بقلم عثمان نواى
من أسوأ خطايا النظام السابق ونخب الجيش فى الرتب العليا على رأسها البرهان هو الإساءة للجيش السودانى عبر تكوين مليشيا الدعم السريع وإعطاءها هذه الوضعية واستغلالها سياسيا وعسكريا داخليا وخارجيا. فإن كان البشير قد سقط فان من كان يحمى البشير كمرتزق قد حل مكانه، فهل يقبل الجيش الوطنى المحترف على نفسه ان يقوده مرتزق؟ . ان ما حمله خطاب البرهان امس من تبرير لوضعية قوات الدعم السريع من المرتزقة لهو اكبر اهانة توجه للجيش السودانى من قائده نفسه. خاصة بعد الجرائم التى قامت بها قوات الدعم السريع الايام الماضية تحت إمرة البرهان. ان الدعم السريع هو المتضرر الاكبر من اى تحول الى حكومة مدنية وعملية إعادة هيكلة الجيش ولذلك هو المستفيد الأكبر مع الكيزان من وقف عملية انتقال السلطة الى المدنيين .
فمن اهم الأزمات التى يجب ان يتحرك ضدها الجيش فى رتبه الدنيا هو الوقوف ضد ان يكون قائد مليشيا غير شرعية لم يتدرب يوما فى عرين الابطال، يرتدى زى عسكرى ويأخذ رتب لم يستحقها ولم ينالها عبر التراتبية والشرف العسكرى المعروف. بل انه أصبح عبر هذا الزى يمتلك المليارات من الدولارات لدرجة انه يفخر بأن أمواله هى التى تحرك دولاب الدولة. ومن أين اتى بالمال، اتى به من الارتزاق باسم الجيش السودانى وبيع شرف العسكرية السودانية لدول الخليج حتى أصبحنا مسبة. وبقية المال اتى بها من فوضى التعدين العشوائي الذى يحميه بمليشياته وقطاع الطرق الذين ينهبون موارد البلاد ويهربونها فى وضح النهار. حتى أصبح الرجل ومليشياته جيش داخل الجيش ودولة داخل الدولة. وليس دولة عميقة بل دولة عشوائية مبنية على النهب والسلب والارتزاق والتهريب. بل أصبح هو ومليشياته المدعومة من الخليج اكبر خطر يهدد استقرار السودان وسيادته وفرصه فى السلام والديمقراطية.
حيث ان المؤسسة العسكرية السودانية بكل عيوبها لكنها تظل اقدم مؤسسات الدولة السودانية الحديثة ومن اقدم الجيوش المنظمة فى أفريقيا والوطن العربى. حيث ان الكلية الحربية السودانية وكل ضباطها بكل تخصصاتهم كانوا ولازالوا هم نواة التعليم العسكرى والتربية العسكرية فى المنطقة العربية والأفريقية. لكن للأسف ان شرف العسكرية السودانية يتمرغ فى التراب بين يدى مليشيات قبلية كانت لها ظروف غير طبيعية فى نشأتها، حان الوقت لكى يتم وضعها فى مكانها الطبيعى. فكل مواطن سودانى اى كانت خلفيته له الحق فى الانضمام للجيش والترقى ضمنه ولكن بشكل محترف وشرعى، دون اى اقصاء. اما القوات الحالية للدعم السريع من الواجب التعامل معها كقوات غير نظامية ومليشيات يمكن إعادة دمجها وتدريبها هى وقيادتها وبكل مواردها المالية يتم وضعها تحت قيادة الجيش المحترف. ومساواة جنودها بعد إعادة تدريبهم ببقية جنود الجيش السودانى المحترفين. حيث ان الفارق الان في الوضع الاقتصادى بين جنود الجيش وهذه المليشيات فيه أكبر الإهانة لشرف العسكرية السودانية وعدم تقدير لمكانة الجندى السودانى الذى يصرف الملاليم بينما المرتزق من المليشيات يحصل على المليارات هو وقيادات الجيش من السماسرة أمثال البرهان.
ان الجيش السودانى فى حاجة حقيقية لان ينتفض لنفسه، ويطهر نفسه من جرائم المليشيات وشبهات الارتزاق والجرائم الدولية المرتكبة فى اليمن التى سوف يكون عليها حساب يوما ما سوف يتحمل الجيش السودانى جزءا منه اذا لم يقوم بتنظيم صفوفه واستعادة المؤسسة العسكرية لوطنيتها وقوميتها. ان حميدتي كرئيس مليشيا قبلية يجب ان يتم حسم مكانته عبر الجيش وهذا لهو اقل واجب تقوم به القوات المسلحة اتجاه استعادة احترام نفسها وهيبتها التى شوهتها المليشيات الغير محترفة التى إرتكبت ابشع الجرائم وخاصة فى مجزرة ٨ رمضان ومن قبلها المجازر فى نيالا وزالنجى . ان عملية إعادة انضباط الجيش وتوفير الموارد اللازمة لإعادة بناؤه وانصاف الضباط والجنود ماديا ومعنويا يتطلب ثورة داخلية مهنية حقيقية يقودها الرتب الدنيا من داخل الجيش،فقد حان الوقت لكى تنحاز لنفسها وتثور لحقوقها كجزء من الشعب السوداني .
