بقلم عثمان نواى
أ) العلمانية لا تهدف الى فك ارتباط الدين بالدولة بقدر ما تهدف الى إنهاء اى فرص لاحتكار الدولة من قبل رجال الدين او احتكار الحكم من قبل اى انتهازيين سياسيين باسم الدين. اى هى اختيار ان يحكم الدولة رجال دولة وليس رجال دين.
ب) العلمانية هدفها ليس محاربة الدين، لكن هدفها التأكيد على ان الدين ثابت، اما السياسة فمتغيرة. فهل يعقل ان يصبح الدين متغير حتى يحكم؟ ” مثلا نرى كيف اضطر علماء السلطان فى السعودية إلى التراجع بشكل مخجل عن فتاوى دينية كانوا يرددونها منذ عقود مثل حرمة الموسيقي وحرمة قيادة السيارات، والان مع تغير سياسات الملك تغيرت الفتاوى، فهل يعقل ان يتغير الدين مع الساسة الحاكمين باسمه؟” اى ان العلمانية ” تنزع صفات القداسة المستلفة من الدين عن السياسة والسياسيين”.
ج) العلمانية لا تحظر او تقلل من اى دين، ولا تهدف الى إفساد المجتمع. العلمانية فقط تؤكد على حق الناس فى حرية الاختيار، بما فى ذلك اختيار معتقداتهم وأيضا ان يختاروا كيف يمارسون تلك المعتقدات، وان يكون ذلك الاختيار حر تماما وليس تحت ضغط من الدولة او القوانين. اى ان الحجاب او شرب الخمر هى أمور لن تفرضها القوانين ولن تمنعها أيضا هى خيارات الأفراد. من أراد ان يمتنع عن شرب الخمر فهو يفعل ارضاء لله وليس خوفا من الشرطة، ومن تريد ارتداء الحجاب فهى ستفعل أيضا ارضاء لله وليس خوفا من الجلد. اذن العلمانية فى الحقيقة توفر الأجواء الصحية لاختيارات الأفراد لاتباع معتقداتهم وان يكون الرقيب عليهم هو ضمائرهم الحية وليس شرطة النظام العام او رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذا إضافة الى ان من أراد ان يرتكب الإثم ويخرق اوامر يعلم انها من الله لن تردعه قوانين البشر. اذن العلمانية لن تفسد المجتمع، لكن اذا كان المجتمع فاسد من الأصل فربما تفضح ذلك الفساد.. فهى اختبار حقيقي لمدى الفضيلة فى المجتمع الذى يدعيه بعض مدعين حماية المجتمع..
د) الدولة العلمانية لا تحمى الأفراد من أنفسهم، ولكنها تفرض القوانين التى تحمى المجتمع من تفلتات الأفراد وتحمى حقوق المجتمع على الأفراد. فحريتك تنتهى عند حدود حرية الآخرين. من حقك ان تشرب الخمر ولكن ليس من حقك القيادة وانت غير واعى لان حريتك هنا تضر الآخرين.. اى ممارسات فردية شخصية لا تضر الآخرين هى ليست من تخصص الدولة لضبطها. وهذا هو تفكير عقلانى فى دور الدولة التى تحترم حرية الأفراد وتعلم ان دورها حماية المجتمع ككل توفر الموارد والجهد لخدمة المجتمع وتحقيق رفاهيته.
ه) الدولة العلمانية لا تمول المؤسسات الدينية ولا تاخذ منها اموال، كما أنها لا تبنى برامجها لخدمة المجتمع على أسس دين معين ولكن على الأسس العلمية المثبتة عمليا على أنها سوف تحقق أهدافها. على سبيل المثال استغرقت كل برلمانات السودان منذ الاستقلال معظم وقتها فى نقاش كيفية صناعة دستور اسلامى بما فى ذلك برلمانات الثورات فى ١٩٦٤ وفى ثورة أبريل كان النقاش معظمه عن قوانين سبتمبر.. لكن لم يبذل ذات الجهد فى وضع سياسات التنمية او حتى تحديد مسار الاقتصاد هل راسمالى ام اجتماعى اشتراكى ام ماذا. ولم ياخذون ذات الوقت للنقاش حول استغلال موارد السودان. لذلك فإن إخراج نقاش الدين من معادلة السياسة سوف يوفر لأول مرة مساحة لنقاش قضايا الدولة الحقيقية التى تحقق تطور وتنمية الدولة والمجتمع السودانى ككل.
