خلاص كفايه سمعنا كلامك كلو ارجع محلك
يتشاور الشيوخ مع المك الصغير و يتفقوا علي سماع كلام البنت .
تتقدم الفتاة الصغيرة الحسناء الجميلة الممشوقة القوام الممتلئة الجسم و الصدر المشرقة الوجه المبتسمة الثغر . تمشي الهوينا كما يمشي الوحي الوجل وبخطي ثابتة تخطو بخطوات واثقة نحو المنصة و سط صمت و سكون و هدوء منقطع النظير من جمهور الحضور و المنصة كما لو ان شيطان الانس و الجن صب عليهم ماء بارد و ابكمهم !
علي كل حال وقفت الفتاة أمام المنصة وجهاً لوجه امام الامير المك كمبجو كما لو كانت الوقفة مقصودة . و بنظرة ثاقبة منها في عيون أميرنا كمبجو فتلاقت العيون و النظرات و كانت تلك هي النظرة الاولي التي هي خير من الف نظره …
ساد الهدوء السكينة لبرهةً كل الجمهور و المنصة ايضاً . لم يستطع أياً من الشيوخ ان ينبش ببنت كلمة يطلب فيها من الفتاة بأن تتقدم بأفادتها للمحكمة لتستمع لكلامها .
تعلثم الامير المك كمبجو في اول كلامه محاولة لقول شيئ للفتاة فلعن الشيطان في سره عشره مرات و لعن جارود الف مره
قائلاً : و هذا بالطبع في سره الله يلعنك يا جارود العجوز ما حرام عليك تدخلنا في الورطه دي البنت دي ماها قدرك و لا قدر لحم صدرك و لا بتشبهك و لا بتساوي كل مالك و لو كان مالك مال قارون ذاتو يا حيوان !
انتبه الامير لسرحانه و شروده و توهانه و تفرس بأمعان لوجوه الجميع و هي تتفرس في ووجهه بوجوم منتظرين كلامه للفتاة و تقديمه اياها للمحكمة . فترجل المك اخيراً و فتح فاه و قال للفتاة تفضلي يا أختي و قولي كلامك للمحكمة .
تكلمت الاميرة الصغيرة بصوت الاميرات و تفوهت بكلامهن قائلة : شكراً لكم جميعاً اابائي و اعمامي و أخواني هنا : بالحقيقة انا مظلومة من أبوي و أعمامي و أخواني كلهم . فقد خطبوني للرجل دا بدون ما يكلموني او يشاوروني و بدون قبولي خطبوني ليهو بس عشان طمعانين طمع شديد في مالو . كمان الرجل الكبير دا الاسمو جارود الواقف امامكم ما كلمني قال انا داير اعرسك . ولم يتشجع أ يوماً و يقابلني وياخد رأي بخصوص الزواج منو . هو بفكر انو بمالو الكتير ممكن يأخدني جبريه و اجباري او يشلني مرا و يشتريني بالمال بس …
يا حضرة المحكمة انا واقف اليوم دا قدامكم بطلب حريتي و حريه البنات كلهم اخواتي في كلام الزواج مافي زواج جبريه . البت لازم تقبل الراجل اولاً بعد دا الناس ممكن يشيلو المال . كلام الزواج هو كلام الراجل مع المرا او البت .
و خلصت مريم كلامها فيما يعني بأن الزواج هو أمر شخصي للبنت لانها هي التي ستعيش باقي عمرها مع الراجل الذي ستتزوجه بغض النظر عن المال و البهائم التي تدفع للأسرة او غناه و فقره . ظل كل الحضور و المنصة في وجوم و صمت مريب .
ختمت البنت كلامها بقولها : كلامي الاخير ليكم كلكم انا ما داير الراجل دا . رجعوا لجارود المال الشلتو منو انا ما حا اتزوجو كلو كلو حتي كان انا اموت .. !!!
رئيس المحكمة المك كمبجو للبنت
كويس يا أختي ممكن تورينا ليي انتي ما دايره الراجل دا .
