إنّ مَثل وزيرالخارجية السوداني المقال , الذي حفل بمسيرة طويلة مع جماعة الاخوان المسلمين في السودان , كمَثل خضراء الدمن التي حذر منها رسولنا الكريم في احد الاحاديث النبوية الشهيرة , حين قال : اياكم وخضراء الدمن , عندما سأله الصحابة رضوان الله عليهم , وما هي خضراء الدمن يا رسول الله ؟ , فكان رد رسولنا الكريم انها المرأة الحسناء في المنبت السوء , فغندور هذا الرجل ذو الوجه الطفولي , حليق اللحية والشارب , الذي اعفى وجهه من ذلك الشعر الذي اصبح متلازمة للارهاب والتطرف الديني في العالم , وهو من الشخصيات الانقاذية التي حازت على القبول الانطباعي العام , من قبل المجتمع المحلي و الخارجي , فحصل على حظوة اجتماعية ودبلوماسية في الوسطين الاقليمي و الدولي , فلا احد ينكر ملكاته الخطابية الهادئة والمرتبة والبعيدة عن التشنج , الامر الذي ادى الى تحسين صورة النظام الانقاذي الاسلامي المتزمت نوعاً ما في دوائر القرار العالمية , تلك الصورة التي سبق وان صبغت الواجهات الاعلامية بالوجوه المتجهمة و العابثة طيلة الثلاثة عقود الماضية , فكثير ممن لا يعرفونه ظنوا انه من اولئك الذين التحقوا بقاطرة الانقاذ بعد الانقلاب العسكري , ولم يكن لهم المام بحقيقة انتمائه الى تيار الاسلاميين ولاخوان المسلمين منذ صباه الباكر , اي انه مصنف من البدريين , بحسب ادبيات جماعة الاخوان المسلمين , وانه شارك مع اوائل المنفذين للسياسات الاقصائية التي قطعت ارزاق الكثيرين من افراد الشعب السوداني العاملين بالخدمة المدنية , و ينسب اليه كذلك قيامه بتفكيك نقابة عمال السودان , فالحسناء مهما بلغ منها الجمال مبلغاً , لن تتخلى عن سلوك اكتسبته منذ نعومة اظفارها , لذلك جاء التحذير منها في الحديث النبوي الشريف , لان حسنها وجمالها مثل جمال وسماح جمل الطين , ولن تورد طالب ودها و المستمسك بها , و المهرول نحوها الا موارد التهلكة وسوء المنقلب , ذلك هو البروفسور ابراهيم احمد عبد العزيز غندور .
الشعب السوداني جياش العاطفة و ميّال للوقوف مع الممحون في محنته دائماً وابداً , بصرف النظر عن ماهية هذا الممحون و سجله الاجرامي وسيرته الذاتية , إنّه طبع جبل عليه هذا الشعب المسكين فاصبح وبال عليه , اذ ان مثل هذه العاطفة المنفلتة وغير المرشّدة , هي التي ساعدت على استمرار هذه العصبة المتجبرة على امتطاء ظهره كل هذه السنين العجاف , فما وثقه الوطنيون الاحرار الذين ما فتئوا يتابعون ويحصون , كل كبيرة و صغيرة منذ يونيو المشئوم و حتى كتابة هذه الاحرف , يعتبر خير دليل يجب ان يقدم للقضاء العادل بعد الخلاص من هذه الجوقة المنحرفة , لان المثل الشائع يقول قطع الرقاب اهون على الناس من قطع ارزاقهم , فالتصفيات التي لحقت بالمواطنين في وظائفهم و مصادر دخلهم , فيما ما اطلق عليه الانقاذيون زوراً اسم الصالح العام , يجب ان يحاكم مهندسوهذه التصفيات و منفذوها , من الذين مازالوا باقين على قيد الحياة , اما جريمة تفكيك وتعطيل وتدجين الجسم النقابي الاقوى في البلاد , لا تضاهيها الا جرائم الابادة الجماعية بحق الشعوب و المجتمعات , لانها ابادة حقيقية لكل بذور العمل المؤسساتي الديموقراطي الذي عليه ترتكز الامة لكي تبني نهضتها و تقدمها الانساني , فالبروفسور طبيب الاسنان قد اعمل مشرطه و استخدمه اسوأ استخدام , في اقتلاع انياب النقابة العمالية الاكثر شهرة في افريقيا و الشرق الاوسط , فساهم مساهمة كبيرة في تمكين باطل الاسلاميين في السودان , فالجرم الذي يقوم بارتكابه العالم البارع المدرك لاسرار الحياة , يختلف عن الجنحة التي يجنح اليها صبي في السابعة عشرة من العمر , فعندما يقوم المتخصص والعالم ببواطن الامور بالانحراف عن مباديء الخلق القويم , فسوف تكون العاقبة كارثية على المجتمع باكمله , و يصعب تداركها الا بعد زمان طويل , يطول و يستمر بطول عمر الاجيال.
