بقلم عثمان نواى
ان النظام الذى لطالما وصفناه بالارهابى، هو أيضا مثل جماعات داعش وطالبان وغيرها. يجيد عملية التخفى والتلون والذوبان حتى يظهر فى مكان اخر وبجلود واسم جديد. وقد ظل السودان مبتلى بجماعة الإخوان المسلمين او الكيزان منذ راس شيطانهم الأكبر الترابى. وهو الذى بسبب طرحه لمشروع الدستور الإسلامى واستغلال كل اطماع الطائفية وصراعاتها وخوفها من تجاوز السودانيين لقببهم وسيادتهم ،عبر الوعى الديمقراطي ، نجح الترابى وقتها فى تمرير ذلك المشروع وبذلك اجهضت ثورة اكتوبر واشتعلت حرب الجنوب. مرة أخرى كان عراب الكيزان الترابى هو الذى قام باجهاض ثورة ١٩٨٥ فى ٦ أبريل المجيد. حيث وسوس فى راس نسيبه الصادق المهدى حتى اجل إلغاء قوانين سبتمبر مما جعل قرنق يلقب النظام بعد الثورة بمايو ٢. والان الكيزان وبعد ان مات الترابى، يأتى تلاميذه مع جيل ال HD من الكيزان، يحاولون لعب لعبة تضمن لهم البقاء، والأهم تجنب المحاسبة.
ان اهم من بيان انقلاب القصر بالأمس ،المؤتمر الصحفى الذى عقبه اليوم، حيث أن الوجه الجديد نسبيا على الشاشات، عمر زين العابدين، واضح جدا من أسلوب حديثه انه من الكيزان المخضرمين الذين يجيدون اللعب بالكلام والعقول. هو أيضا اختير بعناية كون انه يتحدث ببساطة ووضوح يصل للسذاجة التى تذكر بالمخلوع عمر الآخر. “كفانا الله شر العمرين”! ولكن نسي الكيزان ان هذه ٢٠١٩، وليست ١٩٨٩ وان هذا الجيل الذى تربى على ايديهم يفهمهم جيدا ويشم كل رائحة ما يطبخون ولو من على بعد أميال. الان الطبخة الانقلابية من القصر والتى تمت كما قال صحفى النظام البلال تمت برضى البشير وعبارة “على بركة الله” لن تنطلى على الشباب الثائر.
ان النظام العميق والدولة العميقة التى بناها بصبر وتخطيط الترابى ومن بعده منذ الخمسينات من القرن العشرين ، لن تتفكك من الضربة الأولى. وهذا ما يجب ان يعيه الثوار. ان البشير نفسه لم يكن سوي المطية العسكرية للترابى. وقد اعترف بنفسه انه لم يرى الرجل الا قبل ٢٤ ساعة من تنفيذ الانقلاب وقتها. وهكذا كان سيناريو ١٩٨٩ اذهب الى القصر رئيسا وضعنى فى السجن حبيسا. الان السيناريو اكثر تعقيدا لعدة أسباب. اولا وعى الشارع وخبرته فى كل الاعيب الكيزان ،وثانيا الارتباط العميق بين مؤسسات الدولة من جيش وشرطة وأمن واقتصاد بمنظومة الكيزان. إضافة لعملية التسليح الكبير لأفراد النظام وكذلك ارتباطاتهم الخارجية بالتنظيم الدولى للإخوان وأيضا بدول الخليج سواء معسكر قطر او الإمارات والسعودية. هذا طبعا ناهيك عن لعبة المليشيات من أمن شعبى الى دفاع شعبى الى امن طلابى الى كتائب ظل وعلى راس هذه المليشيات قوات الدعم السريع.
لكن القوة الاقتصادية هى التى تصنع تماسك المنظومة وخاصة فى شراء غير المنظمين من أصحاب المصالح والمرتزقة. ومع اختفاء الأموال يتلاشى الولاء وتبدأ حسابات أخرى، اهمها الهروب من المحاسبة. الان النظام يتلاعب بكل ما لديه من أوراق لكى يتهرب من المحاسبة وربما أيضا عدم الخروج من السلطة بشكل كامل. خاصة الكيزان المؤدلجين. إضافة لذلك فإن جرائم الحرب التى تطوق كل قيادات الجيش تقريبا والدعم السريع إضافة لجرائم جهاز الأمن هى الدافع الرئيس لما يجرى الان. ولكن الدرس المهم من تاريخ السودان وكل الشعوب ان الخطوة الأولى نحو المستقبل تبدأ عبر المحاسبة على الجرائم وتضميد الجراح ومن ثم الانتقال الى المستقبل. اذن المصطلح الغائب الان عن الساحة هو المحاسبة والعدالة الانتقالية، ولكى تتم العدالة الانتقالية لابد من حكومة انتقالية مدنية من داخل الحراك الجماهيرى. وهى مطلب الساعة.