البنت : الراجل دا زي ما انا قلتا كبير مني و هو عندو مرتيين و انا ما ممكن ابداً ابداً اتزوج راجل عندو مرتين حتي كان اقعدت ساكت بدون عرس … عرس من راجل مرتين اخير منو قعاد ساكت بدون زواح ، دا كلامي النهائي كان قبلتو قبلتو انا ما عندي كلام زياده تاني .
تراجعت الفتاة الي الخلف بينما ضج الحضور و المنصة لدقائق دون ان يفهم أي زول كلام الزول التاني قاعد يقول في شنو او لي منو !!!
هدأ حاجب المحكمة الجميع و اخيراً تكمن من استعادة الهدوء الي المحكمة .
طلب احد الشيوخ في المحكمة من الطرفين الخروج لمدة نصف ساعة حتي تتشاور المحكمة .
و بعد ساعة استدعي الجميع للرجوع الي المحكمة .
ابتدر احد الشيوخ الكلام و طلب من الطرفين الاستماع الي قرار المحكمة من المك الصغير كبجو كومي .
قال كمبجو : بعد ان استمعت المحكمة جيداً لكل الاطراف و من خلال المداولات و التشاور بين اعضاء المحكمة رأت المحكمة . ان تمنح الطرفين مدة شهر واحد حتي يتمكنوا من حل الخلاف بين البنت و جارود . و اذا فشلوا خلال هذه الفترة يعودوا الي المحكمة حتي تحدد ما هو المناسب و تصدر الحكم النهائي .
في اثناء كلام المك كمبجو لاحظ الجميع تململ جارود الواضح و غضبه الشديد و كيف كان يتصبب عرقاً رغم اعتدال الجو .
فبادره المك كمبجو مالك يا جارود مقلق كدا ، كلام المحكمة دا ما عجبك و لا شنو .
رد جارود بشه هياج و تشنج واضح كلام المحكمة دا ما عاجبني دو دو … الناس ديل مستهبلين اكلوا مالي و ما ديرين يدوني مرتي و لا قادين يرجعو لي مالي ، انا با بقدر انتظر شهر تاني و البت قالت ما دايراني دودو . طيب خلوهم يرجعو لي مالي حسه … انا خلاص ما دير البت دي تاني بس داير مالي .
المك كنبجو : خلاص اسمع كلامي دا يا ابوي ، ادينا شهر واحد و في الشهر دا الاسرة والناس كلهم و انا ذاتي نتكلم مع البت أمكن تغير رأيها و توافق علي الزواج . و اذا البت قوت رأسها و ابت الزواج منك . انا و أهلها نشوف طريقه عشان نرجع ليك مالك .
وافق جارود علي مضض عسي و لعل ان تتراجع خطيبته عن الرفض و تتزوجه . و كان جارود يعلم في قرارة نفسه بأن البنت لن تتراجع عن كلامها و ان أهلها لن يتمكنوا من ارجاع المال ، لكنه قبل الاذعان لرأي المحكمة علي مضض فقد اعجب ً بكلام المك الصغير و طريقته الجديده في الحكم و التشاور .
اسدل الستار علي اغرب واطول محكمة تشهدها المنطقة وقتذاك حيث لم تكن للبنت رأي في قبول او رفض رجل يتقدم للزواج منها يوافق عليه ابيها و اعمامها و اخوانها و كل الاهل . علي كل حال انفضت سامر المحكمة و تفرق الجميع بأفكار و رؤي مشتته متحيرين ما الذي سيحدث خلال الشهر .