الذين يتحدثون عن انجازات غندور ابان توليه حقيبة الخارجية , ينسون ويتناسون عن عمد المنبت الشاذ وغير المعتدل لمعتنقي فكر الاخوان المسلمين , و الجذر الملتوي الذي نبتت ونمت عليه شجرتهم , وانه لا صلاح ولا اصلاح يرجى من هذه المنظومة الاخوانية , حتى ولو تعاقدت مع خبير النبوءات الكبرى , وزير الخارجية الامريكية الاسبق هنري كيسنجر , ليقوم لها بمهمة ترميم اعمدة بيتها المائلة , وقد تبين ذلك في آخر مطاف سباق دبلومساية غندور , في ماراثون الرفع الجزئي للحظر الاقتصادي المفروض من قبل الولايات المتحدة الامريكية على حكومة الانقاذ , وليس على السودان كما ظل يردد رموز نظام البشير بصورة راتبة ومكرورة , فعندما زار جوقة الانقاذيين مساعد وزير الخارجية الامريكي اواخر العام المنصرم , انهار كل ما اطلق عليه منجزات غندور في الرفع الجزئي للحظر , فخضراء الدمن الانقاذية لن تقدر على تسويق الطهر و العفاف للشعوب السودانية , وهي التي نشأت وترعرت ونمت بمال سحت الانقاذ , و ارتوت بمياه الحركة الاسلامية التي يكتنفها التلوث والكدر , فالخلل في حقيقته جوهري و اساسي وبنيوي ومنهجي , لذلك لا يمكن ان يكون البنيان سليماً ومعافىً , طالما ان حجر الزاوية هشاً غير صلباً , والمهندس البناء ما زال منتهجاً لنهج البركة و البركاوي لاقامة هذا الصرح .
تسونامي غندور يعتبر من اكبر المسامير التي دقت في نعش نظام البشير واكثرها حدة , ولقد صدق الاعلامي الطاهر التوم في التسريب الصوتي الذي فلت منه على حين غفلة , بينما هو يقوم باعداد كواليس حلقة ذات علاقة باقالة الوزير الذي يحمل درجة الاستاذية في طب الاسنان , عندما وصف التوم الخطاب القنبلة لغندور امام البرلمان بانه نعي للدولة , فجميع عوامل الانهيار والسقوط قد توافرت , فالاقتصاد كما هو معلوم يعتبر العمود الذي يمسك فقرات عظم ظهر الدولة ويحفظ تماسكها , وبالفشل الاقتصادي تكون النهاية المحتومة للمنظومة الانقاذية قد تأكدت , فحالة الافلاس و الاخفاق الحكومي في معالجة المشكلة الاقتصادية و الازمة المعيشية , حتماً ستؤدي الى تقويض نظام الحكم , فعجز المالية وبنك السودان عن الايفاء بمستحقات السلك الدبلوماسي , هو امتداد طبيعي لعجز الموازنة العامة التي اشار اليها المراقبون اواخر العام المنصرم , وقالوها بالحرف الواحد , انه وبانقضاء الربع الاول من العام الحالي سوف تتضح معالم هذا العجز للعيان , فالاقتصاد علم تختلف محدداته عن محددات علم المحاسبة , ومن السهولة بمكان ان يصدر وزير المالية الركابي الجداول المحاسبية و يدبجها بالارقام الوهمية , الى ان يأتي الواقع المعيشي ليكذب تلك الارقام الصفرية.
لعلها آخر ورقة من اوراق التوت الساترة لعورة المنظومة البشيرية , و بعد ان خلعها غندور تكون الجماعة الاخوانية التي طغت في البلاد واكثرت فيها الفساد , قد افتضح امرها بشهادة واقرار شاهد من اهلها , وامام المجلس النيابي المدجن الذي لا قيمة له , فالرسالة الغندورية هي محاولة منه لابراء الذمة واراحة الضمير , امام شعب ما فتيء يسجل ويوثق و يحفظ كل شاردة وواردة , من افعال هؤلاء الامويين الجدد , الوصف الذي اطلقه عليهم رفيق دربهم الراحل مكي علي بلايل , ففات على البروف غندور ان محكمة الشعب لا تعتمد تجزئة النظر في القضية , فكل من اشترك في ارتكاب هذه الجريمة البشعة بحق الوطن , سوف يقتص منه هذا الشعب المنهك و الجائع و المحروم قريباً , ولن تجدي غندور هذه الهرولة التي قصد منها تقديم نفسه كشاهد ملك على اخوان الامس.
اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com