ترجمة وتحرير : صوت الهامش
في سياق مساعيه المضنية لمواجهة أزمة تدفق اللاجئين عليه، هل بدأ الاتحاد الأوروبي في تجاوزمعاييره لحقوق الإنسان والالتفاف عليها عن طريق تقديم الدعم لمجرمي الحرب من خلال صندوق الاتحاد الأوروبي الإئتماني للطوارئ في أفريقيا؟
بدا الحوار رفيع المستوى بين السودان والاتحاد الاروبي في نوفمبر 2015 خلال قمة الاتحاد الأوروبي وافريقيا حول الهجرة عندما التقى وزير الخارجية السوداني ابراهيم غندور مع كبار المسؤولين الاروبين في فالنيا-مالطا . حيث تعهد الاتحاد الاروبي بتقديم 2.2 مليار دولار للصندوق الائتماني للبلدان الأفريقية لاعادة توطين المهاجرين غير المرغوب فيهم .
الاتحاد الاوروبي يري في الهجرة الي اروبا من أفريقيا والبحر المتوسط تهديدا وجوديا . ومع ذلك لا يمكن حل ازمة الهجرة من خلال التعاون مع انظمة الابادة والقمع، مثل نظام عمر البشير رئيس السودان .
علي الرغم من عقود من تمويل المساعدات الإنسانية والعقوبات الاقتصادية والدبلوماسية والمساعدات الفنية وبناء القدرات بواسطة مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة ومذكرات الاعتقال الدولية ضد عمر البشير، الا ان نظامه ما زال مستمرا في ترويع الشعب السوداني والافلات من العقاب . ان سياساته وممارساتة تمثل الاسباب الجذرية لمعانة النازحين داخليا وتدفق اللاجئين خارج القطر والاتجار بالبشر عبر السودان . بعد سوريا وكولومبيا والعراق . السودان لديه اكبر عدد للنازحين في العالم يقدر ب 3.1 مليون نازح . السودان ايضا هو طريق رئيسى لهجرة اللاجئين الي اروبا عبر ليبيا .
فى 16 فبراير 2016 التقى ابراهيم غندور وزير خارجية السودان مع نظريته في الاتحادى الاوروبي السيدة مورقانى لحوار بروكسل عن الهجرة ووصف الاتحاد الأوروبي الزيارة بانها الخطوة الاولي لتحديد اتجاه التعاون المستقبلي بين السودان والاتحاد الأوروبي.
وفى بيان للاتحاد الأوروبي عن زيارة غندور , اشاد الاتحاد الأوروبي بدور السودان البناء في المنطقة. في اليوم التالي اعلنت المفوضية الاروبية مبلغ 110 مليون دولار (100 مليون يورو ) وهى حزمة تدبير خاصة للسودان والتى ستكون مخصصة لمعالجة الاسباب الجذرية للصراعات السودانية الجارية في اطار الصندوق الائتماني للطوارى لأفريقيا التابع للاتحاد الأوروبي. وسيحصل السودان علي مبلغ اضافى قدرة 44 مليون دولار لتطوير قدرة البلدان الأفريقية لمعالجة جذور الهجرة جنبا الي جنب مع بعض معدات المراقبة والتدريب .
خلال مراسم افتتاح حوار المملكة المتحدة والسودان في مارس هذا العام . اعرب مدير دائرة افريقيا بوزارة الخارجية البريطانية السيد ونيل ويجان نية بلاده للعمل مع الحكومة السودانية حول قضايا الاتجار بالبشر والهجرة والتطرف وغيرها .
سفير المملكة المتحدة لدى السودان قال انه يتطلع الي حوار مستمر بين البلدين. هذا يعد تحولا كبيرا في موقف المملكة المتحدة بشأن السودان . وينبغي النظر الي هذه التطورات في ضوء حقيقة ان المملكة المتحدة حاليا ترأس مبادرة الاتحاد الأوروبي لهجرة القرن الأفريقي (عملية الخرطوم) ، حيث يمكنها استخدام دورها في توسيع التعاون بين الاتحاد الأوروبي والسودان. لكن بريطانيا صوتت مؤخراً للخروج من الاتحاد الأوروبي، الامر الذي الي يدعو الي التساؤل بشان مستقبل نفوذها علي الهيئات الاقليمية الأوروبية!
فى ابريل الماضى، زار مفوض الاتحاد الأوروبي للتعاون الدولي والتنمية نيفين مميكا، الخرطوم، حيث التقي بكبار المسؤولين بمن فيهم نائب البشير ، ركزت الزيارة علي قضايا الهجرة .