ان عدم اعتراف الجيش بحميدتى ومليشياته كقوات نظامية هو الخطوة الأولى للجيش نحو استعادة قوميته. فلا يجب ان توجد فى السودان قوات عسكرية بعد الإسقاط الكامل للنظام واحداث التغيير غير الجيش القومى. ان خطوة نزع الاعتراف بقوات حميدتي وإعادة هيكلتها وتدريبها احترافيا ومن ثم دمجها فى الجيش هو الخطوة الأهم لضمان الاستقرار الآمنى والتوازن العسكرى للسودان. فيجب ان لاننسي ان هناك حركات مسلحة بعد اكمال التغيير والسلام، هى أيضا وفى اطار الجيش القومى سيتم إعادة دمج قوتها كجزء من القوات المسلحة القومية. ولا يمكن ان تظل قوات الدعم السريع موجودة بهذا الشكل وهى مليشيا قبلية بقيادة قائد قبلى غير محترف عسكريا وفى نفس الوقت يتم المطالبة بان تتخلى الحركات المسلحة عن جيوشها او دمجها فى الجيش بينما لا يحدث المثل لقوات حميدتي . حيث ان بقاء حميدتي وقواته سوف يشكل رفض مضاد من الحركات المسلحة لاى عملية تخلى او دمج لقواتها، وسوف تكون وقتها محقة. فلكى يتم نزع فتيل اى نزاع مستقبلى فإن هذه المخاطر يجب الانتباه لها الآن.
ان الرتب الدنيا فى الجيش على عاتقها حمل كبير على المستوى المهنى للمطالبة باحترام المهام الدستورية للجيش وإعادة هيكلة الجيش حتى يصبح مؤسسة قومية تحمى السودان ولا ترتزق فى الدول الأخرى. ولا تقتل شعبها. كما ان الفساد المالى والادارى وهيمنة الرتب العليا على الموارد هو نقطة أخرى تحتاج لإصلاح. وان حديث حميدتي المستفز عن موارد قواته المالية الهائلة تنبئ ان هناك جيش داخل الجيش ودولة حميدتي داخل الدولة . وهذا ما يجب ان يتم إسقاطه فورا لان هذا خطر على الدولة المدنية لايقل عن خطر الكيزان وخطر تولى الجيش للسلطة. فمن المخزى ان تكون مليشيات مرتزقة ضمن الجيش فى دولة ديمقراطية مدنية سقط لأجلها شهداء من الجيش نفسه. كما أنه لا يحق لا لحميدتى ولا للجيش نفسه الامتنان على الشعب السوداني بانهم رفضوا ان يقتلوه. فمهمة الجيش هى حماية الشعب وهو لم يقم سوي بالعمل الذى يتم دفع مرتبات له من مال الشعب ليقوم به. أما حميدتي فإنه كونه لم يقتل المتظاهرين قبل ٦ ابريل، فهذا فقط لانه هو نفسه أصبح ساخط على النظام وعلم ان أيامه معدودة. فخان ولى نعمته البشير، فهو كمرتزق لا يعترف بالأخلاق بل فقط بالمال. ولكى يحافظ على أمواله امتنع عن قتل المتظاهرين عله ينال الرضى ولا يسأله احد عما فعل من قبل.
ان القوى السياسية أيضا يجب ان تسحب الاعتراف عن هذه المليشيات وأيضا ان تكون واضحة فى موقفها تجاه حميدتي، وان توقف ابتزازه لها بأنه انحاز للشعب. هو فى الواقع انحاز لمصلحته ، اولا. حيث لا يمكن للمرتزقة وقطاع الطرق ان يحموا دولة القانون. كما ان تدخل الدول الخارجية فى الدولة السودانية عبر الأموال التى تدفع لهذه المليشات يجب ان يتوقف عبر نزع شرعية هذه المليشيات كجزء من الدولة والجيش السودانى، فهذا اكبر خطر على الأمن القومي للبلاد كما أنه يشكل خطر اقتصادى كبير . هذا الموقف يحتاج الى قوة ردع حقيقية لا يمكن أن تأتى الا من داخل الجيش السودانى. وان كان لهذا الجيش كفارة الان عن اى جرائم فى الماضى إرتكبت ضد شعوب السودان فى دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق وأيضا صمته ووقوفه متفرج طوال اربع شهور الانتفاضة قبل ٦ أبريل، فإن الثورة من داخل الجيش ضد دولة حميدتي المصغرة هو القربان الذى سوف يجعل الجيش السودانى قومى مرة أخرى ويستعيد احترامه فى نظر الشعب السوداني ويسمح لكل المليشات والحركات المسلحة من كل السودان فى ان تكون جزء من جيش قومى محترف ومحترم . من جانب اخر فإن الثورة الشعبية المستمرة هى الضامن الرئيس لاى عملية تغيير حقيقي تتم لصالح الشعب السوداني.
[email protected]