اذن الكيزان الى الان هم فى السلطة ولكنهم يحاولون التراجع الى ما خلف الكواليس والتوارى خلف العسكر. فى ذات الوقت فان الشعب أيضا يطلب حماية شرفاء الجيش للشعب من مليشيات الكيزان التى بالفعل قتلت العديد من الجنود أثناء الاعتصام. المشهد الذى تمت صناعته هو مشهد تجنب مواجهة بين الجيش ومليشيات الكيزان ،وهذا السيناريو معد بقيادة الكيزان فى الجيش ومحاولة القيادات الكيزانية فى الجيش الان هى اللعب بالوقت حتى تتمكن المليشيات إضافة الى النظام القديم من إعادة ترتيب الأوراق وشراء الوقت لكى يهرب من يهرب ولكى يغير جلده من يستطيع. ويختفي تحت الارض. فى عملية اشبه بما حدث لجيش صدام حسين عند الغزو الامريكى. للأسف ان المعادلة الأمنية فى السودان أصبحت معقدة جدا لان الجيش لم يعد هو الجيش الوحيد . السودان فيه جيوش عديدة بسبب النظام لذلك اضطر المجلس العسكرى نفسه ان يستلم السلطة عبر لجنة أمنية فيها كل مليشيات الكيزان المسلحة. ولو كان افراد الجيش من غير الكيزان هم من قاد هذا الانقلاب لكان اول حلفاءهم هى الحركات المسلحة والتى كانت ستقف مع شرفاء الجيش من أجل فرض السيطرة على مليشيات الكيزان. والتأكد من عدم هروبها. فان كان صغار الضباط فى الجيش هم من سوف يقودون اى حراك منحاز فعلا لمطالب الجماهير فيجب ان يعلموا انهم ليسوا لوحدهم ويجب الاستفادة لأول مرة من تعدد الجيوش والحركات المسلحة فى السودان فى الجانب المضاد للكيزان وحتى يعلم الكيزان ان هناك قوة تقف لهم بالمرصاد وأنهم لن يستفردوا لا بالشعب ولا بالاحرار من الجيش. هذا لا يعنى القتال ولا تحويل الثورة الى العنف، لكنه جزء من الرؤية الوطنية التى ان حدثت فإنه سيتم تقوية الحراك واستيعاب كامل لكل القوات الوطنية المناصرة للشعب فى وجه كل مليشيات الكيزان.
ان انحياز حميدتي الان هو ذكاء من الرجل، وليس فقط طموح فى السلطة. فحميدتى يمثل المليشيات القبلية التى تم استغلالها طويلا من الحكومة المركزية فى قمع الأطراف تحت مسمى الجنجويد او المراحيل فى زمن الصادق المهدي ونميرى. وهؤلاء الجنود هم فى الواقع ميليشيات لا ايدلوجيا لها. هى فقط تبحث عن المال وتقوم بما تجيده وهو القتال. وترتكب الجرائم لأنها لا تخضع لاى محاسبة. ووظيفتها الترهيب. حميدتي لا يختار فقط حماية الشعب لكنه يختار اهله وحمايته القبلية ووضعه جغرافيا عندما يرفض العضوية فى المجلس العسكرى . فهو ليس قوة مركزية وليس أيضا قوة منظمة. فهو يبحث عن الاعتراف به اولا من قبل الشعب . على كل فإن هذا المشهد المعقد يحتاج إلى حنكة والى دقة فى الحركة. واول ما يجب ان يحدث هو إخراج الحكومة الانتقالية او المجلس الانتقالي او الرئاسى للعلن. وإجراء اتصالات مكثفة بالمجتمع الدولى بفضح لعبة الانقلاب. كما أن الاتصال بالحركات المسلحة الان للمشاركة فى دحر مليشات الكيزان بمشاركة شرفاء الجيش السودانى هو ركيزة مبدئية لبناء الجيش الوطنى السودانى وأيضا تقوية لمركز الحكومة والمجلس الانتقالى. كما أنه بذلك يمكن أن يتم نيل مزيد من ثقة الشعب لانه القوة الحقيقية القادرة على تغيير كفة الموازين. ولن يتم نيل ثقة الشعب بمزيد من الغموض. بل الشفافية والنقاش الديمقراطي مع كل الشعب الموجود الان في الميدان وخارجه وفى المعسكرات والمنافى حتى يكون كل السودان ضد الكيزان.
nawayosman@gmail.com