في خلال فترة الشهر قام الامير كمبجو الذي أعجب بالبنت ووقع في حبال حبها منذ النظرة الاولي لها في قاعة المحكمة . فقام في بداية اليوم التالي بأول زيارة ودية له الي أمجن التي تقع وراء الجبل الاسود في الناحية الغربية لمنطقة هيبان . و أمجن بالنسبة للفتيان و الشباب في عمر كمبجو تبعد عن ارل مسافة ساعتين و نصف من المشي السريع المتواصل بدون توقف . المرء يقوم بالصعود و النزول و الهبوط المتتالي بين الروابي و التلال و الجبال و الخيران الكثيرة في تلك النواحي . لكنها أي أمجن بدت لكمبجو قريبة جداً و صار يصلها في أقل من ساعة و نصف الذهاب و تلك مشاوير المحبة التي يهون معها أي جهد او مشقة و تعب في سبيل الوصول و لقاء المحبوبة . و في تلك الرحلات المكوكية ادعي كمبجو بأنه يحاول ردم الهوة بين الفتاة و خطيبها جارود . تكلم الموضوع مع اخوانها و ابيها و اعمامها عدة مرات ليتأكد منهم جميعاً بأنهم موافقين علي زواجها من جارود . كما انفرد بها مرات قليلة و تكلم معها و تلميحات و اشارات و نظرات المحبين . نسي أمر جارود و ابتدأ يتكلم الي الفتاة عن نفسه و لمح لها بأكانية زواجه منها ان هي اصرت علي رفض جارود و قبلته زوجاً سكتت البت عن الاجابة و الكسوت دائماً من علامات الرضي . في لقائه معها بحضور اخوانها و اخواتها و بعض الاصدقاء و الصديقات في جلسة عائلية خصصت للأحتفاء به في دارهم في أمجن . تأكد لكمبجو بما لا يدع مجالاً للشك بأنه قد وقع فريسة غرام وحب شديد للفتاة خطيبة جارود كما لاحظ في عيون الفتاة و قسمات وجهها تعابير و نظرات ودية تنم عن هوي و حب و عشق متبادل له من الطرف الاخر . و تبدل الحال بين الطرفين كمبجو و البنت من محاولة الاول لأقناع الفتاة من الزواج من جارود الي التفكير الجاد في الزواج منها . كما وجدت الفتاة في كمبجو فارس احلامها الذي أحبته جباً جماً فهذا هو هو فتي احلامها الذي كانت تحلم به . فارس الاحلام الذي سيخطفها و يطير بها محلقاً في فضاءات الهوي و الحب و الهيام . سيركبها علي بساط الريح لابيض و يأخذ الي مكان بعيد بعيد جداً الي ما وراء جبال أمن . الي مكان أمن بل بعيداً الي ما لا يستطيع جارود الوصول اليه و تلك كانت كل أمنية الفتاة و أمانيها و احلامها و غاية حياتها ووجودها .
و في الجانب الاخر اخذ الهيام والولع و جنون الحب العذري يدب في الفتي الامير المك كمبجو من الضفة الاخري . فتغيرت اولوياته و تبدلت روحه الحكيمة و تغير فيه اوجه المثاليات المزخرفه في وجدانه الباطن . انتشت ف روحه عبقرية الحب تزاحم الحلم و الحكمة و الكياسة و فارت في لوائجه الشجون و المجون و ثارث فيه كوابح الشباب امتزجت و ثارت في دواخله امور لم يكن يألفها و يعرفها و يحس او يشعر بها . اضحي الفتي صريع التوهان و السرحان تائه في متاهات حب الفتاة حد التفكير في اختفاء غريمه جارود عن الوجود الي الابد قبيل انتهاء مهلة الشهر الذي قاربت ايامه من الانتهاء كما لو كان في حلم يقظة مثير جميل خطر. و مرت سريعاً كالخيال الاحلام مرت سريعاً تنداح بالاشواق و تفصح الريد المكنون .
اضحي كمبجو اسير الهوي و الحب لا يدري كيف يفك خيوط و طلاسم اللغز المحير الذي وقع فيه .
بادر بمكاشفة اخوان الفتاة الذين اضحوا اصدقائه و تلاشت بينهم الحواجز و الكلفة و الاسرار . قائلاً الايام بتمشي بسرعة و الشهر قرب ينتهي و اختكم لسه مصره علي رأيها و ما دايره تتزوج جارود انتو حلكم شنو للمشكله دي ؟
لم يكن لأخوان البنت بالطبع حيلة او اجابة شافية فهم في حيرة من أمرهم فلا يمكنهم تزويج اختهم غصباً عنها كما ان امكانياتهم و خياراتهم تكاد ان تكون صفرية و أسترداد المهر للرجل شبه مستحيل في الوقت الراهن ما لم يأتيها عريش غنيان يقد علي سداد مال جارود .
اما هم فلا حول و لا قوة لهم امام جارود و المحكمة . كل الخياران اصعب من الاخر و لاتوجد حلول او منطقة وسطي او خيار ثالث .