علي الرغم من هذا الحوار الجار والتعهدات بملاين اليورو، لا توجد خطة واضحة لكيفية انفاق هذه الاموال ، وما الدور التى ستلعبة الحكومة السودانية.
كل هذا التمويل اصبح ممكنا من خلال اتفاقية كوتنو . اتفاقية كوتنو وقعت بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا والبحر الكاريبي ودول المحيط الهادى ودخلت حيز التنفيذ في عام 2003 ، وتهدف الي القضاء على الفقر ومساعدة الدول الموقعة عن طريق دمجها فى الاقتصاد العالمي. انسحب السودان من اتفاقية كوتنو في عام 2009 بعد ان تمت مراجعتها لتشمل في اهدافها مكافحة الافلات من العقاب وتعزيز العدالة الجنائية من خلال محكمة الجنايات الدولية. كما هو ان البشير مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية منذ عام 2009 بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والابادة الجماعية في دارفور .
الوثائق المسربة في صحيفة دير شبيغل الالمانية وتقارير احدي برنامج التلفزيون المانى اوضحت ان الاتحاد الأوروبي تأكد من خطورة التمويل وشبكات التهريب والاتجار بالبشر في المنطقة، وهى فى درجة عالية من التنظيم والتطور وغالبا ما يتواطئ معها مسؤولين حكوميين . لا شك ان الفساد يستشري علي نطاق واسع فى كل الدول المستفيدة، حيث تسهل الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر من خلال التواطؤ من مكاتب بيع التذاكر وبوابات العبور فى المطارات و موظفي الجوازات والهجرة ودوريات الحدود وغيرها . جدير بالذكر ان الذين يديرون الصندوق الائتماني للطوارى في الاتحاد الأوروبي هم علي علم منذ فترة طويلة بهذه المشاكل المستمرة .
ويستند التقارب بين الاتحاد الأوروبي مع السودان علي حسن نية البشير ويفتقر الي التدقيق في سجل النظام . بالنسبة للكثيرين في السودان اصبح التهريب والاتجار بالبشر تجارة مربحة، حيث تورط ضباط كبار من جهاز المخابرات الوطنى الامن في الاتجار بالبشر والتهريب لتحقيق مكاسب شخصية.
وموخرا في عام 2004 ذكرت منظمة مراقبة حقوق الانسان(هيومن رايتس وتوش) انها عثرت علي ادلة تؤكد ان طائرات النظام قصفت عمدا المستشفيات والمرافق الانسانية الاخرى . ان وضع معدات المراقبة فى يدها وتزويدها بالخبرة سوف تقوى قدرة هذه الحكومة علي استهداف السكان الاكثر ضعفا ويعرض حياة العاملين في الحقل الانسانى للخطر.
هذا التعاون يقوض معايير حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي. وبصرف النظر عن الحجة الأخلاقية , فيإ نّ إعطاء الأموال لمجرمي الحرب يتجاوز الرضا إلى التواطؤ، فإنّ هناك أسبابا عملية تستوجب على الاتحاد الأوروبي ألّايمضي في تقديم مثل هذا التمويل. ففي حين إن تدفق اللاجئين عبر ليبيا قد ينحسر مؤقتا جرّاء ذلك، فإن هذا التدبير لا يشكّل حلا على المدى الطويل. فالشباب في السودان يحتجون من أجل حقوقهم، وتظهر العديد من التحركات داخل السودان أن الانقسامات العرقية القديمة،التي سمحت للبشير بالحفاظ على على الحكم بتشجيع الإحتراب، في طريقها إلى التلاشي. وسوف ينجح شعب السودان في النهاية في تحقيق مساعيه من اجل ديمقراطية جديدة للأمة، ولكن السياسات الخاطئة للاتحاد الأوروبي لا تؤدي إلّا لعرقلة هذِه الجهود وإطالة امد المعاناة. متى يتعلّم المجتمع الدولي أن يتوقّف عن مكافأة الحكام المستبدين على ارتكابهم اعمال العنف التي لا توصف؟
*****
*****
أحمد حسين آدم هو زميل زائر في معهد جامعة كورنيل من اجل تنمية افريقيا وباحث في قسم السياسة العامة والادارة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
آشلي روبنسون هى خبيرة حقوق السياسة العامة وحقوق الإنسان. حصلت على درجة الماجستير من جامعة كولومبيا، كلية الشئون الدولية والعامة .
المصدر : ورلد بوليسي جورنال