و) فى الدولة العلمانية يعتبر الإنسان كفرد هو القيمة الأعلى، ولذلك تعطى كل الاولوية لحفظ حياته والتأكد من احترام الكرامة الإنسانية. ليس لان الدولة العلمانية لا تؤمن بوجود اله، ولكن لانه الدول دورها هو تحقيق العدالة وليس العبادة، الأفراد هم المطلوب منهم العبادة وليس الدول ومؤسساتها.
ز) الدولة العلمانية بطبيعتها دولة حديثة ويجب ان تبنى مؤسسات مستقلة لخدمة مصلحة كل فرد اولا وليس المجموعات او القبائل او الاثنيات او الطوائف الدينية. ولذلك تتحمل الدولة مسؤوليتها تجاه كل فرد او مواطن ولا ترمى تلك المسؤولية لبيوتات دينية او شيوخ قبائل او غيره . حيث ان احد أزمات الدولة السودانية انها لم تتحمل طول تاريخها الى الان مسؤوليتها تجاه كل مواطنين السودان بل كانت تلقى بكثير من العبء على شبكات السند الاجتماعى التقليدية من قبائل او طوائف او طرق صوفية او غيره، فكان ملايين السودانين باستمرار خارج شبكة خدمات الدولة سواء لأنهم نازحين تتحمل عبئهم المنظمات او كانوا حواريين للشيوخ ياكلون فى الخلاوى او سارحين فى العراء رعاة ومزارعين ترعاهم مشايخ القبائل، بينما لم تتحمل الدولة فعليا اى مسؤوليات تجاه كل هؤلاء الذين ربما يمثلون نصف السكان او اكثر . لكن مع انتشار الحروب وتغير الأوضاع لأسباب يطول ذكرها تواجه الدولة السودانية الان لأول مرة مسؤوليتها تجاه أربعين مليون فرد وتتفاجا بهذه المسؤولية بعد غفلة واحتكار لموارد الدولة للقلة المختارة . ولذلك كان الصراع دوما على حكم الدولة وكأنها ملكية خاصة وليس كانها منظومة مؤسسات خدمة افراد الشعب. ولذلك فإن تفكيك هذه الهيكلة الحصرية للدولة ووضعها تحت خدمة مصالح كل افراد الشعب السوداني وليث تحت خدمة مصالح مجموعات او اثنيات او قبائل هو اول لبنات نقل الدولة السودانية من دولة متخلفة قبلية الى دولة حديثة مبنية على خدمة مصالح افراد الشعب.
ح) العلمانية تؤمن بدور العلم فى تقديم الحلول لحكم الدولة ، وذلك من منطلق التأكد من قابلية كل حل للتجريب والتأكد من الفعالية قبل التطبيق، احتراما للمسؤولية تجاه المجتمع وضمان لحقوقه. لذلك لا يمكن وضع السياسات على أسس غير علمية او غير قابلة للفحص والمراقبة والمحاسبة ومن قبل افراد يعتقدون انهم فوق المحاسبة ولا يستخدمون العلم بل فقط الأهواء او التصورات الشخصية الغير مثبتة الفعالية. لذلك الدولة العلمانية تغلق الباب أمام التجارة بالدين والفساد باسمه على مستوى الدولة.
ط) الدولة العلمانية تغلق الباب أمام التمييز باسم الدين او اللون او المعتقد او الأصل العرقى على مستوى الدولة، لأنها تقر ان الانسانية هى معيار القياس الوحيد. كما ان حرية الإنسان هى جزء اساس من احترام تلك الإنسانية لذلك الاستغلال والاستبعاد والتمييز وكل ما يحط من كرامة الإنسان تصبح غير موجودة. وبالتالى تصبح الفرص متساوية أمام كل مواطنين الدولة فى الحصول على كل الحقوق والقيام بالواجبات
[email protected]