لمح لهم كمبجو بأمكانية وجود حل او خيار اخر و بديل يمكن ان يساهم به معهم لحل المشكلة ان هم وافقوا عليه . لم يصدق الاخوان أذانهم و كادوا ان يطيروا من الفرح و الخبر السار . طلبوا من كمبجو ان يفصح لهم عن هذا الخيار و الحل حتي يخرجوا من المأزق الذي ورطتهم فيه أختهم . فقد ظل جارود يستغل هذه الورطة بمناسبة او بدون مناسبة للتشهير و الاستهزاء بهم حد الشماته و نعتهم بضعف شخصياتهم . فكيف يعجزون عن الزام أختهم الصغيرة بالزواج بعد ان أكلوا مالها و تزوجوا بها . فهذا الامر كان يزعجهم و يجعلهم صغاراً امام انفسهم و المجتمع من حولهم .
طلب منهم كمبجو مهلة و فرصة يومين و في الزيارة القادمة له سيكشف لهم الحل و يفك اللغز فوافقوا علي الفور. لكنه قبيل المغادرة طلب منهم السماح له بالتحدث الي الفتاة علي انفراد فسمحوا له و نادوها و انسحبوا من المكان. كان لقاء كمبجو هذه المرة بالفتاة معشوقته المجنونة جن احمر لقاءاً سريعاً عابراً و كان وقوفها امامه منفردة حدثاً مبهراً حد الارتباك و الكبكبة و الرجفان .
باغتها كمبجو بسؤال مباشر هل انت مازلت مصرة علي عدم الزواج من خطيبك جارود ؟
كان جوابها اسرع من الرصاص الحي لن اتزوجه و ان اجبروني علي هذا الزواج سأنتحر فوراً قبل ان يعرفني…. !!
كمبجو بسؤال اخر مباشر : هل توافقين علي الزواج مني ؟
الفتاة أواقف علي الزواج منك بدون أي شرط .
كمبجو شكراً جزيلاً حبيبة عمري مع السلامة و الي اللقاء .
رجع كمبجو الي قريته ارل تحمله الرياح نشواناً مغبوطاً جزلاً ونام ليلته تلك نوماً عميقاً كما لو لم يكن قد نام طيلة حياته .
في صباح اليوم الباكر بعد الحديث مع ابيه تم استدعاء اعمامه و حدثهم عنما يدور في خلده . و اخبرهم بما تم في أمجن فبارك له والده و اعمامة الخطوة و اتفقوا علي كتمان الامر الي ما بعد يوم المحكمة . و من ناحية اخري شرعوا في عمل اللازم جهة اعدادو تجهيز مال جارود و كيفية تسليمه له بعد المحكمة .
في اليوم التالي و هو اليوم الذي كان اليوم الاخير قبيل موعد المحكمة ، عاد الامير كمبجو سريعاً الي أمجن ممتطياً صهوة جواد الحب و الغرام . اجتمع كمبجو سريعاً مع اخوان الفتاة و ابيها وواحد من اعمامها ليخطرهم بأن البنت لن تتزوج من جارود غصباً عنها في المحكمة . وثم فاجأهم بأنه يطلب يد بنتهم منهم بعد ان اخبرهم بموافقة البنت و موافقة أهله بعد ان شاورهم في الامر . تم مناداة الفتاة من قبل عمها فتأنت في الحضور فذهب اخوها الكبير ليصطحبها معه الي المجلس .
سألها ابوها : المحكمة ستنعقد في يوم الغد و انت لا تزالين مصرة علي رفض الزواج من جارود اليس كذالك .
الفتاة : نعم يا أبي لن اتزوج من ها الرجل ابداً .
عمها لقد تقدم كمبجو بطلب يدك هل توافقين بالزواج منه ؟
الفتاة . نعم يا أبي و عمي أوافق بالزواج من هذا الرجل .
انتهت الجلسة الاسرية بموافقة افراد الاسرة بتزويج ابنتهم لكمبجو بعد سداده للمال لجارود امام المحكمة في جلسة الغد .
باركت الاسرة خطوبة ابنتهم لكمبجو و باركوا لكمبجو الخطوبة .
