نيويورك _ صوت الهامش
قال تقرير بصحيفة “نيويورك تايمز” أن استمرارية الاحتجاجات وانتشارها ونموها قد فاجئ المجتمع الدولي والإقليمي على حد سواء، على الرغم من الاستجابة العنيفة لحكومة “البشير” حيث تشهد السودان الآن أطول وأقوى احتجاجات في تاريخ ما بعد الاستعمار.
وأشار التقرير بأنه وعلى الرغم من مقتل ما لا يقل عن 45 شخصاً حتى الآن على أيدي قوات الأمن السودانية، إلا أن عشرات الآلاف من الأشخاص لا يزالون يتظاهرون في جميع أنحاء السودان بشكل سلمي ضد الحكم القمعي للرئيس “البشير”.
وأطلقت مدينة “عطبرة ” الواقعة في لاية “نهر النيل” على بعد 180 ميلًا تقريبًا من الخرطوم صافرة إنطلاق تلك الاحتجاجات في منتصف شهر ديسمبر الماضي، كرد فعل عكسي على ارتفاع الأسعار بعد قرار “البشير” برفع الدعم الحكومي عن الوقود والقمح، حيث كان ذلك وفقًا لتوصيات صندوق النقد الدولي، وهو ما تسبب في ارتفع التضخم في السودان إلى 72.94%، وهو ثاني أعلى معدل في العالم بعد “فنزويلا”.
وأكد التقرير على أن “البشير” وحكومته قد ألقيا باللوم مراراً في التضخم والتدهور الاقتصادي في البلاد على العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة في عام 1997، بينما جاء قرار إدارة “ترامب” بإزالة العقوبات في أكتوبر 2017 ، كاشفًا ومخالفًا لآمال السودانيين بتحسن الأوضاع الاقتصادية والتضخم، وازداد تدهور الاقتصاد.
وأفاد التقرير بأن الحكومة السودانية قد تبعت توصيات لإلغاء دعم القمح والوقود وتخفيض قيمة الجنيه السوداني، بينما شعر الأغلبية الساحقة من الفقراء بالأثر، خاصة وأن الحكومة فشلت في تنفيذ التوصيات الصادرة عن وزارة التربية والتعليم لاستخدام الأموال من بنك التنمية الأفريقي والبنك الدولي لدعم الأسر الضعيفة.
وفي ظل هذا الإنهيار، يقول التقرير أن الاقتصاد السوداني كان يعاني بالفعل من خسارة 75% من عائداته النفطية مع انفصال جنوب السودان، وما زاد الطين بلة أن معظم ميزانية السودان الوطنية توجه نحو القطاع العسكري والأمني، حيث تتعامل البلاد مع حركات التمرد في مناطق “جنوب كردفان” و”دارفور” و”النيل الأزرق” .
ففي عام 2018 ، تم تخصيص 3٪ فقط من الميزانية الوطنية للتعليم، ونسبةً أقل للصحة، بينما تمثل مرتبات وبدلات مسئولي الحكومة الوطنية وحكومات الولايات عبئَا إضافيًا على الميزانية السنوية، ما ترتب عليه أن تحتل السودان المرتبة الـ 175 من بين 180 دولة على مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية.
وسرعان ما بدأت الاحتجاجات العفوية يتم تنظيمها وأصبحت صرخات الحشد مطلبًا لإنهاء حكم السيد “البشير” ، واجتمع أطباء ومهندسون وأساتذة جامعات تحت راية تجمع المهنيين السودانيين ونظموا الاحتجاجات، كما وجدوا دعمًا من كلًا من “نداء السودان” ، أكبر كتلة معارضة، وتحالف قوى الإجماع الوطني، والتي طلبت من أعضائها الانضمام إلى الاحتجاجات وطالبت البشير بالتنحي.
وأشار تقرير “التايمز” إلى أن تاريخ “البشير” من القمع وسوء الإدارة الاقتصادية قد لعب دوراً محوريًا في أن لا تقتصر الاحتجاجات على العاصمة “الخرطوم” ولكنها تفشت وانتشرت في جميع أنحاء البلاد، حتى في المناطق المهمشة مثل “القضارف” في شرق السودان و”نيالا” و”الفاشر” في “دارفور” ، حيث قتل النظام الآلاف من الناس ودمر مئات القرى في أسماه بمكافحة التمرد.
وعلى الرغم من أن “البشير” يمتلك قبضة قوية على الدولة، وعلى الرغم أيضًا من أن الضغوط العالمية التي أعقبت القمع العنيف للمحتجين كانت ضعيفة، يشير التقريً أن الاحتجاجات قد ساهمت في تحطيم سور جديد بتشجيع السودانيين على مواجهة القادة الدينيين والمؤسسات التي حاولت تثبيط الناس عن الاحتجاج.
ونشر بعض الزعماء الدينيين والمؤسسات الدينية المحسوبة على الدولة وتشترك في وجهة نظر “البشير” الدينية والسياسية، تفسيرهم الخاص للشريعة الإسلامية ليقولوا إن على حاكم الولاية أن يُنصح فقط، وعلى انفراد، ولا يسمح الدين للناس بالتظاهر ضد الدولة.
وأوضح أنه وبينما يحاول هؤلاء الزعماء الدينيون استخدام الدين لحشد الدعم للبشير خلال خطبهم يوم الجمعة ، رد الحاضرون في المساجد – الذين تعبوا من الأوضاع السيئة في السودان – بهتافات غير مسبوقة داخل المساجد.
وفي وقت سابق من ديسمبر الماضي، زعم أحد الإمامين في مسجد “اليقين” في منطقة “بحري” في شمال الخرطوم أن الأسعار ترتفع بسبب الفساد الأخلاقي للشعب، وقبل الانتهاء من حجته، اعترض المصلون في المسجد بشدة، وأصروا على إنزال الخطيب من على المنبر، أجبروه على مغادرة المسجد.