«سلسة مفاهيم وخطوات عملية مرجوة نحو مدنية الدولة السودانية[58]»
بقلم/موسى بشرى محمود على-26/03/2020
تناولت فى الجزء الثانى من المقال الإجابة على بعض الأسئلة التى طرحتها في الجزء الأول وسأحاول جاهدا” سبر غوار الإجابة على بقية الأسئلة فى هذا الجزء والأجزاء التي تليه.
سأدلف الى السؤال مباشرة وهو لماذا ضباط الجيش من اقليم معين وباقى الجنود من أقاليم أخرى؟
الإجابة بسيطة جدا” وهو أن الطبقة الحاكمة فى السودان تؤمن بنظام أو فلسفة classification of community for three levels أى تصنيف المجتمع الى ثلاث مستويات معينة للحكم فى السودان باعتبار شرف القيادة فى القوات المسلحة وبقية الأنظمة العسكرية الأخرى تكون من إقليم واحد والمستويات الدنيا من القيادات الوسيطة فى الضباط توزع فى إقليم أو اقليمين وأما بقية العوام من الشعب السودانى وخاصة أهل الهامش فهم مجرد أتباع ويكفيهم فقط الجندية ولا يستحقون أن يكونوا ضباطا” رفيعى المستوى فى كابينة القيادة العليا للقوات النظامية أي حسب المثل المحلى:«عليهم بمسك قرون البقرة والضباط هم من يحلبوها»! ويدفع بهؤلاء الجند للقتال فى الصفوف الأمامية ومواقع الشدة وأما هم فالمكاتب الفخمة والإدارة هى من صميم عملهم من دون كد أو جد.
هناك سياسات اتبعت خصيصا” وتم تغليفها بالشمع الأحمر وأصبح متفق عليه فيما بينهم وخط أحمر يجب عدم تجاوزه مهما كان الاختلاف مع الحاكم الذى ينحدر من ذلكم الإقليم بحيث يصبح شرط الترشح لقبول ضباط الكلية الحربية والكليات العسكرية الأخرى أن يكونوا من اثنيات محدده وينتمون لذلك الاقليم ويجب أن توضع متاريس عديدة لعدم قبول الأخرين من أبناء السودان ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر:
-أن يكون لدى المتقدم تزكية من رتبة لواء فما فوق وفى نفس الوقت يجب أن يكون ذلك اللواء من أهل الولاء المخلصين لتطبيق أجندتهم.
-ذكر اسم القبيلة ومنطقة الأصل وولاءاتك السياسية السابقة ومن هنا سيتأكد المتقدم أنه ليس من المرغوب فيهم!
-أن يتم تنفير المتقدمين عن طريق رسم بعض السيناريوهات المعدة سابقا” والتبريرات الواهية الأتية:
– أن التزكية لم تصلهم أو أن يتم تغييب بعض المعلومات المهمة للمتقدمين ساعة الإجراءات.
-البعض من لجان الاشراف والمعاينة قد يقول لك:«ياخى والله العسكرية دى شغلة تافهة ساى لو شفت ليك شغلة تانية أفضل والله أنا بنصحك دى نصيحة غالية منى ليك!» وهو في الأصل منافق لايريد لك الخير ويرمى من خلال نصيحته المبطنه بالسم الى افساح المجال لأحد أقرباءه الذى تم توصيته من قبل عليه.
-إذا كنت من الهامش فسوف تتوقع سؤال من قبيل:«علاقتك بالحركات المسلحة شنو؟» أو رأيك شنو فى الحركات المسلحة والسيد X رئيس الحركة الفلانية من ياتو قبيلة وZ من ياتو قبيلة ومجموعة من الأسئلة الاستفزازية التى يقصد من خلالها حرمانك من التقديم أو أن يصل الى ذهنك فرضية مفادها أنك لست محقا” لك أن تتقدم الى الانضمام الى الكلية الحربية.
-إذا استطاع المتقدم الإجابة على كل أنواع الأسئلة التى يقصد من خلالها الاستفزاز والاستدراج واطالة أمد المعاينة بدون نتيجة وأستطاع مقاومتهم سيخطر بانه سيتم الاتصال به عندما تكتمل الإجراءات وبمجرد خروجه من أمام المعاينة يتم التعليق على ملفه بالأحمر ويوضع فى سلة المهملات أو أن يؤمر بحرقه فى الحال لانه حتما” سيشكل خطرا” عليهم فى المستقبل إذا تم اعتماده!
بينما أبناء من يتم قبولهم بدون معاينات عبر السياسة الاثنية والعرقية الضيقة المتبعة فى دهاليز حياتهم عن طريق خطابات التوصية ورسائل الواتس ومجموعة قريبى وقريبك لا يعرفون حتى أين تقام تلك المعاينات ومع من الناس وفى أى المناطق ولا يعرفون سبب انتماءهم للمؤسسة العسكرية لأنهم مدفوعون بواسطة أهليهم ليكونوا ضباطا” صغار ويتدرجوا فى العمل الى أن يصبحوا قادة كبار حاكمين وليسوا محكومين!
-تمر أيام وأسابيع وأشهر وأخيرا” يتفاجأ المتقدم الذى وعد بالاتصال أن رصفاءه من أبناء جلدته من الطرف الثانى أكملوا كل المعاينات والترتيبات اللازمة وحتى معاينة القائد العام وتوجهوا الى معسكر التدريب وفى نفس الوقت تم قفل باب المعاينات وليس هناك استئناف لكى يتم النظر فيه وعليه أن يحمد الله ويبحث عن خيارات أخرى أو أن ينتظر للعام القادم وعليه فى هذه الحالة الجلوس لامتحان الشهادة السودانية للمرة الثانية لأن الكلية الحربية كالعادة تقبل الشهادات السودانية الحديثة وبعدها تدور نفس الساقية والمحصلة صفر كالعادة من دون جديد يذكر سوى قديما” تم تكراره!
شئنا أم أبينا رضينا أم لم نرضى اختلفنا أم اتفقنا لكن الحق يقال هذا بيت القصيد وأس الداء والحقيقة الغائبة unseen reality لبعض الناس وهناك حقائق ومعلومات لا يعلمها الا المخلصين منهم!
هذه هى نوعية العقلية الحاكمة عند القوات النظامية على أعلى مستويات هرم قيادتها ومن يسأل ويقول:«هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين» عليه أولا” التجرد من الولاءات المناطقية والحزبية والاثنية البغيضة بإعمال العقل والمنطق والبحث مليا” فى تركيبة القوات النظامية فى السودان من أين ينحدر الضباط؟ ومن أين المناطق أتى هؤلاء الجنود؟ وعليه أن يجيب على سؤالى له الا يستحق هؤلاء الجنود أن يكونوا ضباطا” مثلهم ومثل غيرهم وخاصة بينهم من يحمل درجة الماجستير ويستعد للدكتوراة ومنهم من يحمل حتى الدكتوراة ولديه خبرات وكفاءات وجداره تؤهله للقيادة بينما حتى من هم ضمن طاقم مكتب وزير الدفاع أو حتى الوزير نفسه لايحمل هذه الدرجة العلمية الكبيرة!
ما لكم كيف تحكمون؟
«نواصل فى حلقات قادمة»