الجلسة الثانية
انقضي الشهر بسرعة البرق لكل الذين كانوا ينتظرون انتهاء مهلة الشهر من الاطراف الاخري . اما بالنسبة لجارود فقد كان شهراً طويلاً ثقيلاً مملآً و صعباً . فقد كان جارود في شوقاً عارم بأن تتراجع البنت عن قرار رفضها الغير مبرر له و ذك بضغط من أهلها لصعوبة ارجاع ماله الكتير .
انعقدت جلسة المحكمة في اليوم الموعود و كانت جلسة تاريخية حضرها كل مجتمع ريفي هيبان الذي انتظرها و ترقبها بشوق عارم .. لكنها كانت جلسة قصيرةً سريعة بعكس خيالاتهم و توقعاتهم لها . التئمت الجلسة و تقدم الطرفين الصفوف الي منصة المحكمة . فقط كان الغائب عن جلسة المحكمة الشهيرة هي العروس فتاتنا الاميرة كونجو ( مريم ) خطيبة جارود …. و عروسة …….!!!!
اشار الحاجب رافعاً يده اليمني صاحياً بصوت عالي محكمة فساد الصمت و السكون كل الارجاء … تلي احد الشيوخ الكبار خلاصة الجلسة الماضية و اجندة جلسة اليوم فطلب من كمبجو الحديث بما تم خلال الشهر فيما يخص قبول الفتاة الزواج من جارود ام استرداد المهر لجارود .
هب كمبجو واقفاً بشموخ أمام المحكمة و الحضور ليقدم افاداته
قائلاً : السلام لكم حضرة جناب قاضي المديرية و رفاقه الكرام . التحية و الاحترام لكم ايها السادة اعضاء المحكمة الاهلية ريفي هيبان الموقرين . أهلي و عشيرتي الاباء و الامهات و الاخوات و الاخوان الاعزاء و كل الجمهور الذين حضروا المحكمة السابقة الخاصة بمشكلة زواج جارود من الفتاة كونجو كجو و رفض البنت هذا الزواج السلام عليكم ..
بالحقيقة في هذه الجلسة المهمة سأوضح لكم ما تم و دار في خلال الشهر الماضي من جلسات فيه حوارات ومناقشات و مفاوضات طويلة و صعبة للغاية قمت بها انا بنفسي مع أهل البنت ابيها و اعمامها و اخوانها انتهت الي الرفض التام من البنت الزواج من خطيبها جارود . فقد زرت أمجن سبع مرات بالتمام و كانت اخر زيارة لي لأمجن هو يوم الامس . حاولت كثيراً كما حاول أهلها اقناعها بالزواج من جارود خاصة و ان جارود رجل محترم و لم يسمع احد من اهل المنطقة أي حاجه او كلام كعب و لا مشكله في شخصية جارود . فجارود رجل مشهود له بحسن السيرة و السلوك و الاخلاق و كمان هو رجل شبعان بالمال و اسرته اسره ما شاء الله ما فيها كلام كلهم ناس طيبين و كريمين و بيتهم بيت كل الناس هنا ما في كلام ابداً فيهم .
قلت ليكم حاولنا نقنع البنيه بالزواج من جارود لكن للأسف الشديد البت ابت كلو كلو زي ما انتو عارفين قالت ما بتتزوج جارود دا حتي لو تشنق نفسها و تموت ما راح تتزوج جارود ابداً ابداً .
و عشان ما اطول ليكم الكلام ساكت من اليوم العلاقه بين كونجو و جارود انتهت . سيتم ارجاع كل المال الذي دفعه جارود لأهل البت علي دائرة الملين .
المك كمبجو يوجه وجهه نحو جارود : يا جارود مالك جاهز بكره تجو تتسلمو مني .
جارود : كيف يعني انا ما فاهم حاجة كلو كلو
المك : انت مش داير مالك يا جارود
جارود بالحيل انا داير مالي مادام البت ابتني .
المك : ما خلاص انا قلت ليك انا ح ارجع ليك مالك لأنو انا ح اتزوج البت .
عقبالكم شا شباب .
انتهت القصة رواها لي داؤد كمبجو .